شرع جهاز الإمداد الطبي الليبي (حكومي) في توزيع الأدوية على المراكز المتخصصة في علاج الأورام في مختلف المناطق والمدن بعد نفادها من عدد من المستشفيات والمراكز.
وقبل أسبوع، أعلن مستشفى الأطفال في مدينة بنغازي نفاد أدوية الأطفال المصابين بالأورام، وأطلق عدد من النشطاء وجمعيات خيرية حملة جمع تبرعات لشراء تلك الأدوية اللازمة للحفاظ على سلامة الأطفال.
وأكدت حكومة الوحدة الوطنية، أن جهاز الإمداد الطبي بدأ توزيع تلك الأدوية عقب استكمال إجراءات المعايرة، وأوضح البيان أن عملية التوزيع شملت المستشفى الجامعي في العاصمة طرابلس، والمعهد القومي لعلاج الأورام في صبراتة، ومركز علام أورام في مصراتة، ومستشفى طرابلس المركزي، ومركز علاج الأورام في سبها، ومركز علاج الأورام في طرابلس.
وتعاني مراكز علاج الأورام في البلاد منذ فترة طويلة من الإهمال، وتشتكي من نقص أدوية أورام الأطفال، لكن أصوات مسؤولي تلك المراكز بدأت تتعالى خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً في بنغازي، والتي شهدت وفاة تسعة أطفال خلال الفترة بين منتصف سبتمبر/أيلول ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضيين.
ويقول نائب المدير العام لمستشفى الأطفال في بنغازي، صلاح العمروني، في تصريحات صحافية، إن مستشفى الأطفال يضم 61 مريضاً بأنواع متباينة من الأورام، وبعض الحالات تحتاج إلى متابعة دائمة وعلاج كيميائي ليس متوفراً في البلاد. موضحاً أن "المستشفى ما زال يضم حالات حرجة تتطلب نقلها إلى مراكز أكثر تقدماً، وتتوفر فيها إمكانيات أفضل من المتوفرة داخل المستشفى، والإدارة كانت تنتظر وصول أموال إلى المستشفى لعلاج الأطفال منذ منتصف سبتمبر الماضي، لنقل الحالات الحرجة للعلاج بالخارج".
ودعا العمروني في نداء جديد إلى ضرورة الإسراع بتوفير عدد من التحاليل الهامة غير المتوفرة في المستشفى، مؤكداً أن أطفال الأورام يعانون نقصاً حاداً في أدويتهم، وأن "المستشفى سجل ارتفاعاً كبيراً في عدد الأطفال المصابين الذين يراجعونه خلال الفترة الأخيرة، بينما الأدوية التي يوفرها جهاز الإمداد الطبي قليلة، وتنفد سريعاً، كما أن الجهاز لا يوفر كل الأدوية المطلوبة".
واتهمت وزارة الصحة في الحكومة المكلفة من مجلس النواب مصرف ليبيا المركزي بالمسؤولية عن وفاة الأطفال التسعة بسبب عدم فتحه الاعتمادات المستندية اللازمة في أسرع وقت ممكن حتى يتم إيفاد هؤلاء المرضى لتلقي علاجهم المطلوب في الخارج، في المقابل رد المصرف المركزي بإقامة شكوى لدى النائب العام ضد وزير الصحة بتهمة تضليل الرأي العام والافتراء والتشهير.
وخلال المناكفات بين حكومة مجلس النواب والمصرف المركزي، ووسط عشرات البيانات التي صدرت عن عدة جهات حكومية وتشريعية، والتي حملت حكومة الوحدة الوطنية والمصرف المركزي المسؤولية، تدهورت أوضاع مراكز علاج الأطفال من الأورام، ويؤكد الطبيب الليبي المتخصص في علاج الأورام، إبراهيم عثمان، أن "القطاع يتوجه إلى الأسوأ".
وسبق أن أعلنت السلطات الصحية الليبية، في مايو/أيار الماضي، بدء مناقشة مسؤولي قطاع الصحة خطة حكومية لتحسين وتطوير علاج أمراض السرطان في البلاد، وتطوير العلاج في المستشفيات من خلال تحسين البنية التحتية في معاهد ومراكز علاج الأورام، وتدريب العناصر الطبية".
ويؤكد الطبيب إبراهيم عثمان، لـ"العربي الجديد"، أن مستشفى بنغازي ليس المركز الوحيد الذي يعاني من نقص الإمكانيات والدواء، وإن هذا الوضع القائم في كل مراكز البلاد، مشيراً إلى أنه تنقل بين عدد من تلك المراكز للمساعدة في العلاج، وليس هناك أي تحسن في وضعها "بل إن الوضع يزيد ترديه"، بحسب تعبيره.
وأوضح أن "مستشفى طرابلس المركزي، وهو أكبر المراكز الصحية في العاصمة، تتوافد عليه أعداد كبيرة من مرضى الأورام، من بينهم أطفال، لتلقي جرعات العلاج الكيميائي، وقسم الأورام لا يوجد فيه إلا طبيبين وخمس ممرضات فقط، فكيف يمكن لهذا الكادر الصغير أن يستوعب ضغط العمل، أو يوفر للعشرات من المرضى العلاج اللازم الذي يتطلب أحياناً جلسات تصل إلى ثلاث ساعات متواصلة، وهذا الوضع الخطر يدفع بعض الأطباء إلى التبرع بوقتهم وجهدهم لدعم كوادر القسم".
وكشف عضو جمعية التيسير الأهلية، حسن بركان، عن حملات تبرع أطلقها نشطاء وجمعيات خيرية في مختلف مدن ومناطق البلاد، قائلاً إن "المسؤولين لا يفعلون شيئاً سوى إصدار بيانات الاستنكار المتبادلة لتوظيف قضية إنسانية تتعلق بأطفال في إطار الصراع السياسي القائم بينهم".
ويفيد بركان بأن الحملات باتت تتزايد في الآونة الأخيرة، وهناك إقبال كبير من المتبرعين، سواء بالمال أو الجهد، خصوصاً أن "ما تعلنه الأجهزة الحكومية حول صرف الأدوية يؤكد أنها كافية لعدة أسابيع فقط، وبالتالي فالأزمة تتواصل، فضلاً عن أن أنواع الأدوية التي تصرفها الجهات الحكومية لا تشمل الأصناف المهمة التي يضطر المرضى إلى شرائها بأسعار باهظة من الصيدليات الخاصة".
وتنشر العديد من الجمعيات الخيرية مطالبات ودعوات للتبرع بالأموال من أجل شراء أدوية الأطفال، ومنها "منظمة حقوق أطفال الأورام" التي تنشر عناوين وأرقام مستقبلي حملات التبرع، وأخرى للإعلان عن كميات الأدوية التي وصلت إليها من المتبرعين، وطرق توزيعها.
وكشفت "الجمعية الليبية الشاملة" (أهلية)، عن تبرع أحد أطباء الأورام بتوفير سبعة أصناف من الأدوية بمجهودات ذاتية، وبمساعدة الخيرين، وأعلنت كيفية صرف هذه الأدوية للمحتاجين، وأماكن مراكز توزيعها.