مهاجرو أميركا... تهديدات بالطرد نتيجة الصراع السياسي

25 اغسطس 2024
تعبران السياج الحدودي من المكسيك إلى ولاية أريزونا (براندون بيل/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أحمد، مهاجر موريتاني، هاجر إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك بعد مشاهدة فيديو على تيك توك، تعرض لهجوم من عصابات وسُلبت أمواله، ويعمل الآن في صالون حلاقة بانتظار قرار المحكمة بشأن طلب اللجوء.
- يعيش أحمد مع صديق موريتاني ويعمل 12 ساعة يومياً، مرسلاً أموالاً لأسرته، ويعبر عن قلقه من تصريحات ترامب حول طرد المهاجرين، خاصة مع استئناف إدارة بايدن عمليات الطرد وبناء الجدار الحدودي.
- يساهم المهاجرون غير النظاميين في الاقتصاد الأميركي، ويطالب الديمقراطيون بفتح مسار للحصول على الجنسية، لكن لم تُقدم خطة بسبب معارضة الجمهوريين، ويخطط ترامب لإطلاق أكبر عملية ترحيل في حال فوزه بالرئاسة.

في يناير/ كانون الثاني 2023، شاهد الموريتاني أحمد (اسم مستعار) فيديو على تطبيق تيك توك عن طريقة جديدة للهجرة إلى الولايات المتحدة عبر الحدود مع المكسيك. أراد أن يهرب من الفقر والألم والحياة التي يرى أنها بلا مستقبل فاقترض آلاف الدولارات، وحجز تذكرة طيران إلى نيكاراغوا التي استقل منها حافلة دخلت إلى المكسيك، ثم عبر إلى الولايات المتحدة.
كان يفترض أن تستغرق الرحلة بضع ليال، لكنها امتدت نحو شهرين. في المكسيك هاجم أفراد عصابات القافلة على الطريق، واحتجزوه مع عشرات ثم استولوا على كل ما كان معه وتركوه يغادر إلى الولايات المتحدة، حيث سلّم نفسه مستفيداً من ميزة فتح الحدود التي أتاحها الرئيس جو بايدن خلال السنوات الماضية، وهو يعمل حالياً في صالون حلاقة في انتظار موعد المحكمة التي ستقرر إذا كان طلبه يسمح بحصوله على حق اللجوء أم لا.

يعيش أحمد في غرفة مع صديق آخر من موريتانيا أيضاً، ويعمل في صالون حلاقة نحو 12 ساعة يومياً، ويُرسل أموالاً شهرياً إلى أسرته. يشكر الله على حاله، لكن كلماته تعكس الألم والقلق والخوف والترقب، خاصة في ظل تصريح مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب أنه سيطرد المهاجرين. ما يجعله يخشى تقلبات السياسة وأهواءها.
وخلال ولايته، أعلن ترامب في يونيو/ حزيران 2019، بدء شرطة الهجرة ترحيل ملايين الأجانب الذين دخلوا البلاد بأساليب غير قانونية. وأشارت الأرقام الرسمية حينها إلى أن عدد المهاجرين تجاوز 11 مليوناً معظمهم من دول أميركا الجنوبية، إضافة إلى أكثر من مليون شخص يقيمون في شكل غير نظامي.
وخلال ولاية بايدن، واجهت إدارته انتقادات حادّة بسبب ما وصفه الجمهوريون بـ"الحدود المفتوحة"، لكنها استأنفت لاحقاً عملية الطرد لمن وصفتهم بأنهم "مهاجرون لم يستوفوا شروط الإقامة القانونية"، وأكدت تصميمها على معاقبة من يعبرون الحدود بأسلوب غير قانوني، كما استأنفت إدارة بايدن بناء الجدار على الحدود مع المكسيك، وقررت في يونيو/ حزيران 2024، بعد انتقادات حادّة وجهت إليها خفض عدد المقبولين للحصول على اللجوء على الحدود مع المكسيك.
وبلغ إجمالي عدد المهاجرين الذين سمحت الولايات المتحدة بدخولهم عبر الحدود الجنوبية الغربية وأجرت مقابلات معهم خلال فترة بايدن، نحو 6.7 ملايين، أما عدد الذين دخلوا الحدود بطريقة غير نظامية فبلغ 1.7 مليوناً، ما رفع إلى نحو 14 مليوناً عدد المهاجرين السريين والمقيمين غير النظاميين. 
وكانت التقديرات الرسمية لعام 2020 أشارت إلى أن نحو أربعة ملايين من المهاجرين السريين يدفعون الضرائب في شكل منتظم، وأنهم يعملون غالباً في وظائف خدماتية، مثل خدمات التوصيل، والمطاعم والطبخ والرصف والبناء وغيرها من المهن التي تحتاج إلى جهد بدني كبير.
رغم ذلك، يتهم أنصار ترامب هؤلاء المهاجرين بالاستيلاء على الوظائف، في حين يقدّر محللون بأن طردهم سيعطل مجتمعات محلية في أنحاء الولايات المتحدة.

خفضت إدارة بايدن عدد المقبولين للحصول على لجوء على الحدود مع المكسيك (براندون بيل/ Getty)
خفضت إدارة بايدن عدد المقبولين للحصول على لجوء على الحدود مع المكسيك (براندون بيل/ Getty)

يخبر أليكس، وهو مهاجر سري، "العربي الجديد" أنه من حسن حظه أنه عبر الحدود قبل عامين من وصول ترامب إلى الرئاسة، وأنه يعمل في المطاعم، ويُقيم مع صديقته اللاتينية التي عبرت الحدود مثله عبر التهريب من أجل الإنفاق على أسرتها، والبحث عن حياة أفضل.
يعمل العشريني أليكس الذي يقيم في ولاية فيرجينيا، ستة أيام أسبوعياً، بمعدل 12 ساعة يومياً، ويأمل في أن يجد فرصة مناسبة لحل مشكلة أوراقه، فهو لا يرغب في أن ترحله السلطات، ويريد استكمال دراسته، وأن يجد فرصة عمل أفضل. مؤكداً أنه لا يعاني من عدم توفر فرص العمل، فهي كثيرة، لكنه يخشى من مستقبل غير واضح الملامح.
ويساهم هؤلاء المهاجرين في صناعة الاقتصاد الأميركي، لذا يطالب الديمقراطيون بفتح مسار يسمح بحصولهم على الجنسية مقابل اندماجهم بالكامل في الاقتصاد الرسمي والتزامهم بدفع الضرائب. وحين تولى الرئاسة في عام 2021، أعلن بايدن أنه سيطرح خلال المائة يوم الأولى من ولايته خطة تصل بالمهاجرين وبـ"الحالمين" إلى الجنسية. لكن هذه الخطة لم تُقدم في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، ثم حاول بايدن طرحها أخيراً، لكن مبادرته ولدت ميتة بسبب رفض الجمهوريين لها في مجلس النواب.
وقانونياً لا يُسمح للأشخاص الذي يدخلون الولايات المتحدة بطريقة غير نظامية بالحصول على الجنسية. ويستطيع الكونغرس وحده أن يقرّ تشريعاً يسمح بالحصول على الجنسية، ما يضع مصير هؤلاء الأشخاص تحت تقلبات الصراع السياسي والانقسام الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين. وفي ثمانينيات القرن الماضي أقرّ الكونغرس خلال ولاية الرئيس الجمهوري رونالد ريغان، قانوناً أتاح حصول ثلاثة ملايين مقيم غير نظامي على الجنسية.
ويرغب ترامب، حال فوزه بالرئاسة، في إطلاق أكبر عملية ترحيل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة (أكبر من تلك في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور)، وقد بنى حملته الانتخابية على أساس المخاوف المناهضة للمهاجرين بشكل أكبر مما فعل في عام 2016، وهو يصفهم بشكل دائم في خطاباته بأنهم "يسممون دماء بلادنا"، وأنهم "مجرمون وخارجون عن القانون وتجار مخدرات وقتلة". 
وتتضمن الخطة التي يسعى ترامب إلى إقرارها، حشد مكتب التحقيقات الفيدرالي والمدعين الفيدراليين وإدارة مكافحة المخدرات والحرس الوطني، وحتى ضباط إنفاذ القانون على مستوى الولايات، لتنفيذ عمليات ترحيل المهاجرين غير المسجلين.
والمفارقة أن الرئيس السابق باراك أوباما يتفوق على ترامب في عدد المهاجرين السريين الذين رحّلهم، وهو نحو ثلاثة ملايين بين عامي 2009 و2016، ومن بينهم 419 ألفاً عام 2012، أما ترامب فرحّل نحو 295 ألفاً في عام 2017، ونحو 250 ألفاً في عام 2018.

وفي خمسينيات القرن العشرين شهدت الولايات المتحدة ترحيل نحو 1.3 مليون مهاجر مكسيكي غير موثق في عهد الرئيس أيزنهاور، فيما وُصف بأنه أكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة. وشملت عمليات الترحيل، وفقاً لسجلات الهجرة الفيدرالية، مواطنين أميركيين مكسيكيين يقيمون بشكل شرعي اختاروا أن يغادروا طوعاً تحت تهديد العنف.
وليست هذه المرة الأولى التي يطرد فيها مهاجرون من الولايات المتحدة ففي ثلاثينيات القرن الماضي، وخلال فترة الكساد الكبير، وطبقاً لسجلات دائرة الهجرة والجنسية الأميركية جرى إبعاد بين 400 ألف ومليون مكسيكي وأميركي مكسيكي من خلال برامج طوعية أو قسرية، وتهديدات كبيرة وضغوط من السلطات المحلية والولايات. 

المساهمون