هاجرت الممرضة الإيرانية العشرينية سارينا، قبل أكثر من عام إلى ألمانيا، للبحث عن فرصة عمل أفضل، ومحاولة التخلص من متاعب عملها الدؤوب في مستشفيات عدة بالعاصمة طهران، مقابل أجور زهيدة جداً. وحذت زميلات لها حذوها في اختيار الهجرة إلى الخارج، فيما تفكر أخريات كثيرات في الهجرة للأسباب نفسها.
تقول سارينا لـ"العربي الجديد": "عملت نحو 4 سنوات في عدة مستشفيات، خصوصاً في العاصمة طهران، لكنني أعتقد بأنني لم أحصل على فرصة عمل تتناسب مع تطلعاتي البديهية والطبيعية إلى الحفاظ على مكانتي، وتلبية متطلبات تغطية احتياجاتي المعيشية الأساسية، علماً أنني كنت أتقاضى نحو 200 دولار شهرياً".
تضيف: "كانت أيام تفشي جائحة كورونا في شكل واسع في إيران الأكثر صعوبة على الممرضين والممرضات، لأنهم اضطروا إلى العمل من دون الحصول على فترات استراحات تتلاءم مع الجهود الكبيرة المبذولة، وصولاً حتى إلى عدم التوقف على مدار الساعة. وأذكر أن زميلات لي كن في الشهور الأخيرة من الحمل، لكنهن فضلن البقاء في المستشفيات وخدمة مرضى وباء كورونا. وفارق بعضهن الحياة في أثناء العمل بعد إصابتهن بالفيروس".
وتؤكد أنها كانت تتوقع مع زملائها أن تدفع السلطات الصحية مبالغ مالية لتعويض الجهود غير المسبوقة التي بذلوها خلال مرحلة تفشي كورونا، وأن تلبي هذه السلطات أيضاً مطالب كوادر التمريض في تحسين قوانين العمل، وتبديل عقودهم من مؤقتة إلى دائمة، مع تحقيق العدالة في المدفوعات، لكن ذلك لم يحدث، حتى إنه سُرِّح عدد كبير من الممرضين الذين التحقوا بالعمل خلال أيام كورونا القاسية، بعدما تراجع عدد المصابين كثيراً، وتحوّل الفيروس إلى وباء عادي أقل خطورة على الحياة من المرحلة القصوى لتفشيه".
وتلفت سارينا إلى أنها تتقاضى حالياً أكثر من 4000 دولار في ألمانيا، و"رغم غلاء المعيشة في هذا البلد مقارنة بإيران، يغطي دخلي كل احتياجاتي، وأستطيع أن أدخر منه ومساعدة أهلي في إيران".
ويقول الأمين العام لنقابة "بيت الممرضين" الخاصة في إيران، علي شريفي مقدم، لـ"العربي الجديد": "ترتبط هجرة الممرضين الإيرانيين إلى الخارج بثلاثة عوامل، أولها وجود عدد كبير من العاطلين من العمل في القطاع، الذي يقدّر بنحو 100 ألف في الوقت الراهن، والثاني شعورهم بعدم الرضا ومواجهتهم واقع عدم مراعاة العدالة في القطاع الصحي عموماً، فأحياناً يتقاضى طبيب 120 مليون تومان (4 آلاف دولار) مكافأة، فيما يُمنَح ممرض مكافأة لا تتجاوز 800 ألف تومان (25 دولاراً). أما الدافع الثالث لهجرة الممرضين، فهو جاذبية الدول التي يقصدها الممرضون المهاجرون، إلى جانب عوامل داخلية تتناسب مع أوضاعهم وتطلعاتهم".
ويؤكد مقدم الفارق الكبير في المدفوعات بين إيران والدول التي يقصدها الممرضون الإيرانيون، "ففيما يتقاضى بين 200 و400 دولار شهرياً في الداخل، يحصل على مبالغ تراوح بين 5 و7 آلاف دولار، وربما أكثر، في دول أوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا. لكن ذلك لا يمنع أيضاً تفضيل ممرضين إيرانيين البقاء في وطنهم وعدم مغادرته والعيش مع أسرهم، فيما يضطر بعضهم إلى الهجرة بسبب البطالة أو التعرض لتمييز في المدفوعات، أو للبحث عن فرص عمل أفضل".
ويوضح مقدم أن "لا إحصاءات دقيقة لعدد الممرضين الإيرانيين الذين هاجروا إلى الخارج، لأنّ هذا الأمر يحصل عبر قنوات وعناوين مختلفة تصعّب مهمة تحديد العدد، علماً أن بعض الدول تعتمد إجراء مطالبة الممرضين بإبراز شهادات مزاولة مهنة، رسمية، فيما لا تشترط دول أخرى ذلك. أما إجمالي عدد من يراجعون مؤسسة التمريض للحصول على شهادات مزاولة مهنة تمهيداً للهجرة إلى دول تطلبها، فيراوح بين 100 و120 شخصاً".
ويشير مقدم إلى انه تبلّغ من خلال التواصل مع زملاء له في مستشفى بجنوب طهران أن "6 من أصل 100 ممرض يعملون لحسابها هاجروا العام الماضي، ما يعني أنه يمكن القول إن نحو 6 في المائة من الممرضين البالغ عددهم 200 ألف في إيران يسلكون طريق الهجرة، أي إن 5 آلاف منهم يهاجرون سنوياً".
واللافت أن ظواهر هجرة الممرضين الإيرانيين وبطالة عدد كبير من متخرجي المهنة تأتي في وقت تشهد إيران نقصاً حاداً في طواقم التمريض في مستشفياتها ومصحاتها. ويعلّق مقدم بالقول: "المعدل العالمي الأدنى للممرضين هو 3 لكل ألف شخص، لكن إيران تضم ممرضاً واحداً لكل ألف شخص. والنقص غير مرتبط بعدم وجود ممرضين، بل بعدم توظيفهم من قبل السلطات الصحية، رغم أن الدولة تنفق ملياري تومان (50 ألف دولار) سنوياً لتعليم طالب تمريض واحد في الجامعة.
وتبقى الوسيلة الأولى لمنع هجرة الممرضين في إيران جذب المتخرجين العاطلين من العمل، في ظل الحاجة إلى 150 ألف ممرض للوصول إلى الحد الأدنى المحدد في المعدل العالمي. أما الوسيلة الثانية، فمكافحة التمييز بين الطواقم الصحية، وزيادة عوامل الجذب في المرتبات وتشجيع الممرضين والمتخرجين على البقاء في البلاد".
وعموماً، بات ارتفاع معدلات هجرة الممرضين الإيرانيين إلى الخارج مصدر قلق داخلي تعكسه تصريحات عدة يدلي بها مسؤولون في القطاع. ففي 30 يوليو/ تموز الماضي دعا رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلام رضا محسني إيجئي، خلال لقائه أعضاءً في المجلس الأعلى لمؤسسة التمريض الحكومية، إلى اتخاذ مجموعة إجراءات، ووضع حلول لدعم الممرضين من أجل تحقيق هدف الحدّ من الهجرة".