في منزل صغير ينخفض أكثر من متر عن مستوى الطريق في منطقة المتراس، إحدى أفقر مناطق مدينة الإسكندرية شمالي مصر، تجلس فاطمة الأربعينية، وهي أم لـ3 أطفال في مراحل تعليم مختلفة، فوق حافة نافذة منزلها، وتغرق في تفكير عميق بمصير أبنائها الذين تفصلهم ساعات عن بدء أول أيام الدراسة، بينما لا تستطيع شراء مستلزماتهم.
وبدأ العام الدراسي الجديد أمس السبت، ويستمر حتى 8 يونيو/ حزيران 2024 بإجمالي 35 أسبوعاً لكل مراحل التعليم في المدارس الرسمية والخاصة. وبحسب وزارة التربية والتعليم ينتظم نحو 25 مليون تلميذ وتلميذة في الدراسة، ويتوزعون على 60 ألف مدرسة.
ورغم مظاهر الفرح التي خيّمت على تلاميذ كثيرين بعودتهم إلى مقاعد الدراسة، وازدحام الأسواق الشعبية وتلك في المتاجر الكبرى بالمشترين في الأيام الأخيرة، تحوّلت العودة المدرسية إلى كابوس يؤرق حياة غالبية الأسر بسبب الارتفاعات غير المسبوقة في مستلزمات المدارس والاحتياجات اليومية لأبنائها خلال أيامهم الدراسية، والتي باتت تفوق قدراتها والمداخيل الشهرية لأفرادها.
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن مصر شهدت ارتفاعاً في معدلات التضخم خلال السنوات السابقة، والتي زاد حدتها خفض قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الرئيسية، وأيضاً ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 64.9 في المائة.
"حصار" الأسعار
ويدفع هذا الواقع بعض الأسر إلى استخدام "حيل" جديدة لتلبية احتياجات أبنائهم، وفي مقدمها إعادة استخدام اللوازم المدرسية الخاصة بالعام السابق، وبينها استعارة كتب أو شراء تلك المستعملة، واستخدام قطع من الزي المدرسي الخاص بالعام السابق، في حال لم تتغيّر مقاسات جسم التلميذ في شكل كبير.
تقول فاطمة لـ"العربي الجديد": "زوجي عامل مصعد في مستشفى خاص، وراتبه يكفي بالكاد لتلبية احتياجات الحياة الأساسية للأسرة. ومع بداية العام الدراسي تزداد الضغوط علينا لشراء اللوازم المدرسية لأبنائنا الثلاثة فنحاول الاقتراض يميناً ويساراً بلا جدوى".
تضيف: "تفقدنا مكتبات ومحلات لبيع الأدوات المدرسية، فوجدنا أننا محاصرون بارتفاع أسعار اللوازم، ومهما فعلنا لتوفير احتياجات تأمين عام دراسي مثالي لأبنائنا فلن نستطيع النجاح، فسعر الحقيبة المدرسية يناهز 1000 جنيه (32.3 دولاراً)، في حين تضاعفت أسعار الكراسات والأقلام والملابس مقارنة بالعام الماضي، وكذلك أسعار التقاليع الجديدة التي تطلبها المدرسة كل عام".
حدود للتلاميذ
من جهتهم، يتطلع التلاميذ بشغف وحماس إلى بدء العام الدراسي، لكن الضيق المالي الذي تعانيه عائلاتهم يزعج أحلامهم ويقلقها. وتقول سارة، الطالبة في الصف الثاني الإعدادي، لـ"العربي الجديد": "خياراتي محدودة بالنسبة إلى الزي المدرسي الجديد والأدوات الضرورية، ما يؤثر في ثقتي بنفسي أمام زملائي، ويدفعني إلى الغياب عن الصف في غالبية أيام الدراسة، ما يُضعف مستواي العلمي، وينعكس سلباً على علاماتي في الامتحان النهائي".
رواج التبادل
ويقول بلال الحمصاني، وهو بائع في محل أغذية وأب لطالبين في المرحلة الثانوية، لـ"العربي الجديد": "أضطر إلى ابتكار أفكار وحيل جديدة لتوفير التكاليف الكبيرة المطلوبة في بداية العام الدراسي. ورغم ضيق الحال، وعدم صمود راتبي أمام طلبات البيت الأساسية من مأكل ومشرب وسواها، لكنني لا أستسلم لليأس، وأبحث عن حلول إبداعية لتوفير اللوازم المدرسية لأبنائي".
يضيف: "تعاونت مع الجيران والأهل والأصدقاء لتبادل المستلزمات المدرسية المستعملة بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي بيننا، وعدم اللجوء إلى شراء الجديد، إذ أحضر كل منا ما لديه وحققنا فوائد كبيرة من خلال تبادل الملابس والحقائب والكتب المدرسية، ما سمح بتوفير مبالغ مالية طائلة".
أيضاً أنشأ أولياء طلاب في عدد كبير من المدارس الخاصة والحكومية مجموعات على منصات التواصل الاجتماعي لتبادل الزي المدرسي والكتب مجاناً أو بأسعار رمزية. ولاقت هذه المجموعات رواجاً كبيراً.
ويقول عادل جبر، وهو موظف، وولي أمر طالب في مدرسة خاصة تصل قيمة قسطها ومصاريفها السنوية إلى 35 ألف جنيه (1130 دولاراً) لـ"العربي الجديد": "أشارك في جمعيات، وأقترض مبالغ مالية من عملي والأهل والأصدقاء كي أستطيع تأمين مبلغ القسط المدرسي والمصاريف. وحالياً تضاعفت أسعار المستلزمات المدرسية والزي والكتب، ونشعر كأولياء أمور كأننا مطاردون في طريق طويل، ويجب أن نجري مسرعين بأقصى طاقتنا من دون أن نستريح ولو للحظات، أو حتى نبلل شفاهنا برشفات مياه، ونحن لا نجد في المعارض الحكومية السنوية أي تخفيضات حقيقية في أسعار الاحتياجات المدرسية لأبنائنا".
رفض "القديم"
أما سحر ياسين، وهي أم تلميذتين في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فلم تستطع الإفادة من مبادرات تبادل الزي والمستلزمات مع آخرين بسبب رفض ابنتها استخدام أشياء قديمة في المدرسة، فأرجأت الشراء ولجأت إلى متاجر رخيصة اعتادت أن تقدم عروضاً خاصة. وهي ستزور هذه المتاجر بعد انقضاء الأسبوع الأول من العام الدراسي لمحاولة شراء ما تحتاجه بأفضل الأسعار.
وتقول لـ"العربي الجديد": "أبذل جهوداً كبيرة لتوفير أكبر قدر ممكن من اللوازم المدرسية، لكن ذلك لا يكفي لتوفير احتياجات ابنتيّ. وفي مواجهة التحديات القاسية لا أملك حيلاً كثيرة، في حين أدرك جيداً أن تعليمهما هو المفتاح الوحيد لضمان مستقبلهما".
خبز ولوازم السندويشات
ومع ارتفاع أنواع الخبز غير المدعوم "الفينو" إلى جنيهين (6 سنتات) للرغيف الواحد، تكاد أن تصبح تكلفة تأمين وجبات فطور للأطفال في المدارس أمراً مستحيلاً لأسر عدة، لذا لجأ أولياء أمور إلى إعداد وجبات أبنائهم باستخدام الخبز البلدي المدعم الذي يباع بأسعار منخفضة تناسب الفئات الاجتماعية المحتاجة.
وتشير الأسعار الحالية في المخابز إلى أن متوسط تكلفة خبز "الفينو" زاد في شكل كبير العام الماضي، ما فاقم الأعباء المالية على الأسر.
وتعد السندويشات بالخبز المدعم بديلاً اقتصادياً ملائماً يتيح للأهل توفير المال، وضمان حصول أبنائهم على وجبات مغذية في المدرسة.
ومن أجل توفير باقي محتويات الوجبات، بحسب الإمكانات المادية المتاحة، خاصة في ما يخص الأجبان والبيض، وغيرها من لوازم السندويشات التي شهدت ارتفاعاً تجاوز الضعف خلال فترة وجيزة، يلجأ الأهالي إلى البحث في شكل متواصل عن عروض في محلات كبيرة عن أي توفير في الأسعار.
التجارة الإلكترونية... حلّ أرخص
وفي خضم ما يواجهه الأهالي من تحديات كبيرة في توفير المستلزمات المدرسية لأبنائهم بسبب ارتفاع الأسعار، برزت التجارة الإلكترونية كحلّ بديل أرخص نسبياً للأهالي بحثاً عن حسوم للحصول على أسعار أفضل للمستلزمات والزي المدرسي.
من جهتها، أطلقت الحكومة بالتعاون مع الغرف التجارية في المحافظات معارض "أهلا مدارس" لتوفير الأدوات المدرسية من إنتاج شركات كبيرة بأسعار مخفضة.
وقال محمد حسن، وكيل شعبة الأدوات المكتبية بغرفة القاهرة التجارية: "ارتفعت أسعار الأدوات المكتبية بين 25 و35 في المائة مقارنة بالعام الماضي، نتيجة زيادة سعر الدولار بمقدار الضعف، وليس ذلك بسبب جشع التجار الذين يقدمون فعلياً عروضاً وتخفيضات لمواجهة تراجع المبيعات".
وأشار إلى أن بعض المنتجات باتت تصنّع محلياً، منها الكراسات والكشكول والأقلام الجافة وأقلام الرصاص.
وتقول حنان يشار، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس النواب: "ارتفعت أسعار الزي والمستلزمات المدرسية في شكل كبير، ما يُضيف أعباءً كبيرة على كاهل الأسر التي تستعد كلها لشراء مستلزمات المدارس لأبنائها استعداداً للعام الدراسي الجديد في سبتمبر/ أيلول من كل عام، والذي يأتي هذه المرة في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة نتيجة الارتفاع الكبير الذي طاول أسعار كل السلع بسبب تداعيات الأزمة العالمية".
تضيف: "اللافت هذا العام أن ارتفاع الأسعار طاول المستلزمات المدرسية من كراريس وكشاكيل، وهي شهدت زيادة غير مسبوقة مقارنة بالأعوام السابقة، كما شهدت أسعار الكتب الخارجية زيادات كبيرة".