معوقو غزة... حياة مأساوية في ظل العدوان والتهجير

04 سبتمبر 2024
تضم عائلات في غزة أكثر من شخص ذي إعاقة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تفاقم معاناة ذوي الإعاقة في غزة**: يعاني نحو مليونين و300 ألف فلسطيني في غزة من تداعيات العدوان الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023، مما زاد من معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة بسبب نقص الدعم والرعاية الطبية، وتدمير البنية التحتية.

- **قصص معاناة الأسر الفلسطينية**: تعاني أسر مثل سوزان أبو ناموس ووداد عودة وشحتة أبو ربيع من توفير الرعاية لأبنائهم ذوي الإعاقة في ظل التهجير المتكرر وانهيار المنظومة الصحية.

- **تدهور الخدمات والرعاية**: أدى الحصار الإسرائيلي المستمر والحرب الحالية إلى تدهور كبير في خدمات ذوي الإعاقة، مع تدمير المؤسسات المعنية ونقص حاد في المستلزمات الأساسية.

يزيد العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة من حجم معاناة المعوقين وأسرهم، خصوصاً أن تكرار التهجير يحرمهم الكثير من متطلباتهم، وانهيار القطاع الصحي يجعلهم عرضة للأمراض والمضاعفات.

أضافت تداعيات العدوان الإسرائيلي القاسية التي يعيشها نحو مليونين و300 ألف فلسطيني في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مزيداً من المعاناة بالنسبة لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين باتت حياتهم التي كانت صعبة أصلاً جحيماً في ظل حاجاتهم المتزايدة، وغياب الدعم والمساندة والرعاية الطبية.
ويفاقم العدوان من سوء الأوضاع الإنسانية في القطاع الذي تعرضت جميع مناطقه لاستهداف مباشر ممنهج للمدنيين، ما تسبب باستشهاد وفقدان ما يزيد عن 50 ألف شخص، وإصابة أكثر من 93 ألفاً بجراح مختلفة، إلى جانب تدمير أكثر من 70% من المنشآت السكنية والبنية التحتية، وتشديد الحصار عبر إغلاق المعابر ومنع دخول كافة المتطلبات الأساسية، وأبرزها الماء والغذاء والوقود والأدوية والمستلزمات الطبية.
تسعى الفلسطينية سوزان أبو ناموس، من مدينة غزة، إلى توفير المتطلبات الأساسية لثلاثة من أبنائها ممن لديهم إعاقات مختلفة في ظل ظروف غاية في القسوة يعيشها الآلاف من الفلسطينيين من جراء انعدام مختلف مقومات الحياة، إلى جانب النقص الحاد في الرعاية الخاصة التي تتطلبها حالات ذوي الإعاقة.
هُجّرت عائلة أبو ناموس مرات عدة، وهي تعيش حالياً داخل خيمة قماشية، في حين تتطلب أوضاع أبناؤها رعاية خاصة لا يمكنها توفيرها. ويتشارك في هذا الواقع المأساوي آلاف أخرى من الأسر التي تضم أشخاصا من ذوي الإعاقات المتنوعة، سواء الإعاقات الحركية، أو الصم والبكم، أو أصحاب الإعاقات المزدوجة، فغالبية هؤلاء كانوا مضطرين إلى ترك بيوتهم ومناطق سكنهم بفعل التهديدات الإسرائيلية المتكررة، والقصف المتواصل، الأمر الذي يحرمهم من الرعاية الخاصة التي كانوا يتلقونها في المؤسسات الطبية والاجتماعية ذات الاختصاص، والتي كانت تعاني بالأساس من ضعف الإمكانيات بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ ثمانية عشر عاماً. 

توقف عمل المؤسسات المتخصصة برعاية ذوي الإعاقة صحياً ونفسياً

تقول أبو ناموس لـ"العربي الجديد": "أعيل أسرة مكونة من ثمانية أبناء وبنات، من بينهم ثلاثة من ذوي الإعاقة، إذ لدى ابنتي ربى (21 سنة) إعاقة حركية بسبب ضمور في العضلات إلى جانب إعاقة سمعية، ولدى ابني عبد الله (18 سنة) ضمور في العضلات وإعاقة سمعية، فيما بدأت الأعراض نفسها تظهر على ابني الأصغر سراج (10 سنوات)، الذي أصيب بإعاقة حركية وبصرية". 
وتؤكد صعوبة رعاية أبنائها خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل، خاصة في ظل تهجيرها المتكرر، وكان التهجير الأول من منطقة تل الهوى، جنوبي مدينة غزة، نحو مدرسة إيواء في مدينة خانيونس، وبعدها إلى خيمة بالقرب من معبر رفح، ثم خيمة أخرى في مدينة دير البلح بوسط القطاع، وصولاً إلى مخيم خاص بإيواء الأشخاص ذوي الإعاقة. 
وتلفت: "النقص في بعض المستلزمات قائم من قبل الحرب بفعل تأثيرات الحصار الإسرائيلي، لكن أبنائي كانوا يتلقون الخدمات الأساسية من بعض المؤسسات المتخصصة برعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن بينها تقديم الكراسي المتحركة لهم، لكن خلال الحرب، لم نتمكن من الحصول على أية معدات أو مستلزمات جديدة على الرغم من الحاجة الماسة إليها، في ظل نقص العديد من المتطلبات الإضافية كالأحذية ومواد التنظيف والحفاضات وأوراق المحارم". 

معاناة ذوي الإعاقة مضاعفة في قطاع غزة (عبد زقوت/الأناضول)
معاناة ذوي الإعاقة مضاعفة في قطاع غزة (عبد زقوت/الأناضول)

لا يختلف الواقع الصعب نفسه كثيراً عند الفلسطينية وداد عودة، التي ترعى توأميها عمر وعلي (13 سنة) ولديهما إعاقة حركية صاحبتهما منذ ولادتهما نتيجة خطأ طبي، وهم يعيشون داخل خيمة صغيرة في مخيم دير البلح بوسط القطاع، بعد تهجيرهم مرات عدة بداية من مدينة غزة نحو المحافظات الوسطى والجنوبية. 
تؤكد عودة في حديثها مع "العربي الجديد" الأوضاع الصعبة التي أفرزها العدوان الإسرائيلي، بداية من تدمير البيت، ثم التهجير القسري، رغم صعوبة التنقل. وتقول: "تتضاعف معاناتنا مع كل تهجير جديد بسبب صعوبة حركة أبنائي، وتلف كراسيهم المتحركة، في الوقت الذي تنعدم فيه مختلف أشكال الرعاية الخاصة بهم بفعل انهيار المنظومة الصحية، إلى جانب التدمير الذي طاول مختلف المؤسسات الخاصة برعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة". 
وتضيف: "كنا نعاني بالأساس من الأوضاع الصعبة للأشخاص ذوي الإعاقة، وعلى وجه التحديد ذوي الإعاقة الحركية، بسبب ضعف الاهتمام، وندرة الإمكانيات، وعدم مواكبة المعدات الجديدة بسبب تداعيات الحصار الإسرائيلي، إلا أن العدوان الحالي ضاعف كل تفاصيل تلك المعاناة المرهقة، وأضاف إليها التعب المتواصل من جراء التهجير، إلى جانب الشعور الدائم بالخوف، والعيش في ظل الخطر، وتزامن كل ذلك مع نفاد الأدوية والمستهلكات الطبية". 

الإعاقات الحركية هي الأكثر شيوعاً في غزة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
الإعاقة الحركية هي الأكثر شيوعاً في غزة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

يعيل الفلسطيني شحتة أبو ربيع أسرته المكونة من ستة أفراد، ومن بينهم ابنه البكر محمد (14 سنة) ولديه إعاقة بصرية، ويوضح أن الحرب فاقمت الحالة النفسية لنجله، الذي بات منطوياً على غير عادته، إلى جانب صمته الطويل، وعدم رغبته في مشاركة أسرته الحديث. 
ويشير أبو ربيع في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ ابنه الذي كان يواظب على دروسه التي كان يتلقاها وفق لغة برايل لم يعد يشعر بالاهتمام نفسه في ظل انشغال الأسرة الدائم عنه بسبب التهجير من مكان إلى آخر أملا في النجاة من جنون الحرب، والاهتمام بتوفير متطلبات الحياة الأساسية، ومن ذلك الوقوف في طوابير طويلة للحصول على الماء والخبز، أو بعض المساعدات الإغاثية الشحيحة. 
ويلفت: "هناك تأثيرات صعبة خلقتها الحرب على كل الأصعدة، سواء المادية أو المعيشية أو النفسية، لكن تأثيراتها السلبية على ابني، وعلى غيره من ذوي الإعاقات المتعددة كانت أشد قسوة، إذ تتطلب حالاتهم رعاية خاصة ودائمة، لكنهم لم يحظوا بها منذ بداية العدوان بفعل ضعف الإمكانيات، وخطورة الأوضاع الميدانية، إلى جانب التنقل القسري المتكرر، وحياة التهجير التي تفتقر إلى كل مقومات الحياة الآدمية، وتغيب عنها الرعاية الطبية والنفسية، والأدوات الموائمة للأشخاص ذوي الإعاقة، أو حتى الأشخاص من غير ذوي الإعاقة". 
وقال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، في وقت سابق، إن عدد الأفراد من ذوي الإعاقة من سكان قطاع غزة يبلغ نحو 58 ألف فرد، بما نسبته نحو 2.6% من إجمالي عدد سكان القطاع، لكن هذه الإحصاءات سبقت الحرب الحالية، التي أضافت أعداداً كبيرة من أصحاب الإعاقة لا يمكن حصرهم إلا بعد انتهاء الحرب. 

وسجل التقرير الحكومي السابق انتشار أكبر نسبة من الإعاقة في محافظة الشمال بنحو 5%، تليها محافظة دير البلح بنسبة 4.1%، ورصد كذلك أن عدد الأفراد ذوي الإعاقة في غزة تضاعف بين عامي 2007 و2017، إذ ارتفع من 24 ألفاً و608 أشخاص إلى 48 ألفاً و140. وطبقا للتقرير الصحي السنوي في القطاع لعام 2022، بلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة المسجلين 55 ألفاً و538 فرداً، وشكلت الإعاقة الحركية 47% من العدد المسجل. 
في السياق، يوضح المختص في مجال رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة محمد أبو كميل أن الحصار الإسرائيلي تسبب في تدهور واقعهم بشكل كبير على مدار ثمانية عشر عاماً، وتوج كل ذلك بحرب قاسية طويلة تسببت في تدمير البيوت والمؤسسات واستشهاد الآلاف، وزادت أعداد شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة عبر إصابات مختلفة طاولت نحو 93 ألف فلسطيني، والكثير منهم تعرضوا لحالات بتر في أنحاء الجسد، وسط واقع معيشي مأساوي تنعدم فيه مقومات الحياة الأساسية. 
ويوضح أبو كميل لـ"العربي الجديد": "تضاعفت حدة الآثار السلبية للحرب الإسرائيلية على جميع الفلسطينيين، لكنها أكثر قسوة على الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين تجمعت عليهم أزمات عدة أثقلت كاهلهم، من بينها الخطر الذي يواجهه الجميع، والنقص الحاد في تقديم الخدمات الخاصة بهم في ظل تدمير معظم المؤسسات المعنية، وعدم تفرغ أي جهة لتقديم الخدمات والرعاية الدورية اللازمة لهم".