مرضى الفشل الكلوي في غزة: استمرار العدوان يهدد حياتنا

17 ديسمبر 2024
يخضعون لغسل الكلى في غزة. 26 مايو 2024 (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني مرضى الفشل الكلوي في غزة من أزمة حادة بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة بعد تدمير قسم "غسل الكلى" في مجمع الشفاء الطبي، مما يهدد حياة 1100 مريض.
- رغم ترميم جزء من قسم "غسل الكلى"، إلا أن نقص الأجهزة أدى إلى تقليص جلسات الغسل، وزاد من معاناة المرضى مثل وائل سكيك وهنادي عبد الواحد بسبب صعوبة الوصول للمستشفى.
- يواجه قسم أمراض الكلى تحديات كبيرة تشمل نقص الأجهزة والكوادر والأدوية، مما يستدعي تدخلاً عاجلاً من المؤسسات الصحية الدولية والإقليمية.

يعيش أصحاب الأمراض المزمنة في قطاع غزة كارثة متفاقمة نتيجة تواصل العدوان الإسرائيلي، ومن بينهم مرضى الفشل الكلوي الذين بات الكثير منهم مهدداً بفقد حياته بسبب عدم توفر العلاج.

تزداد أوجاع مرضى الفشل الكلوي في محافظتي غزة والشمال يوماً بعد آخر، بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة لعمليات غسل الكلى نتيجة استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية، فضلاً عن انعدام التغذية المناسبة اللازمة لتقوية أجساد المرضى المنهكة، ما يجعل الموت يهددهم في كل لحظة.
وكانت أعداد مرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة قبل العدوان تبلغ 1100 مريض، من بينهم 600 في محافظتي غزة وشمال القطاع، و500 مريض في وسط وجنوب القطاع. وتضاعفت معاناة هؤلاء المرضى في أعقاب تدمير جيش الاحتلال قسم "غسل الكلى" في مجمع الشفاء الطبي غربي مدينة غزة، خلال العملية العسكرية التي شنها جيش الاحتلال على المجمع في 18 مارس/آذار الماضي، والتي استمرت لمدة أسبوعين، وأخرجته عن الخدمة بالكامل.
وكانت هذه المرة الثانية التي تقتحم فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي مجمع الشفاء منذ بداية العدوان على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ اقتحمته لأول مرة في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد حصاره لمدة أسبوع، وجرى خلال ذلك تدمير ساحاته وأجزاء كبيرة من مبانيه ومعداته الطبية ومولد الكهرباء.

استعاد المرضى الأمل بعد ترميم جزء من قسم الكلى بمجمع الشفاء

كان تدمير وحرق قسم أمراض الكلى قاسياً على المرضى، ومن بينهم وائل سكيك (62 سنة) المصاب بالفشل الكلوي، إلى أن جرى ترميم أجزاء من قسم "غسل الكلى" بمجمع الشفاء في 20 مايو/أيار الماضي، بتمويل من جهات دولية مانحة. حينها عاد بصيص من الأمل للمرضى.
تكتظ غرفة كبيرة في قسم "غسل الكلى" بمجمع الشفاء بمُصابي "الفشل الكلوي". يرقد كل منهم على سريره إلى جانب الجهاز الخاص بغسل الكلى الذي يخرج منه أنبوب يتصل بإحدى ذراعيه، وتستمر الجلسة لنحو أربعة ساعات متواصلة.
يقول وائل سكيك المُصاب بالفشل الكلوي منذ ثلاث سنوات، لـ"العربي الجديد"، إن معاناته تضاعفت منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية بسبب الانقطاع المتكرر عن جلسات "غسل الكلى" الذي يُشكل شريان الحياة له، مضيفاً: "اعتدت على غسل الكلى ثلاث مرات أسبوعياً، وكنت أمكث في كل جلسة أربع ساعات، لكن بعد اندلاع الحرب تقلّص عدد جلسات الغسل إلى مرتين أسبوعياً، الأمر الذي يضاعف معاناتي، عدا عن عدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية، وأبرزها المياه العذبة اللازمة للجهاز".
انقطع سكيك عن غسل الكلى لمدة 29 يوماً متواصلة نتيجة اجتياح جيش الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي، إضافة إلى نزوحه من بيته الواقع في جنوب غربي مدينة غزة إلى منطقة تل الهوا، ما فاقم من معاناته الصحية، وظهور التعب والإرهاق عليه، كما أن الذهاب إلى مجمع الشفاء بات يمثل رحلة شاقة نتيجة عدم توفر وسيلة مواصلات، ما يدفعه إلى السير مسافات طويلة، وبالتالي زيادة متاعبه، كما يضطر في كثير من الأوقات، مثل غيره من المرضى، لركوب عربة يجرها حيوان بسبب عدم توفر السولار اللازم لتشغيل مركبات النقل.
بالتزامن مع متاعبه مع الفشل الكلوي، أُصيب سكيك بمرض السرطان قبل عدة سنوات، وخضع لعدة عمليات جراحية لاستئصال الورم، كما يُعاني هشاشة في العظام، وارتفاع ضغط الدم، ما ينعكس أيضاً على حالته الصحية المُتردية أصلاً، وهو يعاني بشدة جراء نقص الأكل الصحي، وانعدامه في بعض الأوقات.

يخضعون للغسل الكلوي (محمد الحجار)
أزمة غسيل الكلى خطيرة في غزة (محمد الحجار)

إلى جانبه، تجلس الشابة الفلسطينية هنادي عبد الواحد (25 سنة)، وفي يدها اليُسرى أنبوباً متصلاً بجهاز غسل الكلى لإجراء الجلسة التي يتخللها أوجاع وآلام. تقول عبد الواحد، التي اقتحم المرض جسدها قبل ثماني سنوات لـ"العربي الجديد"، إنها اعتادت على الخضوع لجلسات غسل الكلى طيلة السنوات الماضية ثلاث مرّات أسبوعياً، لكن العدد تقلّص إلى مرتين خلال العدوان الإسرائيلي بسبب نقص الأجهزة، وهو ما ينعكس سلباً على حالتها الصحية.
تضيف: "لا يمكنني العيش من دون الخضوع لجلسات غسل الكلى أسبوعياً نتيجة ظهور عدة أعراض أبرزها عدم القدرة على التنفس والإرهاق وفُقدان الشهية. انقطعت عن غسل الكلى لمدة 21 يوماً متواصلة خلال فترة اجتياح قوات الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي، وكانت هذه الفترة أصعب أيام مرّت عليّ منذ بداية العدوان على غزة".
وتصف هنادي الصعوبات التي فرضها العدوان الإسرائيلي عليها وعلى أقرانها من المرضى بأنها "معاناة فوق معاناة"، فإضافة إلى متاعب المرض، والتداعيات المُصاحبة له، هناك صعوبات في توفر وسائل النقل من المنزل إلى المستشفى لغسل الكلى. وتبين أنها كانت تنوي زراعة كلى في أحد مستشفيات القطاع للانتهاء من مشكلتها مع المرض، لكن الحرب أفسدت ذلك المخطط.
ويطالب مرضى الفشل الكلوي في غزة بالسفر إلى الخارج للعلاج لإنقاذ حياتهم قبل فوات الأوان، أو المسارعة في وقف الحرب وإعادة إعمار القطاع الصحي كي يمكنهم تلقي العلاج.

معاناة مرضى الكلى مضاعفة في غزة. 26 مايو 2024 (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
معاناة مرضى الكلى مضاعفة في غزة. 26 مايو 2024 (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

بدأت رحلة الفلسطيني بشير الدلو (57 سنة) مع الفشل الكلوي قبل أربع سنوات، بعدما ظهرت عليه بعض الأعراض مثل انتفاخ القدمين، والخلل في ضغط الدم، والسكري. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنه كان يغسل الكلى ثلاث مرّات أسبوعياً، وبعد اجتياح قوات الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي، وعدم تمكنه من الخروج من المنزل، ساءت أوضاعه الصحية.
تزداد مخاوف الدلو يوماً بعد آخر، لا سيّما أن قسم أمراض الكلى بمجمع الشفاء لا يعمل بكامل طاقته، كما لا يتناسب مع أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى غسل الكلى دورياً. يقول: "أواجه صعوبات عدة في الوصول إلى مجمع الشفاء بسبب قلة وسائل النقل، وانعدام سيارات الأجرة، ما يدفعني إلى الذهاب سيراً على الأقدام، رغم أن المسافة طويلة، ما يسبب لي المزيد من الإرهاق، إذ أستغرق قرابة الساعتين للوصول إلى المستشفى".
بدوره، يؤكد رئيس قسم أمراض الكلى بمجمع الشفاء الطبي، غازي اليازجي، لـ"العربي الجديد"، أن "واقع قسم غسل الكلى في مجمع الشفاء، وأوضاع المرضى الذين يتلقون الخدمة بداخله غاية في الصعوبة، فالقسم يواجه عدة عقبات أبزرها زيادة أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى غسل الكلى عن أعداد الأجهزة المتوفرة. يبلغ عدد المرضى الذين يعانون قصوراً كلوياً، وبالتالي يحتاجون إلى جلستي غسل كلى أسبوعياً 68 مريضاً، في حين نعاني نقصاً فادحاً في أعداد الأجهزة المتوفرة داخل القسم، بسبب إحراق الاحتلال عدد كبير منها خلال العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في شهر مارس الماضي".

ويوضح اليازجي: "أعيدَ ترميم أجزاء من القسم، وبات يحتوي 27 جهازاً خاصاً بغسل الكلى، علماً أنه كان يحتوي 70 جهازاً قبل العدوان الإسرائيلي، والعدد الحالي لا يتناسب مع أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى الجلسات، كما أن تقليل عدد جلسات غسل الكلى يؤدي إلى مضاعفات صحية لدى المرضى، وأبرز المضاعفات التي يواجهها المريض تتمثل في تراكم السموم، وارتفاع نسبة الاملاح، وزيادة نسبة السوائل على عضلة القلب والرئتين، ويضاف إلى قلة عدد الأجهزة عدم توفر السولار اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء، وتعطل محطة تحلية المياه العذبة اللازمة لأجهزة غسل الكلى".
يتابع الطبيب الفلسطيني: "هناك أيضاً نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة بمرضى الفشل الكلوي، وأبرزها نقص القساطر المؤقتة أو المستديمة، فضلاً عن قلة عدد الكوادر الطبية المتخصصة، ما ينعكس سلباً على عمل القسم، وعلى المنظومة الصحية عموماً، وتكررت وفاة أعداد من مرضى الكلى بسبب تردي أوضاعهم الصحية خلال العدوان، فهناك مرضى يعانون قصوراً مزمناً في الكلى، وهم بحاجة لأجهزة متقدمة، وجلسات متعددة، لكن ذلك غير متوفر".
ويشير إلى أن "هناك قائمة طويلة من المرضى بحاجة إلى السفر للعلاج، وتأخير سفرهم يؤدي إلى تفاقم حالتهم المرضية، وقد يؤدي إلى مضاعفات تصل إلى الوفاة. الأوضاع التي تمر بها المنظومة الصحية في قطاع غزة صعبة، وعلى المؤسسات الصحية الدولية والإقليمية ضرورة الإسراع بالتدخل، والوقوف إلى جانب مرضى وأطباء قطاع غزة، وتقديم الدعم اللازم لهم، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية".