استمع إلى الملخص
- **جهود الإغاثة والمبادرات المحلية:** استجابت 200 منظمة محلية ودولية للأزمة الإنسانية، وتم تجهيز أرض بمساحة 80 فداناً في ولاية القضارف لاستضافة المهجرين، مع إطلاق مبادرات شبابية ومجتمعية لتوفير الغذاء والإيواء.
- **التحديات والاحتياجات المستمرة:** رغم الجهود المبذولة، لا تزال الأوضاع الإنسانية صعبة للغاية، حيث يفتقر المهجرون إلى الضروريات الأساسية مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، مما يستدعي تدخلاً أكبر من المنظمات الدولية.
التحق مهجّرون من ولاية سنار وسط السودان بملايين المنكوبين بكوارث الحرب المندلعة منذ إبريل/ نيسان 2023، والتي شهدت العديد من المجازر، ونزوح مئات الآلاف، فضلاً عن مغادرة عشرات الآلاف البلاد.
تروي ناهد مصطفى التي تسكن في مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار (جنوب شرق)، لـ"العربي الجديد"، أنها تفاجأت على غرار سكان المدينة بوصول قوات الدعم السريع إلى سنجة في 29 يونيو/ حزيران الماضي، وصدمها استهداف قوات الدعم السريع منزلها. وتقول: "دهم العناصر المنزل وضربونا ونهبوا السيارة والأموال والهواتف وخرجوا، ثم عادوا للبحث عن ذهب ومقتنيات أخرى ثمينة. ومع بزوغ فجر اليوم التالي قررنا المغادرة مهما كان الثمن. وعند باب المنزل أبلغني العناصر أنهم يريدون اعتقالي وترحيلي إلى مدينة ود مدني، فخدعتهم بالعودة إلى المنزل ثم بالخروج من باب خلفي لم يعلموا بوجوده، ولحقت بباقي أفراد أسرتي إلى خارج المدينة".
تضيف: "سرت مع أفراد من أسرتي وسكان آخرين من المدينة نحو 24 كيلومتراً وصولاً إلى منطقة الدندر، ثم نقلتنا مركبة إلى القضارف وبعدها إلى كسلا حيث نمكث عند أقارب. ويبقى الأمر المحزن والمقلق أنني فقدت التواصل مع شقيقي، وهو مريض، الذي بات في عداد قائمة طويلة للمفقودين".
قصة ناهد هي واحدة من قصص مآسي التشرد والعيش بلا مأوى والتعرّض لحرارة الشمس والأمطار، والسير مسافات طويلة، ونقص المأكل والمشرب، وفقدان فرد أو أكثر من الأسرة.
عدد الفارين من المعارك في ولاية سنار يتجاوز 150 ألف سوداني
وتكشف مبادرة "مفقود" التطوعية أنها رصدت 206 حالات لفقدان أشخاص جراء الأحداث في سنجة وحدها، وذلك استناداً إلى بلاغات تلقتها من أسر. وأشارت إلى أن رصداً آخر للمفقودين حدد عددهم بـ524، وتوضح المبادرة أن عدد المفقودين الأطفال وصل إلى 95، منهم 34 دون سن الخامسة، وأحدهم كان يبلغ عمره خمسة أيام، وتشير إلى أن عدد المفقودين الإناث 76 والذكور 130.
وتفيد تقارير منظمات محلية وإقليمية بأن عدد الذين فروا من ولاية سنار جراء المعارك تجاوز 150 ألفاً، وهجّروا إلى ولايات القضارف وكسلا والنيل الأبيض والنيل الأزرق. ويقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، إن "النزاع في ولاية سنار فاقم معاناة المدنيين بشكل كبير، وزاد انتهاكات القانون الإنساني الدولي، إذ واجه المدنيون مخاطر عدة في مجال الحماية. وأبلغ كثيرون عن تعرضهم لعمليات نهب واسعة للمنازل والممتلكات".
يضيف: "استضافت ولاية القضارف سابقاً نحو 280 ألف مهجر من ولايتي الخرطوم والجزيرة، وانضم إليهم حالياً مهجرون من سنار عانوا من عدم الحصول على الغذاء والماء والكساء والمأوى والخدمات العلاجية، فتدخلت 200 منظمة دولية ومحلية في مساعدتهم، وساندهم سكان من القضارف، من خلال مبادرات شخصية وجماعية، وأحدهم رجل الأعمال وجدي ميرغني الذي وفرّ أرضاً بمساحة 80 فداناً بمنطقة ود الحوري، جرى تجهيزها بمصادر المياه والكهرباء، لاستضافة المهجرين وأسرهم، كما قدّم خدمات غذائية عاجلة للمهجرين في المنطقة".
وتقول لجنة محامي الطوارئ التي تدافع عن حقوق المدنيين: "أحدث القتال في سنار تحوّلاً كبيراً في حياة سكان الولاية، واضطر مئات آلاف النساء والأطفال وكبار السن والمرضى من أنحاء الولاية إلى تنفيذ تهجير جماعي قسراً على مدى ليالٍ بحثاً عن الأمان، ما شكل مأساة وكارثة إنسانية غضّ الضمير العالمي بصره عنها. وواجه آلاف من الأطفال وكبار السن والمرضى تحديداً تهديدات الموت بسبب الجوع وعدم توفر الأدوية، وافترشوا أرصفة الطرق التي تربط بين ولاية سنار وولايتي النيل الأزرق والقضارف".
وتتهم اللجنة طرفي النزاع بمضاعفة المعاناة عبر فرض قيود على المعابر الرئيسية، ومنع الفارين من التحرك بسلاسة. وتشدد على ضرورة فتح كل المعابر فوراً والسماح للمدنيين العالقين بالتحرك بحرية من دون قيود، محذرة من مخالفة وانتهاك القانون الإنساني الدولي.
ويؤكد رئيس جمعية "رأف" للتنمية، أحمد صلاح قرشي، لـ"العربي الجديد": "لا يزال المهجرون يحتاجون إلى غذاء وإيواء وعلاجات وأدوية، ويوجد عدد كبير منهم في محيط السوق الشعبي رغم الظروف المناخية، وهم يحتاجون أيضاً إلى تجهيز سكن ملائم". ويذكر قرشي أن "منظمة رأف استجابت لحال الطوارئ، وتدخلت بالشراكة مع المنظمة الدولية لتأسيس عيادات مجانية للأطفال، وعلاج الأمراض الباطنية، والخاصة بالنساء والتوليد، وأيضاً لتجهيز صيدلية ومختبر، وهناك مبادرات شبابية وتحركات من مجتمع القضارف في مجالات الغذاء والإيواء". ويرى أن الأوضاع السائدة تحتاج إلى مزيد من التدخلات في ما يتعلق بالإيواء والغذاء، مع تزايد وتيرة التهجير، وارتفاع الأعداد بشكل يومي، مع تصاعد الأعمال العدائية في البلاد.
من جهتها، حثت حكومة ولاية القضارف المنظمات الأممية والدولية بالولاية على التدخل فوراً لتوفير مواد تدعم الإيواء الجيد والمتطلبات الصحية للمهجرين من ولاية سنار. وشدد الوالي محمد أحمد حسن على أهمية التدخل السريع لمعالجة مشكلات التهجير التي تزامنت مع بداية هطول الأمطار، وتحسين وزيادة الخدمات المقدمة في المخيمات، وأكد أن الوضع الراهن يتطلب زيادة وتيرة التدخلات في كل المجالات لامتصاص تداعيات الحرب.
وفيما تعد سنجة من بين أكثر المدن تضرراً، أطلق أبناؤها الذين يعيشون خارج السودان وداخله، مبادرة "أنقذوا أهل سنجة". يقول حسين إسماعيل نابري، الناطق الرسمي باسم هذه المبادرة، لـ"العربي الجديد": "تهدف المبادرة إلى تخفيف وإزالة الآلام عن الأهالي، علماً أنّنا نعلم أنه لن يرتاح بالهم حتى عودة سنجة إلى سابق عهدها وسلامها وأمنها".
يتابع: "لم يميّز هجوم مليشيا الدعم السريع على المدينة بين مدني وعسكري، وتعرضت المنازل لقصف عشوائي، واستهدفت البنى التحتية والمرافق الحيوية مثل المدارس والمشافي. وشهدت المدينة انتهاكات لحقوق الإنسان فاضطر السكان إلى الهروب للبحث عن الأمان فواجهتهم ظروف قاسية للغاية جعلتهم لا يملكون الماء والغذاء والمأوى المناسب، كما عانوا من صعوبات في الوصول إلى الخدمات الصحية خصوصاً الأطفال وكبار السن والمرضى والنساء الحوامل".
ويشير إلى أنّ أبناء المدينة حول العالم جمعوا الأموال بمختلف الوسائل، وتبرعوا بها لأهلهم، لا سيما للمهجرين. وشكلت مبادرة "أنقذوا أهل سنجة" لجنة لتوثيق الانتهاكات وكشف حقائق ممارسة مليشيا قوات الدعم السريع القتل العشوائي والاعتقال التعسفي والتعذيب والعنف الجنسي ضد النساء كأداة حرب، ما خلّف آثاراً نفسية وجسدية عميقة، كما شكّلت المبادرة لجنة أخرى لحصر المفقودين، علماً أنها تواجه صعوبات عدة، أبرزها انقطاع الاتصالات.
وفي مدينة كسلا (شرق) التي استقبلت آلاف المهجرين من ولاية سنار الذين يعيشون في أوضاع سيئة، يقول عبد الإله خليفة، وهو عضو غرفة مدينة كسلا، لـ"العربي الجديد": "لم نحصر عدد المهجرين من ولاية سنار، لأنهم يصلون على مدار الساعة، وهم يتوجهون إلى مركزين للإيواء، الأول في مدرسة كسلا الصناعية، والثاني في مقر لوزارة الزراعة بمنطقة غرب القاش. وتضم المدرسة العدد الأكبر من المهجرين الذي يزيد عن 300 أسرة، ويضم أكثر من ألفي فرد، أما عدد المهجرين في مركز الوزارة فيبلغ 1200، ويتوزع آخرون على مراكز إيواء صغيرة".
يتابع: "الوضع الحالي للمهجرين سيء جداً، إذ يفتقرون إلى أبسط الضروريات. وتضم غرفة طوارئ كسلا مطبخاً مركزياً يوفر وجبات يومية للمهجرين، كما أنشأ برنامج الأغذية العالمي مخيماً واحداً كبيراً لكنه لم يكفِ إذ تعيش أسر في العراء وتواجه مخاطر الأمطار ودرجات الحرارة المرتفعة في وقت النهار حيث يتظللون بالأشجار. أما الوضع في مركز وزارة الزراعة فأفضل إذ تتوفر مخيمات تستخدم في المناسبات الاجتماعية والأسرية، ما يقي المهجرين من ارتفاع درجات الحرارة. وعموماً يشارك كل مجتمع كسلا في توفير خدمات للمهجرين، لكن ذلك لا يكفي والمطلوب أن تتدخل منظمات دولية بشكل أكبر.
وفي شأن الوضع الصحي، يوضح خليفة أن غرفة الطوارئ بالمدرسة الصناعية تتضمن عيادة مركزية تحتوي على مختبر مكتمل التجهيزات وأطباء ويوفر أدوية. أيضاً توجد عيادة أخرى في مركز غرب القاش، وكل ذلك يحصل بجهد تطوعي، أما غالبية الحالات التي تستقبلها العيادات فهي لأصحاب الأمراض المزمنة، وقد عانى مرضى الكلى أكثر من غيرهم، لأنهم يحولون إلى مركز غسيل الكلى الوحيد في المدينة، ويمضون فترات طويلة من دون غسل كلى.