في مقبرة الفالوجا في بلدة جباليا، شمالي قطاع غزة، بات مهدي شعبان (29 عاماً)، معروفاً لدى كثيرين. فهذا الشاب الحاصل على درجة الماجستير في اللغة العربية من جامعة الأقصى يعمل في حفر القبور، ويساعد الخريجين الجامعيين في إتمام مشاريع تخرجهم وتدقيقها لغوياً، من دون أن يجد أي فرصة عمل. ويقول شعبان، الذي يعمل منذ خمسة أعوام مع والده وشقيقه الأصغر محمد في حفر القبور في مقبرة الفالوجا، إنه يساعد والده في توفير احتياجات أسرته المؤلفة من سبعة أفراد. في الوقت نفسه، رفض الابتعاد عن مجال تخصصه، فما زال يطالع الكتب ويمارس التدقيق اللغوي.
شعبان واحد من مئات آلاف الخريجين الجامعيين الذين يتقدمون للوظائف بشكل دوري في المؤسسات الحكومية والخاصة على أمل الحصول على فرصة عمل واحدة من دون جدوى، ويعجز عن تأمين 550 ديناراً أردنياً (نحو 775 دولاراً)، لاستخراج شهادة الماجستير، ويستعين بالإفادة الجامعية من أجل التقدم إلى الوظائف الشاغرة، الأمر الذي لا يعد مشكلة لإدراك الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة عجز الخريجين عن سداد الرسوم الجامعية للحصول على الشهادة النهائية.
حصل شعبان على شهادة البكالوريوس من الجامعة نفسها وبتخصص اللغة العربية. وعلى الرغم من كونها جامعة حكومية ورسومها مقبولة بالمقارنة مع الجامعات الخاصة، يقول إنه كان يؤمنها بـ"شق النفس". من جهة أخرى، يلفت إلى أنّه حصل على شهادة الدبلوم المتوسط في الهندسة الميكانيكية.
ويقول شعبان لـ"العربي الجديد": "قضيت أكثر من ست سنوات أبحث فيها عن فرصة عمل جيدة. طرقت أبواب جميع الوزارات والمعاهد التعليمية والمؤسسات الخاصة والأهلية، لكن الأبواب كانت مغلقة أمامي، وقد أُحبطتُ. في بعض الأحيان، أشعر أنني أدفن شهادتي في القبور لأنه لا قيمة لها في قطاع غزة حالياً"، وعمد إلى طباعة رسالة الماجستير التي حملت عنوان "تداولية الجملة في شعر محمد عبد الباري"، بهدف إثراء المكتبة الفلسطينية ومساعدة الخريجين والأدباء في المنهج التداولي، وقد التحق بعشرات الدورات المتخصصة في اللغة العربية والإدارة والتربية والتنمية البشرية، وشارك بدراسات داخل جامعة الأقصى، مثل "أثر الإعلام الرقمي على لغة الطفل من وجهة نظر أولياء الأمور"، وتداولية شعر نيفين درويش في ديوان "لك يبتسم الشعر".
كان شعبان يعتقد أنه بمجرد حصوله على درجة الماجستير ستفتح أبواب الوظائف أمامه. وعلى الرغم من عدم قدرته على العمل في مجال تخصصه، إلا أنه يسعى لأن يكون إيجابياً، وقد أتاحت له دراسة الماجستير التعمق والإبحار في عالم اللغة العربية وإنجاز بحوث عدة، وتعزيز قدرته على النقد في ظل تراجع اللغة العربية في المؤسسات الرسمية، كما أكسبته قدرة أكبر على التحليل وتفسير كلمات اللغة العربية القديمة واللغة المحكية. هذه الإيجابية لا تنسيه واقعه الصعب، هو الذي يتقاضى نحو 20 شيقلاً (6 دولارات أميركية)، مقابل حفر القبر الواحد.
ويرى شعبان أن مهنة حفر القبور ليست سهلة وتحتاج إلى خبرة. يقضي نحو ثلاث ساعات متواصلة في حفر القبر الواحد ويصف المهنة بـ"الشاقة"، ويشير إلى أن كلفة بناء قبر في غزة هي 100 دولار أميركي، إلا أنه يحتاج إلى 90 دولاراً لتأمين المواد الخام للبناء، ليتبقى له القليل، يضيف: "التحقت بالعديد من الدورات في التدقيق اللغوي بعد انتهائي من الماجستير، وساعدت كثيرين في كتابة رسائل الماجستير، وأعمل كمتطوع في مركز ينابيع الثقافي لمساعدتهم في نشر الثقافة الفلسطينية واللغة العربية، من خلال التواصل مع الروائيين والكتاب لرفع مستوى الأدب".
لم يتوقع شعبان أن يعمل في مهنة حفر القبور، هو الذي كاد يفقد حياته في القصف الإسرائيلي خلال العدوان على قطاع غزة عامي 2008 - 2009، إلا أنه مضطر للعمل لمساعدة عائلته ورد الجميل لوالده الذي سانده في تأمين مصاريف دراسته.
وعلى الرغم عن المأساة التي تحيط به، إلا أنه يُعِد نفسه ليكون أستاذاً جامعياً في يوم من الأيام، ويحاول الحصول على منحة لدراسة الدكتوراه. وتظهر آخر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني المتعلق ببطالة الخريجين في فلسطين، أن نسب البطالة لدى خريجي الجامعات من مختلف التخصصات بلغت 78 في المائة في غزة خلال عام 2020، في مقابل 35 في المائة في الضفة الغربية.