تعيش عائدة (أم محمود) المهجَّرة من ريف دمشق في ظروف من القهر والمعاناة، لكنها لم تفقد الأمل في معرفة أية معلومات عن ابنها المعتقل في سجون النظام، وهي من بين الناجيات اللواتي عشن تجربة الاعتقال المريرة في سجون النظام السوري.
تتحدث أم محمود لـ "العربي الجديد" عمّا عاشته خلال السنوات الماضية، وتقول: "ذهبت إلى فرع الهجرة والجوازات بهدف استخراج جواز سفر لي. أخبرني الضابط المناوب هناك أنه يبحث عني منذ سنة، وسحبني إلى غرفة معتمة في الفرع ودفعني إليها بقوة. قلت له: منشان الله (من أجل الله) ماذا فعلت؟ أجاب: هون (هنا) ما في الله. بقيت منذ الصباح وحتى مغيب الشمس في الفرع حينها. ومساءً، أخذوني إلى الحافلة وشدّوا الأصفاد البلاستيكية بقوة على يديّ. سألته: ماذا فعلت؟ فقال لي: ستعرفين. في الحافلة، أجلسني إلى جانب الكلب فخفت. طلبت منه إبعاده عني، إذ خشيت أن يهجم عليّ، لكنه لم يستجب".
تضيف: "لديّ ابن معتقل والآخر مقتول. رأيت صورته ضمن صور قيصر، عيناه وبطنه منتفخة وأسنانه محطمة. أما زوجي، فأحرقوه من رأسه حتى أسفل قدميه. حدث ذلك بعد مكالمة هاتفية. في أحد الأيام رنّ الهاتف، وخلال ردّي على المتصل، سألني عن ابني، وقال إذا لم يعد سيحرقون العائلة. وفعلاً، أمسكوا زوجي وأحرقوه واعتقلوا ابني أيضاً ولا أعرف عنه شيئاً منذ 11 عاماً، علماً أنهما لم يفعلا شيئاً".
وتقول: "لا أنام الليل. كلّما خرج أحد من السجن، أذهب لألتقيه، في محاولة لمعرفة ماذا حلّ بابني. وقال الأطباء عن زوجي بعد نقله إلى المستشفى إن حروقه شديدة للغاية". وتلفت إلى أن المرأة السورية معتقلة أو أم معتقل أو زوجة شهيد أو والدة شهيد.
أحلام (أم أحمد) تتحدث لـ "العربي الجديد" عن تجربة اعتقالها، قائلة: "اعتُقلت عام 2016 في فرع أمن الدولة في حماة. طلبوا مني مراجعة الفرع لأجيب عن بعض الأسئلة، لكنني بقيت محتجزة مدة 15 يوماً. بعدها، اعتُقلت من قبل فرع أمن الدولة في اللاذقية لمدة 15 يوماً أيضاً. نُقلت إلى السجن المركزي في اللاذقية وبقيت مدة 5 أشهر ونصف شهر. في فرع أمن الدولة في حماة، اتُّهمت بتهريب الأسلحة ومداواة الجرحى والذهاب مع الثوار إلى تركيا، علماً أنني لا أعرف شيئاً عن الأمر، ولا أستطيع حتى إعطاء حقنة لمريض. وفي فرع أمن الدولة في اللاذقية عُذِّبت بشدة. ولكثرة الضرب والتعذيب، أُجبرت على الموافقة على التهم الملفقة واعترفت بها. سألني القاضي: لماذا اعترفت؟ فقلت له إنني أُجبرت على الاعتراف تحت التعذيب والضرب، وحينها قال إنه سيعرضني على الفحص الطبي".
تتابع أم أحمد: "عانيت كثيراً. لاحقاً، اعتقلني الأمن العسكري حيث تعرضت للتعذيب والإهانة. من ترفض الاعتراف تُهدّد بالاغتصاب. أذكر امرأة أحضروا زوجها المعتقل، وقالوا إنها إذا لم تعترف بالتهم الموجهة إليها ستُغتصَب أمام زوجها. الموقف كان مؤثراً جداً وصعباً للغاية. بعد الخروج من السجن عانيت كثيراً. زوجي طلقني وأُبعدت عن أولادي فترة طويلة. كنت أعاني من الاكتئاب وأخاف أن أروي قصتي. لكن لن نسكت عن حقوقنا وبصوتنا وصوت الجميع سنُخرج المعتقلين. لا أحد يتحرك في هذا الملف، لكن سنبقى نطالب بالمعتقلين والمعتقلات".
إلى ذلك، يقول المدير التنفيذي لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، دياب سرية، لـ "العربي الجديد"، إنه "في بداية الحراك الثوري، كانت النساء تُعتقَل للضغط على الأهالي وذويهن من مدنيين أو مقاتلين عسكريين، أو لكسر المجتمعات انطلاقاً من خصوصية النساء. وكان النظام يُحاول إخضاع المجتمع الثائر"، لافتاً إلى أن "هذه الممارسات ليست مستحدثة، ويمكن لأي شخص كتابة تقرير أمني. كذلك إن ملاحقة ذوي المعتقلين والنشطاء السلميين مستمرة، وأي سيدة تعود اليوم من لبنان أو تركيا يمكن أن يصل تقرير للأمن عنها، ما يؤدي إلى اعتقالها".
ويلفت سرية إلى أن الكثير من النساء يسافرن خوفاً من إعادة اعتقالهن. وغالباً ما يكون الاعتقال بسبب الشبه أو بهدف الابتزاز، وخصوصاً العائدات إلى مناطق النظام. يكفي أن يكون شقيقها أو أحد ذويها مع الثورة، ليستدعيها الأمن. من جهة أخرى، يبتزّ النظام العائلات ويجني الكثير من المبالغ المالية. هذا الملف من أكثر الملفات الشائكة، والدول المطبعة مع النظام تتحاشى فتحه، إذ إن المسؤولية فيه تقع على عاتق النظام".
بدورها، تُبيّن سلمى سيف، وهي معتقلة سابقة ومؤسِّسة في تجمّع الناجيات، أن الناجيات يتعرضن لكثير من الضغوط. وتقول لـ "العربي الجديد": "تلقيت العديد من التهديدات، أحدها من منظمة حقوقية تهتم بالمعتقلات وتدعي ذلك، ولم أتوقع تنفيذها. جرت مداهمة بيت أهالي مرات عدة. للأسف، المداهمات مستمرة حتى الوقت الحالي".
وتقول إن العمل في مجال منظمات المجتمع المدني ليس في مأمن عن أذرع النظام الأمنية، حتى إن كان في الخفاء، مضيفة أن "النساء اللواتي يشاركن في اجتماعات منظمات المجتمع المدني كنّ يلاحَقن أو يُعتقَلن. لن يتوقف النظام أبداً عن الاعتقالات. نحاول إيصال صوت المعتقلين والمعتقلات لمساندة من ينجو منهم ومساندة من بقي فيها والمطالبة بالإفراج عنهم".
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر في 19 فبراير/ شباط الماضي، إن 8493 سيدة لا يزلن مخفيات في سجون النظام السوري، 21 منهنّ على الأقل سُجلن على أنهن متوفيات في دوائر السجل المدني ما بين مطلع عام 2018 و31 مارس/ آذار 2023. وسجل التقرير ما لا يقلّ عن 11 سيدة حُدِّدَت هوياتهنّ من خلال الصور المسربة لضحايا التعذيب من المستشفيات العسكرية وصور قيصر.