يزداد عدد المدارس الأهلية في العراق التي ترهق تكاليفها الأهالي لكن كثيرين يعتبرونها ضرورية وسط تراجع مستوى التعليم في المدارس الحكومية التي تعاني من مشكلات كثيرة، منها نقص الكوادر التدريسية، والاضطرار إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية لاستكمال المناهج وتلقينها في شكل صحيح، وتهالك المنشآت، وأحياناً سوء معاملة الطلاب.
وتضطر الأسر منذ سنوات إلى اللجوء إلى المدارس الأهلية، ما يفسّر الانتشار الكثيف للإعلانات الخاصة بها في شوارع العاصمة بغداد والطرقات العامة وتقاطعات المرور، ما يظهر أن الخدمات التعليمية في هذه المدارس لم تعد تقتصر على الطبقة الغنية فقط، فهي تمثل حاجة ضرورية لكثيرين، ما يضطر أولياء الأمور إلى اقتطاع أموال من ميزانيات معيشتهم لإدخال أبنائهم إليها. أما المدارس الحكومية فلا توفر التعليم الجيد، رغم وفرة المدرسين والمعلمين، وتفتقر إلى بنى تحتية مناسبة.
تخبر ليندا حسن التي تعمل موظفة في بغداد "العربي الجديد" أنها اضطرت إلى تسجيل ابنتها في مدرسة خاصة، رغم أن حالتها المادية لا تسمح بتخصيص مصاريف إضافية للتعليم، وتقول: "المدرسة الأهلية توفر أماناً أكبر لابنتي، وتجلب فوائد أكبر، وأنا أريد ضمان مستقبل جيد لابنتي، وأن تحصل على درجات عالية ومعدلات مثالية تؤهلها لدخول كلية جيدة في المستقبل. وقد تعمدنا اختيار مدرسة أهلية، لأننا نعلم أن مستوى التعليم في المدارس الحكومية متدنٍ بسبب الاعتماد على كفاءات تعليمية ضعيفة".
ويتحدث أستاذ لمادة التاريخ في مدرسة "الحضارة" بحي فلسطين شرقي العاصمة بغداد لـ"العربي الجديد" عن أن "المدارس الأهلية تملك إجازات رسمية وموافقات أصولية من وزارة التربية، وتتعامل مع التلاميذ بطرق أكثر حداثة تنعكس إيجابياً على مسار العمل التعليمي والتربوي وآلية الامتحانات، رغم أن المناهج التي تُدرّس مماثلة لتلك في المدارس الحكومية. كما تعتبر المدارس الأهلية أكثر التزاماً بالنظافة والزي الموحد ووجبات الطعام خلال الاستراحات بين الحصص".
ويلفت إلى أن "المدارس الأهلية المسجلة قانونياً تطبق الشروط ذاتها للمدارس الحكومية في قبول التلاميذ، وتخضع لقوانين وضوابط العمل ذاتها أيضاً، وبينها على صعيد التعامل مع حالات الرسوب. وبالنسبة إلى رسومها فتختلف بين المدارس والمناطق والمحافظات، لكنها متقاربة إلى حد ما، وتبدأ بمليون ونصف المليون دينار سنوياً (ألف دولار)، وصولاً إلى ثلاثة ملايين دينار (ألفين ومائة دولار)".
المدارس الحكومية تتراجع
من جهتها، تؤكد أستاذة لمادة العلوم في مدرسة "الرياحين" الأهلية بحي الكرادة في بغداد لـ"العربي الجديد" أن "ما يميز المدارس الأهلية، هو جودة التعليم فيها الذي يوفره مدرسون بينهم أوائل على دفعات خريجي كليات التربية والتعليم العالي، ومتقاعدون يملكون خبرات كبيرة في التعامل مع مواد التدريس والطلاب".
تضيف: "ما يعيب المدارس الأهلية أن وسائل الراحة فيها قليلة ومحدودة لأن مبانيها صغيرة، وتتضمن منشآت كانت مهجورة وجرى ترميمها، لذا تخلو عادة من أماكن للعب الأطفال تتواجد في المدارس الحكومية".
في المقابل، ترى المعلمة في مدرسة "القحطانية" الحكومية بمدينة بابل، لينا حميد وشّاح، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "المدارس الأهلية واحدة من الأسباب التي أدت إلى تدمير التعليم وتراجع الاهتمام الحكومي بالمدارس الرسمية، باعتبار أن وزارة التربية باتت تهتم بإعطاء الإجازات للقائمين على المدارس الأهلية في شكلٍ غير مدروس على حساب المدارس الحكومية التي باتت في المرتبة الثانية، وهذا خطر على العملية التربوية قد تظهر نتائجه خلال السنوات العشر المقبلة".
تتابع: "معظم مباني المدارس الأهلية تتألف من خمس أو ست غرف، ولا تتضمن أحياناً غرفة خاصة بالمدير. وهي لا تمارس دورها التربوي بالكامل، بل يمكن اعتبارها أنها أماكن لإقامة دورات تربوية".
وتعتبر لينا أن "الانفتاح في التعليم والتربية أمر جيد، لكن لا يجب أن يحصل على حساب الرصانة العلمية والاهتمام بالمناهج التربوية. والمشكلة التي تواجه المدارس الأهلية، هي نسب النجاح العالية والمرتفعة في مراحل الصفوف غير المنتهية، لكن هناك نسب رسوب عالية في المراحل المنتهية (البكالوريا)، ما يشكل خللاً يكشف الأزمة التربوية والتعليمية التي تواجه المدارس الخاصة التي باتت توصف بعضها بأنها تجارية. أما السبب الأساس للجوء بعض الأهالي إليها فخشيتهم من بقاء أولادهم في مدارس حكومية تعاني من تراجع في بنيتها التحتية، كما لا بدّ من الاعتراف بأن بعض الأسر تلجأ إلى المدارس الأهلية باعتبار ذلك نوعاً من التطور الاجتماعي. وفي كل الأحوال تبقى المدرسة الرسمية في العراق هي الأم التي يجب أن تهتم وزارة التربية بها، وبتحجيم تنامي ظاهرة المدارس الخاصة".
تنافس مفيد
أما الناشط والمدرّس المتحدر من محافظة ذي قار، حسن الريحاني، فيقول لـ"العربي الجديد" إن "تجربة المدارس الأهلية نجحت في العراق، ويحصل تنافس مفيد ولافت بينها لتقديم خدمات التعليم، ما يمثل مؤشراً جيداً وإيجابياً للاهتمام بالتعليم الابتدائي والثانوي، وباب رزق لمتخرجين كثيرين من كليات التربية، وأولئك الذين يحملون شهادات دراسات عليا، رغم أن نسبة لا تقل عن 50 في المائة منها هي مشاريع تجارية تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق أرباح مالية". يتابع: "تطوير التعليم ينطلق من تعزيز قدرات المعلمين في المدارس الرسمية، ومن دون ذلك، تندرج كل المحاولات في إطار مبادرات الترقيع، ومنها المدارس الخاصة التي لن ينفع وجودها في السنوات المقبلة".
برلمانياً، يوضح النائب المستقل ياسر وتوت، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "المدارس الأهلية تشكل إضافة جيدة لعملية التعليم، شرط إبعاد السياسيين عنها، فبعض المعلومات تفيد بأن دكاكين سياسية اختارت أن تستثمر الأموال في المدارس الأهلية، وهذا أمر غير مقبول وغير قانوني يضر بعملية التعليم. ولا بدّ من تعزيز إخضاع هذه المدارس للإشراف التربوي والإداري من اللجان المختصة، وتقييم لوائح التعليمات والانضباط وتطبيقها".
ويذكر مسؤول في وزارة التربية رفض كشف اسمه لـ"العربي الجديد" أن "الوزارة منحت خلال السنوات العشر الماضية ألفي رخصة موافقة على الأقل لتأسيس مدارس أهلية في مختلف مدن العراق، والعدد يتزايد في ظل فرض شروط، منها تحديد سقف لعدد التلاميذ في مدرسة واحدة، ومواصفات المبنى المدرسي لاستقبالهم، ومعايير اختيار كوادر المعلمين والإداريين.
وحتى عام 2020 زادت المدارس الأهلية عن 3300 مدرسة في العراق، مع عدم إحصاء العدد في محافظات إقليم كردستان، علماً أن وزارة التخطيط أعلنت في فبراير/ شباط الماضي بناء أكثر من 1800 مدرسة في مختلف محافظات البلاد خلال العام الماضي، في خطوة تهدف إلى تخفيف أزمة قلة المباني المدرسية التي تعاني منها البلاد، وحلّ مشكلة تكدس الطلاب والدوام المزدوج الصباحي والمسائي. وأوضحت أن "المباني المنجزة شملت رياض أطفال ومدارس ابتدائية ومتوسطة وإعدادية، إضافة إلى قاعات تدريس وأجنحة إدارية".
ولفتت إلى أن المدارس المنجزة توزعت بين مختلف المحافظات، أكثرها في البصرة بواقع 444 مدرسة، ثم نينوى (346)، وبغداد (214) والأنبار (176) وبابل".
وأعلن وكيل وزارة التربية فلاح القيسي أن الوزارة تحتاج إلى 10 آلاف مدرسة لسد النقص، و"وهو ما يحتاج إلى 15 عاماً لإكماله". وحدد عدد المدارس الطينية في البلاد بنحو 200 غالبيتها في المنطقة الجنوبية، مشيراً إلى أن الدوام الثلاثي يكثر في القرى والأرياف.
ويؤكد المسؤول في وزارة التربية وجود مشاكل في المدارس الأهلية، بينها خلافات، ومبادرة بعضها إلى سحب الطلاب المتفوقين من المدارس الحكومية، من خلال توفير النقل والإعفاء من رسوم، في محاولة لنسب التفوق الدراسي إليها".
ويقر بأن حكومات سابقة ارتكبت أخطاء على صعيد عدم صرف ميزانيات مناسبة لوزارة التربية من أجل تحسين قدرتها على تأهيل المدارس ورفع مستوى التعليم، ما تسبب في هجرة طلاب منها".