أصدر تحالف "أمّة لأجل الأرض" بالتعاون مع "منظمة غرينبيس"، مؤخراً، تقريراً بعنوان "المساجد الخضراء... نحو إلهام وتمكين المجتمعات المحلية لتبني الحلول المستدامة"، أعدّه فريق مشترك من الباحثين في "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" بالجامعة الأميركية في بيروت، ومن "المؤسسة اللبنانية للطاقة المتجددة"، و"المجلس الوطني للبحوث العلمية".
يرتكز التقرير على دراسة إمكانية تركيب منظومة كهرضوئية تستثمر الطاقة الشمسية في توليد الطاقة الكهربائية، على أسطح أشهر عشرة مساجد في العالم، وعلى تقييم المنافع الاقتصادية والبيئية المحتملة.
وشملت الدراسة عشرة مساجد شهيرة في العالم، وهي المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، ومسجد غلاسكو المركزي في المملكة المتحدة، والجامع الأزهر في القاهرة، والجامع الكبير في لاهور بباكستان، ومسجد الاستقلال في جاكرتا بإندونيسيا، والجامع الكبير بمدينة المحمدية في الجزائر، ومسجد النظامية في ميدراندا بجنوب أفريقيا، والجامع الأموي الكبير في دمشق، ومسجد الحسن الثاني في مدينة الدار البيضاء المغربية.
وتم اختيار المساجد وفق رؤية "تحالف أمة لأجل الأرض" الذي يهدف إلى تمكين المجتمعات المسلمة، خاصة تلك الأكثر تأثراً بأزمة التغير المناخي، وتعزيز الحلول التي تقودها هذه المجتمعات.
يشرح المهندس المشارك في الدراسة، علي الأكبر ضاوي، من المجلس الوطني للبحوث العلمية، أن المساجد تستخدم الطاقة الكهربائية في التهوئة، والتبريد، والتدفئة، والإنارة وغيرها، ويساهم استخدام الطاقة الشمسية في توليد الطاقة الكهربائية في التشجيع على استخدام الطاقات المتجددة، وفي تخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وخصوصاً ثاني أوكسيد الكربون، ما يساعد على تخفيف تلوث الهواء، وتقليل تداعيات التغير المناخي.
وارتكزت آلية العمل في الدراسة، وفق ضاوي، على تحديد إحداثيات الموقع الجغرافي لكل مسجد، إذ يختلف الإشعاع الشمسي بين بلد وآخر، وبين منطقة وأخرى، ثم رسم خريطة لأسطح الجوامع باستخدام صور الأقمار الصناعية بغية تحديد المساحات المناسبة لوضع الألواح الشمسية.
واعتمد فريق الدراسة على برامج لتقييم أسطح المباني، ومن خلال عملية محاكاة، تم تحديد كمية الطاقة الكهربائية التي يمكن توليدها من خلال الطاقة الشمسية على مدار السنة، واعتماد برامج لتقييم المنافع الاقتصادية والبيئية.
وأظهرت نتائج الدراسة، التي امتدت لمدة شهر، أن توليد الطاقة الشمسية من فوق أسطح المساجد العشرة يمكن أن يؤدي إلى إنتاج 22.3 جيغاواط في الساعة على مدار السنة، ما يساهم في تخفيض 12,025 طنا من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، ويعادل هذا الانخفاض في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عدم استخدام 2203 سيارة وشاحنة خفيفة سنوياً، أو عدم استهلاك أكثر من خمسة ملايين لتر من البنزين، أو حماية 1107 هكتارات من الغابات التي تمتص الكربون.
ويوفر التقرير تفاصيل تقنية عن المنافع البيئية والاقتصادية التي ستعود على كل جامع. فعلى سبيل المثال، ستبلغ الطاقة المنتجة من المنظومة الكهروضوئية في المسجد النبوي الشريف، نحو 6.19 جيغاواط في الساعة، ما يؤدي إلى خفض 3199 طناً من ثاني أوكسيد الكربون، أو ما يعادل حماية 294 هكتاراً من الغابات.
ويقول الباحث المشارك في الدراسة، مارك أيوب، من معهد عصام فارس بالجامعة الأميركية في بيروت، إن استخدام الطاقة الشمسية في هذه المساجد سيوفر ما بين 93 إلى 153 فرصة عمل جديدة للعاملين في تركيب الألواح الشمسية، وتشغيلها، وصيانتها.
وحول إمكانية تنفيذ المشروع، تشير المديرة التنفيذية في منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غوى النكت، إلى بدء اعتماد مسجد غلاسكو المركزي في إسكتلندا، على الطاقة الشمسية بفضل هبة من "منظمة الإغاثة الإسلامية".
ويوضح مارك أيوب أنه تم عرض التقرير في فعاليات قمة المناخ الأخيرة "كوب 26" في غلاسكو، أمام صناع القرار، وتم اختيار الفريق اللبناني من بين منافسين آخرين تقدموا لإعداد المشروع من قبل تحالف "أمة لأجل الأرض" ومنظمة "غرينبيس"، ما يؤكد على أهمية استثمار الكفاءات البحثية والعلمية اللبنانية في مواجهة التحديات البيئية التي يواجهها العالم، وإمكانية تطبيق هذه الحلول البديلة في المجتمع اللبناني.
ويعتبر أيوب أن التوجه إلى توليد الطاقة الكهربائية من ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المساجد يشكّل أداة توعية لجميع فئات المجتمعات حول أهمية استخدام الطاقات المتجددة، والتشجيع عليها في مواجهة التلوث البيئي والتغير المناخي.
ويشير علي الأكبر ضاوي، إلى أن المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، قام بالتعاون مع المؤسسة اللبنانية للطاقة المتجددة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بدراسة إمكانية استخدام ألواح الطاقة الشمسية في توليد الطاقة الكهربائية على أسطح المدارس، والمستشفيات، والمصانع، والأراضي المشاع، والمساجد، والكنائس.
وتعتبر النتائج الأولية مشجعة باعتبار أن لبنان يمتلك مساحات كبيرة غير مزروعة يمكن استثمارها في توليد الطاقة الكهربائية عبر الطاقة الشمسية، كما أن الإشعاع الشمسي قوي، والغبار خفيف، ما جعل بعض اللبنانيين يلجؤون إلى استخدام الطاقة الشمسية في ظل أزمة انقطاع التيار الكهربائي.