مهاجرون سريّون...أداة للضغط بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي

12 أكتوبر 2021
معظم المهاجرين إلى ألمانيا من بيلاروسيا عراقيون (ماجا هيتجي/ Getty)
+ الخط -

تحرّكت بيلاروسيا ضدّ دول الاتحاد الأوروبي بعد فرض الأخير عقوبات اقتصادية ضد نظام ألكسندر لوكاشينكو، ومنع 165 شخصاً من أقرب مساعديه من دخول دوله. واعتمدت العاصمة البيلاروسية، مينسك، مخططاً أثار قلق الأوروبيين، لتضغط من خلال آلاف المهاجرين السريين، وقد أتاحت لهم الوصول إلى الحدود مع دول مثل بولندا وليتوانيا ولاتفيا، مستغله إياهم كأدوات لأغراض سياسية، تتمثل في إغراق دول التكتل باللاجئين.

أساليب هجرة مبتكرة
وعن طريقة تهريب المهاجرين، نشرت صحيفة "بيلد" الألمانية تقريراً أشار إلى أن عمليات الهجرة السرية تختلف عن موجة اللجوء التي شهدتها أوروبا عام 2015. خلال الأسابيع القليلة الماضية، نشطت الهجرة السرية، وبات السفر إلى بيلاروسيا من العديد من بلدان الشرق الأوسط ودول آسيوية أخرى سهلاً، ليتم تهريبهم لاحقاً إلى البلدان الأوروبية، وبالأخص ألمانيا والدول الاسكندينافية، على الرغم من خطورة الطريق من مينسك. لكن لوكاشينكو لا يأبه لذلك، ولا سيما أنه يسعى إلى ابتزاز الأوروبيين من خلال نقل اللاجئين بطريقة منظمة إلى الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، رداً على العقوبات الغربية المشددة ضد نظامه، والتي ترجمت نتائجها بأزمة اقتصادية في بيلاروسيا.
في السياق نفسه، تبيّن التقارير أنه يتم تنظيم رحلات سياحية من قبل وكالات السفر والمهربين من العراق وسورية ولبنان وتركيا وإيران والأردن لمواطنين من هذه الدول وآخرين من اللاجئين إليها من سوريين وأفغان وغيرهم، مع تأشيرة سفر سياحية وحجز فندق وتذكرة سفر لمدة شهر إلى بيلاروسيا. بعد ذلك، يتم نقلهم عبر سيارات أجرة إلى مناطق بعيدة على الحدود ليحاولوا في ما بعد العبور سيراً على الأقدام إلى وسط أوروبا، وبكلفة كاملة تراوح ما بين 1700 و3000 دولار. 

بالإضافة إلى ما سبق، يتعيّن دفع 1500 دولار لعبور الحدود مع بولندا. بعدها، يقطعون مسافة 12 كيلومتراً، وينقل اللاجئون بواسطة مهربين إلى ألمانيا، أو من ليتوانيا إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، أي بكلفة إجمالية قد تصل إلى 5000 دولار. يأتي ذلك في ظل معاناة من مراقبة صارمة للجيش البولندي على الحدود. وبات آلاف المهاجرين عالقين في ظروف قاسية وطقس خريفي بارد، في وقت تمنعهم الشرطة البيلاروسية من العودة إلى أراضيها. وخلال الأيام الماضية، وجدت العديد من الجثث على الحدود البولندية.
 
انتهاك لحقوق المهاجرين
هذا الواقع الصعب والمرير الذي تعيشه أوروبا، والتخبط في التعامل مع موجات الهجرة السرية، دفع نائب وزير الداخلية الألماني شتيفان ماير، إلى القول في حديث لصحيفة "بيلد" الألمانية: "يجب على دول الاتحاد الأوروبي إظهار التضامن مع بولندا وليتوانيا، في ظل المحاولة الواضحة للديكتاتور لوكاشينكو لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي، وخلق شرخ بين أعضائه من خلال ألاعبيه، والسماح بتدفق أعداد إضافية من اللاجئين. يفترض وضع حد لذلك بشكل واضح وثابت". وشدد على ضرورة مواجهة "وكالات سفريات لوكاشينكو بنظام أوروبي قوي على الحدود الخارجية مع بيلاروسيا". 
وذكر موقع "دي فيلت" الألماني أن مواطني بعض الدول يستطيعون الدخول إلى مينسك من دون تأشيرة. ولا يخفي الكثير من الواصلين إلى بيلاروسيا أن وجهتهم النهائية هي الدول المتقدمة في أوروبا، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. في هذا الإطار، حذرت العاصمة البولندية وارسو أخيراً من زيادة ضغط الهجرة، وهو ما أكده عضو البرلمان الأوروبي السياسي البولندي هارالد فيليميسكي في حديث إذاعي. وقال إنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي الضغط على الدول الثالثة لاستعادة رعاياها ومعاقبة المهربين.  
واتهمت منظمة العفو الدولية (أمنستي) بولندا برفضها، وبشكل غير قانوني، اللاجئين الأفغان الذين تقطعت بهم السبل على الحدود مع بيلاروسيا، وقد لقي العديد منهم مصرعه على الحدود بين الدولتين. وقالت مديرة فروع المنظمة بأوروبا إيفي غيدلي، إن لدى المنظمة "أدلة تشير بقوة إلى أن هناك مجموعة من المهاجرين كانت ضحية لإعادة قسرية غير مشروعة"، مشيرة إلى أنها تعتمد على تقييم صور الأقمار الصناعية وصور أخرى، وأن هؤلاء عالقون على الحدود في ظروف محفوفة بالمخاطر، بينهم نساء وقصر، بعدما أغلقت السلطات البولندية حدودها (418 كيلومتراً) وأعلنت حالة الطوارئ. لهذا، يحظر على الصحافيين ومنظمات الإغاثة الدخول. 

الحروس البولندي يمنعهم من دخول أراضيه (ووجتيك راضوانسكي/ فرانس برس)
الحرس البولندي يمنعهم من دخول أراضيه (ووجتيك رادوانسكي/ فرانس برس)

وطالبت منظمة العفو وارسو برفع حالة الطوارئ وتوفير الرعاية المناسبة للاجئين ومعالجة طلبات لجوئهم، مشيرة إلى أن دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي تنتهك حقوقهم بشكل صارخ. وتقول غيدلي: "يجب على الاتحاد التصرف بسرعة وحزم وإدانة هذه الانتهاكات الصارخة لقوانين الاتحاد الأوروبي، مع العلم أن وارسو مددت أخيراً حالة الطوارئ على الحدود مع بيلاروسيا حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ورفعت عديد قواتها إلى 3000 جندي بعد أكثر من 10.000 محاولة غير قانونية لعبور حدودها خلال الفترة الماضية. وأفادت التقارير بأنه ألقي القبض على 1500 مهاجر ونقلوا إلى مراكز اللاجئين. وتتهم القيادة المحيطة بالحاكم البيلاروسي لوكاشينكو بولندا بالتضليل الإعلامي، ويزعم حرس الحدود في مينسك أن مهربي البشر كانوا يعملون في وارسو. 

تظاهرة مرحبة باللاجئين في بولندا (ماتويز سلودوسكي/ Getty)
تظاهرة مرحبة باللاجئين في بولندا (ماتويز سلودوسكي/ Getty)

فرانكفورت نقطة عبور
خلال الأشهر الأخيرة، تشكو دول بولندا ولاتفيا وليتوانيا من ارتفاع أعداد المهاجرين، وخصوصاً من دول الشرق الأوسط، عبر حدودها مع بيلاروسيا. ويفترض الاتحاد الأووربي أن لوكاشينكو ينتقم من العقوبات الأوروبية على بلاده. لذلك، يعمل على جلب المهاجرين إلى أراضيه ثم يفسح المجال أمامهم للمغادرة نحو أوروبا. وكانت وزارة الداخلية الألمانية قد أعلنت أخيراً عن ازدياد حالات العبور غير القانونية بين ألمانيا وبولندا، وغالبيتهم وصلوا من بيلاروسيا. أضافت أن السلطات في برلين تخطط لاتخاذ المزيد من التدابير الاحترازية والتشدد على الحدود والتعاون مع السلطات البولندية لمواجهة هذه الظاهرة. وأشارت إلى ضبط 474 شخصاً دخلوا البلاد عبر بولندا، أو تم تهريبهم، مشيرة إلى أن مدينة فرانكفورت المطلة على نهر أودر (وسط أوروبا) هي نقطة العبور بين البلدين. 
وأفادت "دي فيلت" أخيراً بأن الشرطة الفيدرالية الألمانية كشفت عن زيادة أعداد المهاجرين عبر الحدود الألمانية البولندية. وبحلول نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، اعتقلت ما مجموعه 1556 شخصاً كانوا يعيشون بطريقة غير قانونية على الأراضي الألمانية، معظمهم من العراق وسورية وإيران واليمن وأفغانستان. 
في هذا الإطار، يقول عضو الحزب المسيحي الديمقراطي آلمار بروك إن "ألمانيا تتعرّض لعملية ابتزاز من مينسك عبر الدفع باللاجئين إلى حدودنا، ويجب محاربة ذلك. مشكلتهم بدأت تؤرق الولايات الألمانية، ومن بينها ولاية براندنبورغ، التي يصل إليها اللاجئون من بولندا. في هذا الإطار، يقول رئيس مكتب الهجرة في براندنبورغ أولاف يانسن إنه "وصل منذ شهر مايو/ أيار الماضي أكثر من 500 لاجئ شهرياً". كما ذكرت صحيفة "بيلد" الألمانية، يوم الأحد، أنه منذ شهر أغسطس/ آب الماضي وصل أكثر من 4000 لاجئ من بيلاروسيا إلى ألمانيا، بينهم 1183 خلال الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

مهاجرون أفغان عالقون على الحدود البيلاروسية ـ البلوندية (ماسييج موسكفا/ Getty)
مهاجرون أفغان عالقون على الحدود البيلاروسية ـ البولندية (ماسييج موسكفا/ Getty)

مواجهة الهجرة  
وأبرز موقع "نورد كورير" الألماني أن الاتحاد الأوروبي يكافح ضد الهجرة من بيلاروسيا من خلال الأسلاك الشائكة، إذ تبني لاتفيا وليتوانيا الأسوار على الحدود. وبدأت ليتوانيا بناء سياج بطول 508 كيلومترات وارتفاع أربعة أمتار على حدودها، ينتهي العمل به عام 2022، وبكلفة تصل إلى 152 مليون يورو. واقترحت بروكسل اتخاذ تدابير أكثر صعوبة من خلال تعليق جزئي لاتفاقية تسهيل التأشيرات مع بيلاروسيا التي دخلت حيز التنفيذ أخيراً. 
وفي ألمانيا، زاد عدد تحقيقات الشرطة في ما يتعلق بالاتجار بالبشر. وفي عام 2020، تمّ الانتهاء من 465 إجراء ودعوى، أي بزيادة 22.7 في المائة عن عام 2019، بحسب ما ذكرت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية الألمانية أخيراً. وأفاد مكتب الشرطة الفيدرالي بأن غالبية الضحايا من الشباب، وتحدث عن دعارة قسرية واستغلال جنسي للأطفال.  
وفي ضوء ما يحصل على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بين بولندا وبيلاروسيا، تزيد بروكسل من الضغط على وارسو، بعدما منع حرس الحدود البولندي آلاف المهاجرين عبور الحدود منذ أغسطس/ آب الماضي، واعتقل أكثر من 1200 آخرين على الأراضي البولندية. 
ونقلت "إيه آر دي" عن منظمات الإغاثة قولها إنها على يقين بأن معظمهم أعيدوا قسراً إلى بيلاروسيا من دون التحقق من أسباب اللجوء. وبسبب حالة الطوارئ، لا يمكن التحقق من الأمر. وأكد متحدث باسم مفوضة الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي إيلفا يوهانسون على أهمية حماية قيم الاتحاد الأوروبي وحقوقه الأساسية، مشيراً إلى ضرورة السماح للصحافيين بالسفر إلى المنطقة الحدودية مع بيلاروسيا. يأتي ذلك في ظل عمل وارسو بلوائح لجوء صارمة، تطالب المفوضية الأوروبية بمناقشتها مع الحكومة. وتم تشكيل فريق من خبراء في الهجرة واللجوء للتأكد من الوضع والتزام وارسو بقواعد الاتحاد الأوروبي، وفق ما ذكرت "إيه آر دي" أخيراً. 

في المقابل، أكدت يوهانسون أن حماية الحدود الخارجية للاتحاد ضرورية وتأتي لمصلحة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولفت إلى أنه "يجب ألا نخدع أنفسنا. ما يفعله لوكاشينكو يمكن أن يؤدي أيضاً إلى دخول إرهابيين ومجرمين آخرين إلى دول الاتحاد. لهذا السبب، يجب تسجيل وفحص كل من يصل إلى دول الاتحاد الأوروبي. وبالطبع، سيكون من الجيد أن تكون الوكالة الأوروبية لحرس الحدود (فرونتكس) التابعة للاتحاد في عين المكان على الحدود البولندية والبيلاروسية. لكن هذه العملية يجب أن تتم بطلب من بولندا، والأخيرة رفضت ذلك حتى الآن بحجة أنها وبقدراتها الخاصة بإمكانها حماية حدودها"، مع العلم أن يوهانسون التقت خلال الأسبوع الماضي وزير الداخلية البولندي ماريوش كامينسكي من دون أن تتمكن من حمل وارسو على إنهاء ممارسة عمليات الصد أو تليين موقفها بالسماح لمنظمات الإغاثة بزيارة المهاجرين.

المساهمون