مهاجرون سريون... موتٌ لا فردوس في مليلية

27 يونيو 2022
يواجهان ظروفاً صعبة في مليلية (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

أعادت حادثة مصرع 23 مهاجراً سرياً يتحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء، أثناء اقتحامهم السياج الحدودي الفاصل بين مدينة مليلية (تحت السيادة الإسبانية) ومحافظة الناظور المغربية (شمال شرقي البلاد)، إلى الأضواء مأساة آلاف المهاجرين المستمرة الراغبين في تحقيق حلمهم وبلوغ الفردوس الأوروبي.
وتعكس محاولة المهاجرين السريين اقتحام السياج الحدودي مع مليلية، وهي المحاولة الأكثر دموية في تاريخ الهجرة السرية منذ عام 2005، الوجه القديم الجديد لمأساة بطعم الموت. وكان لافتاً رفع منظمات حقوقية وعمالية مغربية مطالب بفتح تحقيق لتحديد ملابسات الخسائر الفادحة في الأرواح وتحديد المسؤوليات. وتعد مليلية وسبتة نقطتي عبور معروفتين للمهاجرين السريين الذين يحاولون الوصول إلى الفردوس الأوروبي. وقبل أسابيع من الحدث المأساوي، تجاوز عدد المهاجرين الذين دخلوا المدينتين ثلاثة أمثال العدد الذي دخل في الفترة نفسها من عام 2021.
وبهدف مواجهة تدفق المهاجرين السرّيين، شيّدت سلطات مدينتي سبتة ومليلية سياجين شائكين زودتهما بأجهزة لاستشعار الصوت والحركة على مسافة 12 كيلومتراً من مليلية و8 كيلومترات من سبتة. ويختبئ غالبية المهاجرين الراغبين في العبور إلى مدينة مليلية في غابة "غوروغو"، في انتظار أول فرصة لاقتحام سياج ثلاثي يبلغ طوله حوالي 12 كيلومتراً. ويستخدم المهاجرون في عملية اقتحامهم السياج الحدودي خطافات وأحذية مجهزة بمسامير لتسلقه.
وفي غابة غوروغو، يعيش الأفارقة في قسمة بحسب عدد الأفراد والجنسية؛ فهناك معسكر الكاميرونيين ومعسكر الماليين ومعسكر النيجيريين، بالإضافة إلى معسكرات أخرى، لكنّهم جميعاً يواجهون ظروفاً صعبة، إذ لا تتوفر أدنى الشروط الصحية.
ولم يمنع اعتقال حوالي 9100 مهاجر وترحيل 3000 آخرين إلى مدن وسط وجنوب المغرب و700 آخرين إلى بلدانهم الأصلية، في حملات أمنية نفذت عام 2018، من استمرار المنطقة في جذب المهاجرين السرّيين الذين ينشدون الحلم الأوروبي. وكانت السلطات المغربية قد فككت، في فبراير/ شباط 2015، مخيمات المهاجرين الأفارقة السريين في غابة غوروغو، والتي شكلت محطة لتجمع المهاجرين السرّيين الذين يرغبون في دخول مليلية تحديداً، لكن المئات استمروا في التوجه إلى الغابة باعتبارها المحطة الأخيرة للراغبين في التسلل إلى أوروبا عبر السياج الحدودي لمليلية.

ويورد تقرير، أصدره المعهد المغربي لتحليل السياسات في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، أنّ خريطة انتشار مهاجري جنوب الصحراء تظهر أنهم في حركة مستمرة تختلف بحسب الخطة التي يضعونها لمحاولة العبور إلى القارة الأوروبية. وبالنسبة لمن يختارون اقتحام السياجين الحدوديين في مدينتي سبتة ومليلية، فهم يتحركون في اتجاه واحد وصولاً إلى مدينة تطوان (شمال) أو الناظور (شمال شرق)، مع محاولتهم تأمين قوت يومهم من دون الحاجة إلى جمع المال، بخلاف أولئك الذين يختارون عبور البحر، والذين يشكلون الغالبية، ويدفعون مبالغ مالية تتراوح ما بين 2000 و5000 دولار للمهربين، والتي قد ترتفع في فصل الصيف عندما يكون البحر هادئاً وتنخفض مخاطر الرحلة.
وبحسب رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان شكيب الخياري، فإن المهاجرين "يحاولون الاختباء في الغابة، ويتحينون فرصة تجاوز الحاجز المحيط بمليلية. ولا يهتمون بالانتقال إلى مدن أخرى أو تسوية أوضاعهم الإدارية في المغرب، بدليل أن المناطق المحاذية لمليلية شهدت أقل طلبات خلال عملية التي أطلقتها السلطات عام 2014 لتسوية الأوضاع الإدارية الخاصة بالأجانب".

مهاجرون أفارقة (فاضل سنا/ فرانس برس)
محاولات اقتحام المهاجرين السياج الحدودي لمليلية شبه يومية (فاضل سنا/ فرانس برس)

وعلى امتداد السنوات الماضية، باتت محاولات اقتحام المهاجرين السياج الحدودي لمليلية شبه يومية، وتم إفشال نحو 47 محاولة لاقتحام المدينة خلال العام الماضي، في حين كشفت الحكومة الإسبانية أخيراً أن مدينتي سبتة ومليلية شهدتا 6800 عملية اقتحام للسياج المحيط بهما خلال السنوات التسع الأخيرة.
ويقول الخياري إن العدد الكبير لعمليات الاقتحام يستدعي موارد مالية وبشرية كبيرة، لافتاً إلى أن الانتقادات اللاذعة التي طاولت المغرب بعد مصرع 17 مهاجراً عام 2005 عند الحواجز السلكية باستعمال الرصاص الحي، كانت سبباً مباشراً في اللجوء إلى وسائل أخرى للحيلولة دون دخول المهاجرين إلى مدينتي سبتة ومليلية، منها حفر خنادق وأسلاك بشفرات قاطعة، والتي لم تكن للأسف محط استنكار من الجهات الحقوقية الرسمية على وجه الخصوص. ويقول: "ما يجب استحضاره في هذا الصدد هو أن استعمال القوة لمواجهة المهاجرين الذين يقتحمون السياج الحدودي هو أمر مطلوب قانونياً ومشروع حقوقياً إن تم في إطار متوازن، وهو أمر ضروري لحفظ النظام العام. لكن، كل هذا لا يجب أن ينسينا المأساة التي يعيشها المهاجرون في عمق البحر، إذ سجل العام الماضي 3000 حالة وفاة في البحر الأبيض المتوسط".

مهاجرون أفارقة (فاضل سنا/ فرانس برس)
تؤكد الهجمات أنّ المهاجرين الوافدين لم يجدوا راحتهم في المغرب (فاضل سنا/ فرانس برس)

وبالنسبة للأمين العام لـ"المنظمة المغربية للشغل" علي لطفي، فإن الحكومة المغربية مطالبة بفتح تحقيق في الحادث المأساوي، والعمل مستقبلاً على تجنب وقوع مثل هذه الأحداث المؤلمة، سواء عبر الحدود البرية أو البحرية التي يذهب ضحيتها مغاربة ومهاجرون أجانب. ويشدد لطفي في حديثه لـ"العربي الجديد" على مطالبة الجهات الحكومية المختصة بتفعيل التوجيهات الملكية حول موضوع الهجرة واللجوء والتعاطي الميداني والعملي مع الهجرة، بمقاربة إنسانية واجتماعية، والعمل على إدماج المهاجرين، وعدم السماح مستقبلاً بخلق غيتو في الغابات المجاورة لمدينتي سبتة ومليلية، والتصدي الحازم لعصابات ومافيا التهريب والاتجار بالبشر التي تجني أرباحاً هائلة من هذه الأنشطة غير المشروعة، وتفكيك المخيمات الغابية بوسائل سلمية".
ويعدّ المغرب منفذاً رئيسياً للمهاجرين السريين القادمين غالباً من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء نحو إسبانيا، سواء عبر البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي، باتجاه جزر الكناري، فضلاً عن مدينتي سبتة ومليلية. ومع بداية هذا العام، أحبطت السلطات المغربية أكثر من 14 ألفاً و700 محاولة للهجرة السرية، وفككت 52 شبكة لتهريب المهاجرين بحسب أرقام رسمية مغربية. وخلال العام الماضي، وصل إلى إسبانيا أكثر من 40 ألف مهاجر، معظمهم قادمون من المغرب، بحسب الحكومة الإسبانية.
ويؤكد رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عادل تشكيطو ضرورة أن تكون الحكومة أكثر حزماً وصرامة في التعاطي مع الهجرة السرية، وإعادة النظر في الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، التي تمكنت عبرها الدولة من تحقيق عدد من المكتسبات للمهاجرين السريين، وخصوصاً المتحدرين من جنوب الصحراء. 

ويلفت إلى أنّ هذه الهجمات تؤكّد أنّ المهاجرين الوافدين لم يجدوا راحتهم في المغرب، ولم تتوفر لهم الشروط التي سعت الدولة إلى توفيرها عبر مجموعة من البرامج، وخصوصاً العمل وحفظ كرامتهم. يتابع: "المسؤولية اليوم تقع فقط على المغرب، لكن يجب أن يتحملها الاتحاد الأفريقي، وخصوصاً المرصد الأفريقي للهجرة من خلال التوجه إلى الدول المصدرة للمهاجرين السريين، من خلال توفير الحقوق والسلم". ويشير إلى أنّ "المغرب تحول إلى دولة إقامة وهذا شيء إيجابي، لكن يجب أن نضاعف جهودنا حتى لا تتكرر هذه المآسي".
ويعدّ المغرب محطّة عبور واستقرار لعدد من المهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، والذين يبقون نحو عامين  ونصف العام على أراضيه، بحسب دراسة أعدّتها الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة واللجنة الدولية من أجل تنمية الشعوب. ومع تزايد أعداد المهاجرين من دول جنوب الصحراء الأفريقية وتشديد الرقابة على حدود الدول الأوروبية، يعتمد المغرب منذ عام 2014 استراتيجية خاصة بالهجرة واللجوء بهدف دمج المهاجرين من خلال تسوية أوضاعهم القانونية، ومساعدة الراغبين منهم في العودة إلى بلدانهم. وساهمت الاستراتيجية في تسوية أوضاع حوالي 50 ألف مهاجر أفريقي سرّي استفادوا من برامج خاصة بالتعليم والصحة والعمل، وعودة 3 آلاف شخص إلى بلدانهم الأصلية في إطار العودة الطوعية، بحسب تقرير أصدرته وزارة الخارجية عام 2018.

المساهمون