مهجرو ريف حمص الشمالي "فراق يفطر القلوب"

30 يونيو 2021
مشهد التهجير في الحرب السورية (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

مضت ثلاثة أعوام على رحلة تهجير شريحة كبيرة من سكان ريف حمص الشمالي. رحلة لا تزال ذكراها مطبوعة في أذهان المواطنين الذين اختبروا تجربتها، قبل أن ينتقلوا إلى حياة جديدة نجحوا فيها في التغلب على الظروف الصعبة، ولحظات فراق تفطر القلوب. 
"لم يكن الخروج سهلاً"، كما يصف الشاب الثلاثيني عامر حمزة الذي ترك والديه متجهاً إلى إدلب في مايو/ أيار عام 2018. لكن مصاعب الحياة وظروفها لقنته دروساً تفيد بأن استمرار التقدم هو ما يمدّه بالطاقة والقوة لمواصلة المسار. 
يقول حمزة لـ "العربي الجديد": "عشت فترة صدمة حين غادرت منطقة الحولة. وأصعب ما مررت به هو لحظة فراقي عن والديّ. دارت أسئلة كثيرة في ذهني على صعيد كيفية العيش مهجراً، والمكان الذي سأقيم فيه وأي عمل سأمارس. وبينها أيضاً هل سأجتمع بوالديّ وإخوتي مجدداً، ومتى سيستطيع أطفالي رؤية جدّيهم". 
يروي حمزة أن "ملامح الصدمة زالت بعد الوصول إلى مدينة إدلب. ففي البداية لم أستطع استيعاب المكان الذي أتواجد فيه، لكن مع مرور الأيام بدأت أفكر في المستقبل، وارتأيت أن أعود إلى الجامعة التي انقطعت عنها منذ نهاية عام 2011، فالتحقت بجامعة إدلب التي سأتخرج منها هذا العام. وخلال الفترة ذاتها، وجدت عملاً يوفر لي دخلاً لا بأس به. بالطبع، أنهكتنا الحياة الصعبة والسنوات الثقيلة التي منعتنا من دعم بعضنا البعض، لذا سلكت طريقي انطلاقاً من الواقع القائم".

وبين المدن والبلدات التي غادرها سكانها بسبب رفضهم تسويةً مع النظام مقابل بقائهم في ريف حمص الشمالي، تلبيسة والرستن، والحولة وكفرلاها وتلدو وتل ذهب، وقرى البرج و سمعليل والدار الكبيرة. ولم يملك هؤلاء إلا هذا الخيار لتجنب التعرض لملاحقات أمنية واعتقالات، وتفادي التحاق الشبان بالتجنيد الإجباري في صفوف جيش نظام بشار الأسد. أما الضمانات التي وعد الجيش الروسي بمنحها لهم حينها فكانت مجرد خدعة.
يقول عباس أبو أسامة لـ "العربي الجديد" إن "الأهم بالنسبة إلى من تهجروا أنهم نجوا، وكُتبت لهم حياة جديدة. شخصياً لم أتردد في الخروج رغم كل المصاعب التي عرفت أنها ستكون أسهل عليّ من البقاء في المنطقة، والخدمة في جيش النظام مع احتمال التعرض للاعتقال أو الابتزاز. أيقنت أن الخروج هو الخيار الأمثل بالنسبة لي من كل النواحي. لم يكن الأمر سهلاً في البداية، لأنني لم أغادر منطقة الحولة لسنوات، فكانت رقعتها الجغرافية المحدودة عالمي الوحيد. ومع التهجير والوصول إلى إدلب، قررت البدء من جديد، لا سيما أن الوضع مختلف تماماً عنه في ريف حمص الشمالي".

العيش في مخيمات هو مصير بعض مهجري سورية (دليل سليمان/ فرانس برس)
العيش في مخيمات هو مصير بعض مهجري سورية (دليل سليمان/ فرانس برس)

يتابع أبو أسامة: "بقيت فترة مشوّشاً وغير قادر على الاستقرار في مكان معين، حتى استأجرت منزلي الحالي، ومكثت فيه مع أطفالي وزوجتي، ووجدت عملاً يناسبني. وأنا الآن واثق من قدرتي على المواصلة، بعدما لم أستسلم للظروف التي مررت بها على صعيد التهجير وفراق الأهل. في المقابل، تدور في ذهني دائماً فكرة متى أعود، ومتى تنتهي المعاناة التي نعيشها منذ عقد من الزمن. لكن لدي أمل في أن هذه المآسي التي نعيشها لن تدوم وستتغير الأحوال، وسنجتمع بالأهل ونعود إلى مناطقنا مثل باقي المهجرين الذين فقدوا بيوتهم وكل ما يملكونه، بعدما أجبروا على المغادرة". 
من جهته، يرى الشاب بلال أبو عبدو، المقيم في مخيم قرب بلدة دير حسان شمال إدلب، أن المهجرين من ريف حمص الشمالي يواجهون حالياً مشكلات في عدم الاندماج بالكامل. ويقول لـ "العربي الجديد": "رغم أنني حصلت على فرصة عمل، ونجحت في الصمود بمعزل عن الاعتماد على المنظمات الإنسانية، لكنني أفتقد بيت عائلتي الذي نشأت فيه، وأشقائي وأقاربي". يتابع: "مقولة صنعة في اليد تقي من الفقر راسخة في ذهني، وأتاحت لي إيجاد عمل، أما الأمر الصعب فهو عدم القدرة على الاعتياد على حالي. أشعر دائماً بأنني مهجر. ورغم أنني أعمل، أنا لا أملك بيتاً أو أرضاً، وأفتقد العائلة والجيران والأقارب، أي الانتماء الذي لا يعوضه تقارب الناس من بعضها البعض حيث أقيم. كما يبقى حنيننا إلى مكان نشأتنا، لذا نرجو العودة قريباً". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يوضح الشاب الأربعيني جميل عبيد لـ "العربي الجديد" أن "ثلاث سنوات مضت على تهجيري من ريف حمص الشمالي. الأمور صعبة لكن التهجير فتح لي أبواباً جديدة في الحياة، فعدت لمزاولة مهنتي بعدما انقطعت عنها سنوات، واليوم لا أجد فرقاً كبيراً بين العيش في ريف إدلب أو ريف حمص، باستثناء أنني كنت أملك منزلاً كبيراً في ريف حمص بخلاف منزلي الحالي في مخيم ريف إدلب. وأرى أن الحياة هنا أسهل بكثير من البقاء تحت كنف النظام ورعب الاعتقال، وأعتقد بأن العودة إلى مناطقنا لن تتحقق إلا بسقوط النظام، وزوال الخوف والقمع".
ويمتدّ ريف حمص الشمالي على مساحة جغرافية تناهز 350 كيلومتراً مربعاً. ويشكّل نسيجاً طائفياً وعرقياً معقداً يضم العرب والتركمان والشركس. وتتعدّد الطوائف فيه من سُنة يشكلون النسبة الأكبر من سكانه، وعلويين وشيعة ومرشديين وإسماعيليين، وكان هذا التنوع رمزاً للتعايش لعقود من الزمن، قبل أن يتدخل النظام لتفكيك هذا النسيج الاجتماعي الفريد في المنطقة.

المساهمون