استمع إلى الملخص
- **تأثير العدوان الإسرائيلي على القطاع الطبي**: أدى إلى تعطيل 34 مستشفى و82 مركزاً صحياً في غزة، واستهداف 160 مؤسسة صحية، مما زاد من نقص الأدوية والمعدات الطبية والضغط على الطواقم الطبية.
- **التحديات الإنسانية والطبية**: يعاني القطاع الطبي من حصار مستمر ومنع دخول المساعدات، ويمنع الاحتلال سفر 25 ألف مريض للعلاج، مما يفاقم الأزمة الإنسانية ويهدد بفقدان المزيد من الأرواح.
يعمل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح حالياً بطاقة استيعاب تتجاوز خمسة أضعاف طاقته الاعتيادية قبل بدء العدوان الإسرائيلي، لكن المشكلة الأكبر تتمثل في النقص الفادح في الأدوية والمعدات.
أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، صباح الجمعة، خروج مجمع ناصر الطبي عن الخدمة لوجوده ضمن خريطة "المنطقة الحمراء" التي نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي للمناطق المطلوب إخلاؤها في مدينة خانيونس، ما يعني أنه لم يتبق أي مستشفى مركزي عامل في القطاع سوى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، بعد أن أخرج الاحتلال 34 مستشفى عن الخدمة من أصل 35.
وبعد استهداف جميع مستشفيات القطاع أو تدميرها، انتقل العديد من أفراد الطواقم الطبية إلى مستشفى شهداء الأقصى، وباتت تجرى بداخله جميع العمليات الجراحية المعقدة، كما باتت جميع مرافقه غير الصحية تعمل نقاطاً طبية أولية لاستقبال وفرز الجرحى والمرضى.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي أن الاحتلال يسعى إلى تأزيم الوضع الإنساني في غزة، ويواصل ممارسة سياسة التجويع والتضييق على السكان، وعلى القطاع الطبي، خاصة في مناطق تجمع النازحين التي يصفها الاحتلال بـ"المناطق الإنسانية"، والتي تضيق مساحاتها مؤخراً عبر قرارات الإخلاء، إضافة إلى استمرار سياسة الحصار وإغلاق المعابر، ومنع سفر أكثر من 25 ألف مريض يحتاجون إلى العلاج في الخارج.
عطّل الاحتلال 82 مركزاً صحياً حكومياً من أصل 90 في غزة
وتؤكد المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس أن الكثير من المستشفيات الميدانية في قطاع غزة غير قادرة على العمل رغم المساعي المستمرة لتلبية حاجات القطاع الطبي، ومحاولة دعمه لتعويض خروج أعداد كبيرة من المستشفيات عن الخدمة.
ويقول الناطق باسم مستشفى شهداء الأقصى خليل الدقران: رغم أنه آخر المستشفيات العاملة بكامل طاقتها، إلا أن المستشفى يعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، خصوصاً في أقسام الطوارئ والعناية المركزة وغرف العمليات. ويبين لـ"العربي الجديد" أن "الاحتلال أخرج 34 مستشفى عن الخدمة، كما عطّل 82 مركزاً صحياً حكومياً من أصل 90 مركزاً في مختلف محافظات القطاع. نشعر بقلق كبير، والطواقم الطبية في غزة منهكة، وبعضهم يعملون على مدار الساعة، وهنالك أطباء لا يخرجون من غرف العمليات، ولا يوجد بديل آخر لإنقاذ بعض الأرواح".
يضيف الدقران: "يقع المستشفى في منتصف مدينة دير البلح على خط المنطقة الآمنة، ومن الناحية الشرقية توجد منطقة خطيرة لا يتوقف القصف الإسرائيلي عليها، ومن الناحية الغربية يوجد الآلاف من النازحين وسكان مدينة ومخيم دير البلح، والعديد من المؤسسات الطبية الدولية كانت تدعمنا، لكن بعضها تراجع في الفترة الأخيرة، فالاحتلال الإسرائيلي لا يحترم القانون الدولي الإنساني، ولا يسمح بإدخال المعدات الطبية اللازمة للطواقم الطبية".
ووثق المكتب الإعلامي الحكومي 160 استهدافاً مباشراً لمؤسسات صحية في قطاع غزة منذ بدء العدوان، من بينها استهداف 30 مستشفى مباشرة، وتدميرها، أو تدمير مرافقها، أو أقسام فيها، وكانت أبرز الوقائع هي ما حصل في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، وفي مستشفى بيت حانون، والمستشفى الإندونيسي في شمال القطاع.
يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة لـ"العربي الجديد": "كانت مستشفيات قطاع غزة قبل العدوان تعاني من نقص المعدات الطبية والأدوية، وكانت تعتمد على الطاقة البشرية والرعاية المتواصلة لتجاوز نقص الإمكانيات، لكن العدوان قلص كل ما كان متاحاً في السابق، واستمرار المجازر وتوسيع دوائر الاستهداف دفعا الأطقم الطبية إلى قصر العمل على مجموعة من المستشفيات، وحالياً لم يتبق سوى مستشفى وحيد أصبح أمام الجرحى والمرضى، وهو مستشفى شهداء الأقصى الذي يعاني من نقص حاد في الأدوية".
وتكرر الاستهداف المباشر لمجمع ناصر الطبي في خانيونس ست مرات منذ بداية العدوان، واقتحمت قوات الاحتلال المستشفى مرتين، وأُعيد العمل فيه بعد بدء العملية العسكرية على مدينة رفح في السادس من مايو/أيار الماضي، وخروج مستشفى أبو يوسف النجار عن الخدمة، وهو المستشفى المركزي الوحيد بمدينة رفح.
يمنع الاحتلال سفر أكثر من 25 ألفاً يحتاجون إلى العلاج في الخارج
حاول مجمع ناصر الطبي سد حاجة المرضى والجرحى، خصوصاً في منطقة المواصي التي تعتبر أكبر بؤرة تجمع لخيام النازحين في قطاع غزة خلال الشهرين الأخيرين، وكان المستشفى يستقبل يومياً مئات من الجرحى والمرضى وحالات الطوارئ، وصلت في بعض الأيام إلى 350 جريحاً ومريضاً، وكان يُتعامل معهم رغم محدودية الإمكانيات. ومع وقوعه ضمن المنطقة الحمراء، اضطرت إدارة المستشفى إلى عدم استقبال الجرحى والمرضى حتى لا يُستهدَفوا في الشوارع المؤدية إليه أو داخله في حال تعرضه لاقتحام جديد.
وقبل قرار إخلائه، لجأت طواقم مجمع ناصر الطبي إلى خطة الطوارئ التي تتضمن استقبال الحالات الأشد خطورة، ومحاولة علاجهم بالمتاح في أقسام الطوارئ والعناية المركزة، لكن وجود مئات النازحين في داخل المستشفى كان سبباً في أزمات متعددة، خصوصاً في الأيام الأخيرة مع اتباع جيش الاحتلال سياسة استهداف المدنيين، فبدأت إدارة المستشفى إفراغه من النازحين، وعدم استقبال الكثير من الجرحى والمرضى حتى لا تتيح لجيش الاحتلال حجة لاستهداف المستشفى.
وتقتضي خطط وزارة الصحة تحويل المتخصصين إلى أقرب مستشفى مركزي في منطقة آمنة، لكن المشكلة أنه لا توجد أي منطقة آمنة في قطاع غزة، حتى إن المستشفيات والمراكز الصحية تقع ضمن دوائر الاستهداف.
يقول طبيب الطوارئ في مجمع ناصر الطبي محمد حسين لـ"العربي الجديد": "بعد إخلاء مستشفى أبو يوسف النجار في رفح، انضم عدد من العاملين فيه إلينا في مجمع ناصر الطبي، وانخرطوا مباشرة في العمل بالتزامن مع تزايد أعداد المصابين، كما انضم عدد آخر منهم إلى طاقم المستشفى الأوروبي في المنطقة الشرقية من مدينة خانيونس. الإخلاء الأخير سببه أن الاحتلال وضعنا جميعاً أمام خطر حتمي، ما دفع كثيرين للانتقال إلى مستشفى شهداء الأقصى".
يضيف حسين: "تنقلت منذ بداية العدوان بين الكثير من المستشفيات التخصصية، وبعضها تابعة لجمعيات خيرية، واعتمدت وزارة الصحة على استمرار إدخال بعض المساعدات الطبية من معبر كرم أبو سالم، وكان الهلال الأحمر الفلسطيني يقوم بتقسيم حصص المساعدات على المستشفيات لضمان بقائها عاملة. كانت المستشفيات الحكومية المركزية أهم مراكز الاستهداف الإسرائيلي كونها مراكز طبية وأماكن لإيواء النازحين، وأدى استهدافها المتكرر إلى تكرار تحويل الحالات إلى المستشفيات الخيرية أو التابعة للقطاع الخاص، لكن حتى هذه لم تسلم من الاستهداف، ثم أغلق الاحتلال معبر رفح، وأصبحت المساعدات التي تدخل إلى القطاع شحيحة، وغالبيتها مخصصة لمستشفيات تشرف عليها مؤسسات دولية، أو المستشفيات الميدانية، وساهم كل ذلك في انهيار القطاع الطبي، وعجل بخروج المستشفيات المركزية الحكومية عن الخدمة كأمر حتمي".
ويوجد العديد من أطباء قطاع غزة في مدينة دير البلح باعتبارها آخر المحافظات التي يمكنهم تقديم الرعاية الطبية فيها، ضمن خطة تنقلات تقتضي العمل داخل عدة مراكز صحية في المدينة، ونقاط طبية في مناطق الخيام، وكذلك تنقلات إلى خيام النازحين في منطقة المواصي في حال توفرت وسيلة نقل.
كان طبيب الأطفال محمد شعث من بين الأطباء الذين تنقلوا خلال العدوان بين أكثر من عشرة مستشفيات ومراكز صحية، وقد كان يعمل في مستشفى النصر للأطفال، الذي كان من أول المستشفيات التي جرى إخلاؤها بالكامل بعد ارتكاب جيش الاحتلال مجزرة فيها بحق الأطفال المرضى، وهو يتنقل حالياً بين ثلاث نقاط طبية، وعدد ساعات عمله تصل إلى 14 ساعة يومياً.
يقول شعث لـ"العربي الجديد": "مستشفى شهداء الأقصى لا يمكن أن يستوعب حالات الطوارئ، ومهما كان عدد العيادات والنقاط الطبية والمستشفيات الميدانية، فإنها لا تستطيع توفير الإسناد الطبي. نحن على أعتاب أزمة صحية ستؤدي إلى كارثة إنسانية، فهناك جرحى بحاجة إلى رعاية يومية، وحسب تخصصي، هناك أطفال جرحى بحاجة إلى رعاية حثيثة، لكن لا يمكن توفير أسرّة مبيت لهم في المستشفى، ويعني هذا أننا سنفقد الكثير من الأرواح خلال الأيام المقبلة، وخصوصاً من الأطفال".