مدرسة بدو الكعابنة.. نموذج صمود أمام إرهاب المستوطنين

18 سبتمبر 2024
خلال الهجوم على مدرسة بدو الكعابنة، 16 سبتمبر 2024 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الهجوم على مدرسة بدو الكعابنة:** تعرضت المدرسة لهجوم عنيف من مستوطنين مسلحين، مما أدى إلى إصابة ثلاث معلمات ومدير المدرسة، رامي الدمنهوري، الذي اعتقل لاحقاً من قبل الجيش الإسرائيلي. الهجوم جزء من اعتداءات متكررة تهدف لترهيب الطلاب والمعلمين.

- **الهجمات على تجمع عرب المليحات:** تعرضت مساكن التجمع لهجوم متزامن من المستوطنين، مما أدى إلى إصابة ثمانية أشخاص واعتقال الشاب إبراهيم مليحات. الهجمات تهدف لتهجير الأهالي والسيطرة على أراضيهم.

- **التأثير النفسي والاجتماعي:** الهجمات المتكررة تسببت في ذعر وخوف بين الأطفال والنساء، مما دفع بعض الأهالي لعدم إرسال أبنائهم إلى المدرسة. الأطفال تعرضوا لصدمات نفسية حادة، مما أثر على شعورهم بالأمان.

لم يكن الهجوم الذي تعرضت له مدرسة بدو الكعابنة الأساسية المختلطة والطاقم التدريسي والطلبة صباح الاثنين، الأول من نوعه، بالتوازي مع هجوم على مساكن تجمع عرب المليحات البدوي في منطقة المعرجات التحتا، شمال غرب أريحا شرق الضفة الغربية، والذي تقع فيه المدرسة، بل في سياق اعتداءات تتصاعد من قبل المستوطنين بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي.

مدرسة بدو الكعابنة تتعرض للهجوم الأعنف

سكرتير مدرسة بدو الكعابنة أحمد زبيدات، يروي لـ"العربي الجديد"، تفاصيل ما تعرضت له المدرسة من هجوم عنيف نفذته مجموعة من المستوطنين صباح يوم الاثنين السادس عشر من الشهر الجاري، في تمام الساعة 9:30. يوضح أن حوالي عشرة مستوطنين مسلحين بالبلطات والعصي والسكاكين كانوا يلبسون أقنعة تغطي وجوههم، اقتحموا ساحة المدرسة، وشرعوا في الاعتداء على كل من كان في المكان، بمن فيهم المعلمات والطلبة.

زبيدات يشير إلى أن الهجوم أسفر عن إصابة ثلاث معلمات برضوض نتيجة الضرب، فيما تعرض مدير المدرسة، رامي الدمنهوري، للاعتداء بشكل مباشر على وجهه، ما تسبّب له بكدمات واضحة، وتمت سرقة هاتفه المحمول، وحاسوبه الشخصي، وجهاز تسجيل كاميرات المراقبة الخاص بالمدرسة، وبعد الاعتداء تم تقييد المدير وتسليمه للجيش الإسرائيلي الذي قام باعتقاله.

هذا الهجوم ليس الأول من نوعه، إذ شهدت المدرسة ثلاثة اعتداءات خلال الأسبوع الجاري، تضمنت تنكيس العلم الفلسطيني، إلا أن هذا الهجوم كان الأكثر عنفًا وتخللته ألفاظ بذيئة وشتم.

ويشدد زبيدات على أن الاعتداء الأخير يشكل تهديداً خطيراً للتعليم والطلاب، خاصة أنه بلا مبرر، فلم يكن أحد من الطلبة والهيئة التدريسية خارجها. ويشير إلى أن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تم تبليغها بالحادثة، وهي تتابع الحادثة بالإجراءات القانونية والدبلوماسية.

مهاجمة التجمع

ويؤكد مسؤول تجمع عرب المليحات البدوي، سليمان مليحات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قوات الاحتلال كانت تحاصر المدرسة أثناء الهجوم، وأن الأمهات كن مصرات على دخول المدرسة حتى تمكنَّ من إخراج أبنائهن وإنقاذهم من الاعتداءات. 

في موازاة ذلك، هاجم قسم آخر من المستوطنين مساكن تجمع عرب المليحات، تصدى لهم الأهالي، إلا أنهم تمكنوا من سرقة رأس من الخيل واعتقلوا الشاب إبراهيم مليحات، الذي تم تسليمه هو الآخر لقوات الاحتلال، وأسفر الهجوم العنيف عن إصابة ثمانية. ويشير سليمان مليحات إلى أن قوات الاحتلال مددت اعتقال الشاب إبراهيم مليحات ومدير المدرسة رامي الدمنهوري لعدة أيام، رغم زيف وكذب الادعاءات الموجهة ضده بأنه ضرب مستوطناً.

ترهيب نفسي للأطفال والنساء

ترى الناشطة الصحافية آسيا مليحات، وهي من سكان تجمع عرب المليحات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الهجوم الذي شنه المستوطنون على مدرسة بدو الكعابنة لم يقتصر فقط على المعلمين والطاقم المدرسي، بل شمل أيضاً ترهيب النساء والأطفال، وعاش الأهالي حالة من الذعر عندما علموا بالهجوم.

ووفق آسيا مليحات، فقد هرع الأهالي نحو المدرسة لإنقاذ أبنائهم من أيدي المستوطنين، ولكن جيش الاحتلال الإسرائيلي أغلق الطريق المؤدي إلى المدرسة وحاصرها ومنعهم من الوصول إليها، كي يستفرد المستوطنون بكل من في المدرسة، بينما كان الأهالي يسمعون أصوات صراخ وبكاء أطفالهم من الداخل، حينها شعروا بالعجز التام لعدم تمكنهم من التدخل وإنقاذهم من أيدي المعتدين.

كان اليوم التالي لاعتداء المستوطنين على التجمع ومدرسته عصيباً على الأطفال الذين تعرضوا لصدمات نفسية حادة بعد رؤيتهم للمستوطنين وهم يعتدون بالضرب على مدير مدرستهم أمام أعينهم. 

وتؤكد آسيا مليحات التي درست في المدرسة ذاتها بالمراحل الأساسية، أن مشهد الاعتداء ترك الأطفال في حالة من الفقدان التام للأمان، مما أدى إلى أن بعض الأهالي قرروا عدم إرسال أبنائهم إلى المدرسة في اليوم التالي، خشية وقوع هجوم آخر من قبل المستوطنين. هذا الاعتداء بحسب مليحات، لم يكن فقط جسديًا، بل كان أيضًا هجومًا نفسيًا استهدف الأطفال بشكل مباشر، مما أثر بشكل كبير على شعورهم بالأمان والطمأنينة داخل مدرستهم.

يذكر أن مدرسة بدو الكعابنة أنشئت قبل أكثر من ستين عاماً كخيمة متنقلة مع الأهالي، فيما تم ترخيصها في ثمانينيات القرن الماضي وتحويلها إلى مدرسة ثابتة في تجمع عرب المليحات الواقع في منطقة المعرجات التحتا شمال غرب أريحا. وتتكون المدرسة من تسع غرف صفية مبنية من الصفيح، وتخدم نحو 100 طالب وطالبة، إلى جانب 13 من أفراد الطاقم التدريسي، وتشمل الصفوف الدراسية من رياض الأطفال حتى الصف التاسع الأساسي، أما الطلبة الذين يرغبون في مواصلة تعليمهم الثانوي فيتوجهون إلى مدارس مدينة أريحا.

اعتداءات بهدف التهجير 

ويتعرض تجمع عرب المليحات البدوي بحسب مسؤوله سليمان مليحات، لاعتداءات شبه يومية من المستوطنين وقوات الاحتلال، الذين يسعون إلى تهجير الأهالي والسيطرة على أراضيهم لمصلحة التوسع الاستيطاني. وتنوعت الاعتداءات بين سرقة المواشي، والاعتداء الجسدي، وتسميم عشرات رؤوس الأغنام. 

ويضم تجمع عرب الكعابنة نحو 65 عائلة بلغ عدد أفرادها 500 نسمة قبل السابع من أكتوبر الماضي، لكن بعد تكثيف اعتداءات المستوطنين، اضطرت 35 عائلة، بما يعادل 200 نسمة، إلى الرحيل. وتجمع عرب المليحات ينتمي إلى حمولة الكعابنة التي تم تهجيرها من منطقة السبع جنوب فلسطين المحتلة عقب النكبة عام 1948، إلى منطقة مسافر يطا جنوب الخليل. وفي ثمانينيات القرن الماضي، اضطر التجمع إلى الانتقال إلى أراضٍ تابعة لقرية مخماس شمال القدس، لكن الجيش الإسرائيلي أقام معسكراً في المنطقة، مما دفع الأهالي إلى الانتقال مجدداً إلى منطقة المعرجات التحتا، حيث يستمرون في مواجهة الاعتداءات اليومية من المستوطنين.

ويعتمد سكان التجمع بشكل أساسي على تربية الثروة الحيوانية، ويعتبر وجودهم في المنطقة حامياً لنحو 2000 دونم من الأراضي المصنفة ضمن المنطقة المصنفة "ج" بحسب اتفاقية أوسلو، والتي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. تجمع عرب المليحات تعرض لحوالي 1000 اعتداء منذ السابع من أكتوبر، بحسب المشرف العام لمنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، حسن مليحات، في حديث لـ "العربي الجديد".

صراع وجودي

تخوض التجمعات البدوية في الضفة الغربية صراعاً وجودياً مع المستوطنين، الذين يسعون لاقتلاعهم من أراضيهم، إذ تصاعدت تلك الاعتداءات بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وفق ما يؤكده حسن مليحات.

هذه الاعتداءات، وفق حسن مليحات، تتنوع بين هجمات مباشرة، واستيلاء على الممتلكات، وحرق البيوت، وإتلاف المواشي، بالإضافة إلى تدمير المدارس، بينما يعتمد المستوطنون على الهجمات الليلية ضد هذه التجمعات البدوية، بهدف بث الرعب ودفع السكان إلى الرحيل. ويشير حسن مليحات إلى أن هناك حوالي 167 تجمعاً بدوياً في الضفة الغربية، تتركز معظمها على امتداد المرتفعات الشرقية للضفة الغربية. 

ويبلغ عدد سكان هذه التجمعات ما يقارب 300 ألف نسمة، يعيشون تحت تهديد مستمر من المستوطنين الذين يستخدمون سياسات الحصار والاعتداءات الممنهجة ضدهم. وبحسب حسن مليحات، فإن هذه الاعتداءات ضد التجمعات البدوية تصاعدت منذ السابع من أكتوبر، إذ بلغ عدد الانتهاكات بحقها حوالي 3000 اعتداء، وهو ما يعكس حجم المخاطر التي تواجهها هذه التجمعات في ظل محاولات المستوطنين الاستيلاء على أراضيهم وطردهم منها لمصلحة التوسع الاستيطاني.

المساهمون