رغم أن عدد مباني المدارس قليل في العراق، يستعد نحو 12 مليون تلميذ للالتحاق بالعام الدراسي الجديد المقرر اليوم الأربعاء. وتشير إحصاءات الى أنّ البنية التحتية للعراق متهالكة في معظم مناطقه، وأنّ نصف عدد المدارس تضرّرت وتحتاج إلى إعادة تأهيل، بينما يطبق عدد منها نظام تعليم يتوزع على حصص عدة لمحاولة استيعاب أكبر عدد من التلاميذ.
وكان وزير التربية علي خلف الدليمي حدد عدد المباني المدرسية بـ 16.600، مشيراً إلى حاجة العراق إلى بين 8 و9 آلاف مبنى مدرسي للتخلص من الدوام المزدوج المطبق حالياً. ويخلق عدد المدارس القليل ضغوطاً كبيرة على الوقت المخصص لتعليم التلاميذ. وتفيد تقارير بأنّ نسبة 35 في المائة من المدارس لا تتضمن مباني خاصة بالمراحل الابتدائية، وأنّ 30 في المائة منها لا تحتوي على مبانٍ خاصة بالمراحل المتوسطة. كما تكشف أنّ أكثر من 4500 مبنى خاص بمدارس ابتدائية و1280 مبنى تابع لمدارس ثانوية تحتاج إلى إعادة تأهيل، في حين يعتبر أكثر من 1800 مبنى مدرسي غير ملائم لتقديم أي خدمات تعليم على الإطلاق.
كذلك، تعاني المناطق الريفية من نقص حاد في عدد المدارس والمدرسين، وتفتقد الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، فيما تضم بعضها 6 صفوف دراسية فقط.
شرح بدائي
تقول مُدرسة مادة اللغة الإنكليزية نبأ عباس (43 عاماً) لـ"العربي الجديد": "يعاني نظام التعليم في العراق من عدة مشاكل أبرزها قلة المباني المدرسية التي تشكل عقبة أمام فرص تعليم التلاميذ، وقدرة المدرسين على تقديم تعليم جيد بسبب وجود عدد كبير من الطلاب داخل الصف الواحد، وصولاً إلى أكثر من 40 طالباً في بعض المدارس. كذلك يؤثر تقسيم الحصص الدراسية إلى ثنائية وثلاثية سلباً على غالبية المواد الدراسية، خاصة العلمية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء".
تضيف: "تفتقر المباني المدرسية أيضاً إلى أجهزة تبريد ومستلزمات تعليمية ومختبرات تعتبر مهمة جداً لتحقيق أهداف نقل المعرفة بطريقة مثالية في مواد عدة، ما يساهم في تدني مستوى الطلاب. ولا تتوفر مثلاً صفوف خاصة لتعليم الكومبيوتر ومختبرات لتلقين مادتي علوم الأحياء والكيمياء، ما يجعلنا نعتمد فقط على الشرح الشفوي، أو نستخدم وسائل توضيح تعتبر بدائية ومتأخرة جداً عن باقي دول العالم او حتى دول الجوار".
زحمة عُطل
وبين المشاكل التي تعترض مسار التعليم في العراق، كثرة العطلة الرسمية وشبه الرسمية التي تنفذ بسبب أو من دونه احياناً، في وقت تحتم الأوضاع الأمنية والسياسية السيئة السائدة تطبيق خطط لإنهاء المواد الدراسية بسرعة من أجل تدارك مشاكل حصول أي أمر طارئ، ويمهد لجعل التعليم أكثر انصافاً للتلاميذ.
وتشرح والدة التلميذ مصعب لـ"العربي الجديد"، أنه "ما أن يبدأ الدوام المدرسي حتى تمنح العطل لأسباب مختلفة، خاصة بعدما أصبح ذلك من صلاحيات المحافظين، بحسب متطلبات الظروف الطارئة. ونحن كأولياء أمور نجد أن العطل التي تمنح بين حين وآخر تضرّ كثيراً بمواصلة التلاميذ التعليم، وقدرتهم على فهم المواد، وقد تزيد تكاسلهم وصولاً حتى إلى تهديد مواصلتهم الدراسة بسبب تكرار انقطاعهم عن الدوام".
أما والد التلميذة جنى علي فيخبر "العربي الجديد" أنه "بسبب العُطل وعدم انتظام الدوام اضطرت ابنتي، التلميذة في الصف السادس ابتدائي، إلى أخذ دروس خصوصية، ما يزيد مصاريفنا التي نضطر إلى توفيرها غالباً على حساب احتياجات منزلية قد نرجئ أو نلغي موضوع جلبها كي نستطيع توفير مبالغ الدروس الخصوصية. وأنا أعمل بأجر يومي، ولا أجد عملاً في أيام كثيرة، لذا أتمنى حصر العطل بتلك الرسمية فقط مثل عيدي الفطر والأضحى وغيرها".
يتابع: "نشكو أيضاً من عدم توزيع مستلزمات القرطاسية المدرسية أو تأخيرها، وهو ما حصل في السنوات الأخيرة في ظل عدم توزيع عدد كبير من الدفاتر والأقلام، وحصر الكميات أحياناً ما لا يكفي لتأمين احتياجات جميع المواد، ويجعل أولياء الأمور أمام مهمة توفير كل شيء لأبنائهم، ويزيد أعباء المصاريف المدرسية".
مناهج قديمة... وتسرّب
وباعتبار أن المناهج الدراسية تعتبر أداة رئيسة لتحقيق أهداف التعليم، ترى المعاونة في متوسطة الهمم للبنات، ناهدة الجبوري (55 عاماً)، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن مناهج التعليم في العراق لا تلبي متطلبات العصر الحالي، ولا التطور الحاصل في البلدان، وهي قديمة وتقليدية تجبر التلاميذ على حفظ حقائق وأرقام معينة لا تراع الفوارق الفردية. من هنا يجب تطوير المناهج الحالية التي باتت لا تلبي المعايير الحديثة للتعليم والبحث، وبالتالي لا تعزز اهتمام التلميذ بالعمل العملي، والبحث والمعرفة العلمية والنقاش والتحليل والتفكير، بل تركز على الحفظ والذاكرة والمواضيع النظرية فقط".
من جهته، يلفت مدرس مادة الرياضيات والحاسوب في ثانوية المتميزين للبنين محمد علي (32 عاماً)، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى مشكلة تسرّب الطلاب، ويقول: "كلما تقدمت المرحلة الدراسية تدنى عدد التلاميذ، لذا نجد أنه بين 20 و30 في المائة من التلاميذ الذين كانوا في المرحلة المتوسطة لم يواصلوا تعليمهم الثانوي، ولا يرغبون في إكماله لأن كثيرين منهم لا يجدون حوافز لمتابعة دراستهم، أو يعملون من أجل إعالة أسرهم، أو يعانون من ظروف النزوح وغيرها التي تدفعهم إلى ترك التعليم".
في السياق، يقول الطالب قحطان وليد (20 عاماً) لـ"العربي الجديد": "أخفقت خلال عامين متتاليين في عبور مرحلة السادس الثانوي، ما دفعني إلى ترك الدراسة والبحث عن عمل كي أعيل به نفسي وابدأ حياتي بدلاً من انتظار نجاح قد لا يأتي. وفي كل الأحوال، حتى إذا نجحت لا بدّ من البحث عن عمل لأنه لا تعيينات أو فرص عمل كافية في بلدنا، لذا اختصرت الطريق، ولم أكمل دراستي رغم أن الفرصة متاحة لإعادة الامتحانات أكثر من مرة".
تقييم للتصحيح
ومن وجهة نظر أصحاب الاختصاص دعت المشرفة التربوية سولاف محمود (58 عاماً)، في حديثها لـ"العربي الجديد"، وزارة التربية العراقية إلى الاهتمام بشكل أكبر بعملية التعليم، من خلال تخصيص ميزانية كافية للنهوض بالواقع التربوي، وإعادة مكانة التعليم في العراق، والتي أصبحت في وضع متأخر "إذ لا بدّ من بناء ما يحتاجه العراق من مدارس، وتوفير مؤسسات نوعية للتطوير المهني والمدارس المهنية وللمعلمين من المرحلة الابتدائية إلى المستويات العليا".
وأكدت "أهمية تقييم المناهج الدراسية وتصحيحها على أساس سنوي للوقوف على جوانب الخلل والاخفاق، والعمل لتعزيز الجوانب الجيدة. وهنا يمكن إجراء مسح واسع للحصول على آراء المعلمين وأولياء الأمور والمجتمع، في ما يتعلق بتوقعاتهم وملاحظاتهم. وفي ضوء ذلك، واستناداً إلى توصيات الخبراء التربويين، تجري إعادة تحديد أهداف المنهج وتحديثه بما يلبي احتياجات المجتمع، ويوفر فرص عمل للخريجين تنفع الدولة من دون أي تدخل او تمييز طائفي أو عرقي في المناهج. ولا بدّ أيضاً من احترام نظام الامتحانات الذي يجب أن يخلو من الوسائل غير العادلة والفساد والإكراميات، ومنع الغش بكل الوسائل المتاحة".
وشددت سولاف على ضرورة استعادة المعلمين هيبتهم والاحترام الذي يليق بمهماتهم وقدراتهم، وعدم قبول تعرضهم لأي اعتداء تحت تهديد فرض عقوبات صارمة على مرتكبه. وقد حصلت اعتداءات كثيرة على كوادر تعليمية في بعض المحافظات، في حين شرَّعت الدولة قانون حماية المعلمين الذي يضمن ويكفل حمايتهم من أي اعتداء.
وبحسب تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، خصّصت الميزانية الوطنية للعراق في السنوات القليلة الماضية أقل من نسبة 6 في المائة لقطاع التعليم، ما يضع البلاد في أسفل ترتيب دول الشرق الأوسط، علماً أن سنوات الصراع أضعفت قدرة الحكومة على تقديم خدمات تعليم جيدة للجميع، في حين عطّل العنف والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والنزوح الجماعي للأطفال والأسر تقديم الخدمات التعليمية.