كشفت أرقام سجلت في يوليو/ تموز الماضي أن قوائم الانتظار الخاصة بخدمات الصحة الوطنية في بريطانيا تضم 5.6 ملايين شخصاً، وهو رقم قياسي في تاريخ المملكة المتحدة، كما زاد عدد المرضى الذين تحولوا إلى مستشفيات القطاع الخاص منذ ظهور جائحة كورونا. وأكد ذلك تدهور خدمات الصحة الوطنية، في حين صرح رئيس الحكومة بوريس جونسون أن حكومته ستفرض حزمة زيادات في الضرائب بقيمة 12 مليار جنيه إسترليني (16.5 مليار دولار) سنوياً بدءاً من إبريل/ نيسان 2022، لمعالجة تراكم الخدمات الصحية الوطنية وإصلاح الرعاية الاجتماعية. واللافت أن مؤسسة "سباير"، ثاني أكبر مزود للرعاية الصحية الخاصة في المملكة المتحدة والتي تدير 39 مستشفى، قالت إن "إنفاقها زاد بنسبة 81 في المائة عن المبالغ التي يدفعها الأشخاص مقابل تلقي العلاج بين إبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019". وأظهرت البيانات الأكثر حداثة التي أصدرتها خدمات الصحة الوطنية البريطانية، حضور أكثر من مليوني شخص إلى أقسام الطوارئ والحوادث في أغسطس/ آب 2021، بينما حددت بأكثر من 5.6 ملايين العدد الإجمالي للأشخاص الذين ينتظرون الإحالة إلى العلاج (أوقات الانتظار التي ترصد المدة الزمنية من الإحالة إلى العلاج الاختياري).
وفي يوليو/ تموز الماضي، انخفض إلى 293,102 عدد الأشخاص الذين ينتظرون أكثر من 52 أسبوعاً لبدء العلاج، لكنه لا يزال أعلى بكثير من يوليو/ تموز 2019، حين لم يتجاوز الرقم 1032 شخصاً فقط، علماً أن التخصصات التي ضمت أكبر عدد من المرضى الذين ينتظرون أكثر من عام، هي الصدمات وجراحة العظام والجراحة العامة.
يبلغ المدير التنفيذي لمؤسسة "نافيلد تراست" المستقلة التي تهدف إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية في المملكة المتحدة، نايجل إدواردز، "العربي الجديد" أن "بريطانيا عانت من جائحة كورونا، ومن ارتفاع عدد إصاباتها التي احتاجت إلى دخول مستشفيات لتلقي العلاج، ما وضع خدمات الصحة الوطنية تحت ضغوط هائلة خلال موجات التفشي الرئيسية الثلاث، ودفعها إلى إلغاء أو تأجيل العديد من العمليات والاختبارات وصور الأشعة وخدمات صحية أخرى. وإلى جانب هذه الضغوط، أحجم أطباء في الطب العام عن إرسال مرضى في شكل متزايد إلى أطباء متخصّصين. وانتظر عدد كبير من المرضى أكثر من عام لإجراء عمليات جراحية، بينما دفع آخرون تكاليف علاجهم من حساباتهم الشخصية". ويشرح إدواردز أنّ "التوجه إلى العلاج الخاص لا يؤثر في شكل كبير على مرضى خدمات الصحة الوطنية، لأن الأطباء الذين يعملون في القطاعين ملتزمون بعقد يحدّد ساعات عملهم لدى خدمات الصحة الوطنية".
ورغم أن نسبة 32 في المائة من المرضى انتظروا أكثر من 18 أسبوعاً لبدء العلاج في يوليو/ تموز 2021، ما يشير إلى تحسن بنسبة 21 نقطة مئوية مقارنة بذروة يوليو/ تموز 2020، لكنه لا يزال أسوأ بنسبة 18 نقطة من يوليو/ تموز 2019. كما انتظر حوالى واحد من كل أربعة مرضى (24 في المائة) أكثر من ستة أسابيع لإجراء اختبار تشخيصي في يوليو/ تموز 2021. وحتى اليوم لم يتم بلوغ هدف وقف انتظار التشخيص الذي تحدد قبل أكثر من 7 أعوام ونصف العام، كما لم تمنح أولوية لمرضى السرطان، ففي يوليو/ تموز 2021 انتظر 28 في المائة من هؤلاء المرضى أكثر من شهرين لبدء علاجهم الأول، بعد إحالة عاجلة من الطبيب العام، وهو أسوأ أداء على الإطلاق. أيضاً لم يتحقق منذ 5 أعوام ونصف العام هدف تحديد فترة الانتظار لمرضى السرطان بـ 62 يوماً.
انتظار... وآلام
من جهته، يقول رودجرز (59 عاماً) لـ "العربي الجديد": "شعرت بألم في الصدر وغثيان، وبقيت أياماً على هذه الحال حتى توجّهت إلى قسم الطوارئ حيث انتظرت حوالي ثلاث ساعات ممدداً على الأرض من شدّة الألم. ثم أجروا لي عدداً من الاختبارات، وأدخلوني إلى غرفة في المستشفى، لكنني تعرضت لصدمة حين سألوني عند الساعة الثانية فجراً إذا كنت أستطيع المغادرة وترك السرير لمريض آخر، وهو ما فعلته، لكن حالتي استمرت في التدهور، وخسرت أكثر من 17 كيلوغراماً في غضون أقل من شهرين". يضيف: "أبلغني أطباء بعد فترة أنني أعاني من التهاب في المرارة. وبما أنني أعلم الضغط الهائل على خدمات الصحة الوطنية أدركت أن لا أمل في تلقي علاج قبل ثلاثة أشهر على الأقل. وبقيت أتحمّل الألم في انتظار استلام رسالة من الطبيب تحدد موعد العملية، ثم وصلت إلى درجة أتقيّأ فيها حتى الماء، ولم أعد قادراً على الاستلقاء أو الجلوس أو النوم، فاتصلت بالإسعاف ونقلوني إلى المستشفى حيث مكثت لأيام. وبعدها أجريت اختبارات دم جديدة وتصوير بالرنين المغناطيسي (أم آر آي) فتبيّن أنني أحتاج إلى عمليتين، وأن الكبد تأثّر من التهاب المرارة. وتحدد موعد العملية الأولى في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، لكنّه ألغي في صباح اليوم ذاته، بعدما جاءت نتائج الاختبار الثاني لكورونا إيجابية. وقبل انتظار نتيجة الاختبار الثالث، طلبوا نقلي إلى جناح كوفيد -19، لكنني اخترت المغادرة إلى المنزل، ثم جاءت نتيجة الاختبار سلبية في اليوم التالي، لكن الطبيب أبلغني أن المستشفى تكتفي بنتيجة إيجابية واحدة لتأجيل موعد العملية. وما أخشاه اليوم الانتظار لأشهر مجدداً، وتدهور حالتي الصحية".
من هنا، يبدو من الطبيعي أن يختار القادرون على دفع تكاليف العلاج تمويل رعايتهم الصحية بأنفسهم. وقد ارتفع عدد هؤلاء في شكل كبير، لكن خبراء يحذّرون من أن هذا التوجّه يهدد بخطر إنشاء نظام ذي مستويين، حيث يدفع الأشخاص الأثرياء ثمن الاختبارات والعلاجات السريعة، في حين يضطر الأشخاص الأقل رفاهية إلى الانتظار فترات أطول. ويكمن الخطر في دفع مرضى الخدمات الصحية الوطنية إلى أبعد من ذلك، لأن أطباء الخدمات الصحية الوطنية الذين يتبعون إجراءات خاصة يعطون أولوية للمرضى الذين يدفعون.