أوجد قرار الإدارة الذاتية في مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) إغلاق المدارس والمعاهد الخاصة التي تدرس مناهج وزارة التربية التابعة للنظام السوري، تأثيرات سلبية على صعيد التكاليف والأعباء الاقتصادية على التلاميذ. كما دفع القرار مالكي مدارس ومعاهد خاصة في القامشلي والحسكة تحديداً إلى نقلها إلى المربعات الأمنية التي يسيطر عليها النظام السوري، ما يجبر الأسر الساعية إلى تعليم أبنائها وحصولهم على شهادات معترف بها على إلحاقهم بها، أو اعتماد خيار التدريس الخاص.
يتحدث مدرس مادة الرياضيات شهاب الدين القاسم لـ"العربي الجديد" عن التكاليف الاقتصادية الإضافية التي يتكبدها التلاميذ حالياً، ويقول: "نقل المعهد الذي أدرّس فيه إلى مناطق المربع الأمني، حيث جرى فرض مبلغ 25 ألف ليرة سورية (5 دولارات) على كل مادة لطلاب البكالوريا، ما يزيد الأعباء على المواطنين".
يتابع: "نقل المعهد الى المربع الأمني خلق صعوبات في تأمين المواصلات، خاصة أن مساكن تلاميذ تقع في أحياء بعيدة بمدينة القامشلي، مثل قناة السويس والهلالية والغربية. وأولياء أمور هؤلاء التلاميذ سيدفعون أجور نقل مرتفعة جداً، ويواجهون مشاكل كثيرة بسبب صعوبة المواصلات والنقل، وعدم تأمين الراحة البدنية والنفسية للتلاميذ".
وتبلغ تكاليف الدروس التحضيرية لطلاب الروضة أو التحضيري في مدينة القامشلي نحو 600 ألف ليرة (121 دولاراً) وفق ما يقوله خضر عليان لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "أقل عائلة لديها طالب أو طالبان، وإلى جانب رسوم التعليم هناك المواصلات، في حين لا يسمح الوضع الاقتصادي للعائلات بدفع تكاليف باهظة كون مداخيلها تتراجع، والأزمة الاقتصادية تستمر في التفاقم في المنطقة".
يضيف: "حاولنا التكيّف مع انتقال كل المدارس ومراكز التعليم الخاصة إلى المربع الأمني، لكن أضيفت إليها أعباء تكاليف المواصلات. والمشكلة أن من يريد أن يحصل أبناؤه على شهادة معترف بها للصفين السادس أو التاسع يجب أن يرسلهم للدراسة في المربع الأمني، وهذا حمل اقتصادي كبير علينا حالياً".
أما يونس إبراهيم، فيخبر "العربي الجديد" أن المعلمين يطلبون مبالغ ضخمة تتراوح بين 100 و300 دولار، بحسب المرحلة التعليمية، لمنح دروس خصوصية، وهو ما يفوق قدرة الأهالي. وبالنسبة لي أحاول تأمين مستقبل ابني في الصف التاسع، والذي لا أستطيع أن أهدر مستقبله بالحصول على شهادة غير معترف بها، لذا أنا مضطر إلى تحمل تكاليف الدراسة الإضافية كي يحصل ابني على شهادة معترف بها من حكومة النظام السوري. وكل هذه مصاريف إضافية ولا تشمل القرطاسية والمواصلات والمتطلبات الدورية للدراسة".
في المقابل، يشير المدرس عبد الكريم أبو الحسن في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "اختلاف جهات عدة في التعامل مع المناهج والأسس خلق فجوة حقيقية على صعيد مجانية التعليم، فالنظام يطبق مناهج خاصة، وكذلك الإدارة الذاتية والمعارضة. وكل جهة تقول إن التعليم مجاني وتكاليفه محدودة، لكن هذه المزاعم خاطئة رغم وجود مدارس مجانية. وقد تفككت الأسر اليوم، ومصادر الدخل شبه معدومة، وتسييس التعليم جريمة، ما يستدعي تدخل جهة حيادية لوضع حد لمهزلة المناهج، واعتماد منهج واحد حيادي يعترف به الجميع، ويدرسه كل الأطفال في سورية، والفقير والغني على حد سواء".
يتابع أبو الحسن "عند توحيد المناهج وتدريب مدرسين عليها، ووضعها وفق أنظمة علمية واضحة وسلسة بلغة الدولة الرسمية، لن يحصل تمييز أو استغلال في التعليم، وتبادر مدارس خاصة إلى رفع الرسوم، ما يجعل التلاميذ يتوجهون إلى المدارس الأقرب إلى أماكن سكنهم. وكل هذا يساهم في خفض تكاليف التدريس، ويحد أيضاً من التمييز بين الطلاب والتسرّب من المدارس، لكنني أعتقد بأن كل الجهات في سورية حالياً لا تحاول تضييق هوة تسرّب الأطفال من التعليم، وخفض تكاليف الدراسة، بل العكس تماماً".
ويلفت إلى أن "تطبيق الإدارة الذاتية مناهج تعليم جديدة خطة فاشلة على المدى الطويل، لأن سورية لا تحتمل وجود لغة رسمية ثانية غير العربية، كما أن الأفق أمام تلاميذ يدرسون بلغات أخرى ضيّق ومحدود، ويجعل التكاليف تضيع بلا جدوى.
وشرعت الإدارة الذاتية في فرض مناهجها التعليمية في مناطق شمال شرقي سورية، منذ العام الدراسي 2014 - 2015، درّبت نحو 600 مدرس عام 2017 على تدريس مناهجها في المدارس التابعة لها، ثم أغلقت في سبتمبر/ أيلول الماضي المدارس والمعاهد الخاصة التي تدرس مناهج النظام السوري.