مقيمون في قطر: نصوم رمضان والعيون على غزة
أسامة سعد الدين
- تجارب متنوعة للمقيمين من جنسيات مختلفة في قطر تعكس كيفية الحفاظ على تقاليدهم الرمضانية والتأقلم مع الأجواء الروحانية، مبرزين الاختلافات والتشابهات في العادات بين بلدانهم وقطر.
- القلق والحزن على الأوضاع في غزة يسيطران على قلوب المقيمين، مؤثرين على تجربتهم الرمضانية في قطر ومؤكدين على أهمية الدعاء والمساهمة في الأعمال الخيرية لدعم المحتاجين.
يؤكد مقيمون في قطر أن الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة نغّصت عليهم روحانية شهر الصيام، وأنهم منشغلون بما يجري في غزة، ما يجعلهم لا يشعرون بالفرحة المعتادة في شهر رمضان.
تقول المقيمة الفلسطينية شدى سلهب: "في العادة، كنت أقضي أنا وزوجي أياما عدة من رمضان مع الأصدقاء، وفي كل مرة يُحضر كل منا طبقه لنتشارك الطعام في حديقة، أو في منزل أحد الأصدقاء، لكن هذا العام لا توجد أجواء بهجة بينما غزة تُباد، فالأعين على غزة، والقلوب مع كل أب وأم لا يستطيعان توفير الخبز لأطفالهما. نشعر أننا نأكل لنبقى على قيد الحياة بلا أي مُبالغات بالأطباق أو اللقاءات".
وحول اختلاف تقاليد رمضان، تقول سلهب التي قدمت إلى الدوحة في عام 2015: "بعض العادات الرمضانية تتقاطع مثل وجود المسحراتي، وقد رأيته في عدة أماكن بالدوحة، لكنه في فلسطين أكثر انتشاراً، ولكل حارة مسحراتي، بينما أهل قطر يعتبرون (الغبقة) وجبة أساسية بعد الإفطار، لكن في فلسطين وجبة الإفطار هي الأساس. أتمنى أن يشعر كل العالم بما يتعرض له أهل غزة من قتل وتجويع وتهجير، وأن يزول الاحتلال لأزور غزة، وأقبّل أيادي كل من فيها على صمودهم الأسطوري".
ويقول المقيم الأردني طارق الهاشم: "يمر رمضان هذا العام بينما أهلنا في قطاع غزة يعانون من العدوان الغاشم، ولا تفارق تفكيري صور تناول الأسر الغزية إفطارها الرمضاني الذي لا يتعدى كسرات من الخبز وبعض الزيتون وسط ركام منازلها، وأتمنى أن يحل عيد الفطر وقد اندحر العدوان".
ويعتبر الهاشم الذي يقيم في الدوحة منذ عام 2001، أنه لا يوجد اختلاف كبير بين العادات الرمضانية في الأردن وقطر، مشيراً إلى اشتراك البلدين في وجود موائد الإفطار بكثرة، "لكن أطفال قطر يحتفلون في ليلة النصف من رمضان بـ (القرنقعوه)، وهي مناسبة غير موجودة في الأردن، كما أن يوم رمضان يعتبر قصيراً نسبياً في قطر، والدولة توفر الظروف للعبادة عبر تقليل دوام العاملين إلى خمس ساعات، بينما أهم ما يميز أجواء رمضان في الأردن هي الأسواق الشعبية التي تعرض ما لذ وطاب من الحلويات الرمضانية".
يفتقد غالبية المغتربين تفاصيل وطقوس رمضان في بلدهم الأم
ويرى المقيم المصري عبدالكريم حشيش، أنه لا يملك ذكريات أجمل من ذكريات رمضان المحفورة في الوجدان، والتي يجترها بفرح طفولي مع قدوم شهر الصيام في كل عام. ويضيف الرجل المقيم في قطر منذ نحو ربع قرن: "لرمضان في مصر طقوس أكثر وضوحاً من بلدان أخرى، وأتذكر كيف مرّ علي رمضان الأول في الدوحة عام 1999، حينها شعرت بحزن عميق لأني فقدت جزءاً عزيزاً من نفسي في الوطن، حيث الأهل والصحبة ومظاهر الحفاوة الكبيرة بحلول شهر الصوم، لكنى قضيت رمضان في عدة مدن مصرية وعربية، ولاحقاً تجاوزت الأمر، وانخرطت في تجربة رمضان قطر".
وحول أبرز ذكرياته الرمضانية في الدوحة، يقول عبدالكريم: "أتذكر حين كان مدفع الإفطار يُنصب في ساحة قريبة من مبنى البريد المطل على الكورنيش، وحين التحقت بي أسرتي، كنا ضيوفاً دائمين على المكان، ننتظر لحظة انطلاق المدفع وسط لهو الأطفال وسعادتهم العفوية بهذا الطقس. وهناك لحظات أخرى جميلة حفرت مكانها في الوجدان، إلى جوار لحظات أخرى بديعة من بغداد ومكة والمدينة وعمان والمنامة، وغيرها من المدن التي مررت بها أو أقمت فيها. السفر يمكنك من معرفة على طقوس رمضان في ثقافات أخرى، والمشاركة بالإفطارات الجماعية للجاليات".
ويعتبر المقيم التركي عبدالله دنيز، أن رمضان في قطر يتميز بتقاليد تختلف عن تقاليد بلاده، فأهل قطر يعددون الوجبات، من الإفطار إلى الغبقة إلى السحور، كما تكثر العزائم، وتنظم فعاليات خاصة للأطفال أبرزها "القرنقعوه"، بينما في تركيا تتزين المساجد لاستقبال رمضان بلافتات مضيئة يطلق عليها "المحيا"، وتضاء مآذن المسجد بكتابات أبرزها "رمضان مبارك" و"أهلا بسلطان الشهور"، كما توجد أنواع حلويات رمضانية من أبرزها "غلاتش"، ويلفت دنيز الذي مضى على إقامته في قطر نحو ثلاث سنوات، إلى امتلاء المساجد بالمصلين الذين يداومون على أداء صلاة التراويح في قطر كما في تركيا، ويعبر عن استمتاعه بأيام رمضان في قطر التي توفر أجواء روحانية مميزة.
أما المقيم المغربي محمد لشيب، والذي أمضى 17 سنة في قطر، فيؤكد أنه "رغم كل هذه السنين، إلا أن العادات المغربية الرمضانية تظل دوماً حاضرة، وأبرزها الاستعداد المبكر، إذ تتهيأ الأسر المغربية لإعداد حلويات مثل "الشباكية" و"سلو"، كما تحرص الأسر على تنظيف شامل للبيوت، وتحضير الملابس التقليدية، وجرت العادة أن تقيم النساء أمسيات في ليلة منتصف شهر شعبان تسمى "شعبانة". خلال شهر رمضان يكون التركيز الأكبر على الاجتهاد في التعبد وقراءة القرآن، وصلاة التراويح يحرص المقيمون المغاربة على أدائها في المساجد بلباسهم التقليدي الذي يتباين بين الجلباب والغابادور والفوقية".
وحول أبرز المأكولات الرمضانية المغربية، يؤكد لشيب أن الحريرة هي سيدة المائدة، ولا يخلو منها بيت مغربي في رمضان، وهي عبارة عن شوربة ترتكز في تحضيرها على الطماطم وبعض اللحم، وترافقها الفطائر المغربية، إضافة إلى "البريوات" و"البطبوب" و"السفوف"، إلى جانب صينية الشاي التي تعد من أساسيات المطبخ المغربي، ويبين: "كل هذا الطقوس تكون حاضرة عند المقيم في قطر، ويعشيها في أيام وليالي رمضان في تناغم تام مع عادات وتقاليد الوطن، والتي تتقاطع مع تقاليد أهل قطر في بعض التفاصيل، ما يبدد شعور الغربة، خاصة مع إقبال عائلات قطرية على المطاعم المغربية والزي المغربي، وكذلك زيارة عدد من قراء القرآن من المغرب لإحياء ليالي رمضان، أو إلقاء محاضرات وندوات".
ويؤكد لشيب لـ"العربي الجديد"، أن "كل هذه الفرحة بشهر الصيام منقوصة هذا العام لأن النفوس مكلومة بما يعانيه أهل غزة الذين يتعرضون للإبادة، ولا نملك إلا الدعاء لهم بالفرج والنصر، والمساهمة في بعض أعمال الدعم والإغاثة التي تقوم بها الجهات الخيرية في قطر منذ بداية العدوان".
ويقول المقيم السوري محمد علوان، إن "رمضان يتميز عن غيره بما نستشعره من روحانيات وسكينة، إضافة إلى العادات والتقاليد، وتفقد أحوال الفقراء والأيتام، ورمضان في قطر يتجلى فيه معنى الجسد الواحد عبر العطاء والإحسان، وأينما تجولت تجد الخيام الرمضانية قد فتحت أبوابها لاستقبال الصائمين من العمال وغيرهم". ويوضح علوان الذي يقيم في قطر منذ نحو عشر سنوات، أن "أجمل ما في رمضان هو التجمع في الولائم، فربما تفطر في بيتك أياماً وتكون مدعواً في أيام أخرى عند أهلك وأقاربك وأصدقائك، وهذا ما يجعل الغربة متحملة. لكننا نشعر بالتقصير نحو الأهل في سورية وأماكن اللجوء والنزوح، ونفكر كيف يمضون يومهم؟ وماذا يفطرون أو يتسحرون؟ وكلها تساؤلات تحضر حين الجلوس إلى مائدة الإفطار التي تحوي أصنافاً من الطعام والشراب".