مدارس الأردن... الأوضاع المادية تتحكّم في خيارات العائلات

12 اغسطس 2023
لا يجد خبراء فرقاً شاسعاً بين المدارس الحكومية والخاصة (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

استعداداً لبدء العام الدراسي الجديد في الأردن في 20 أغسطس/ آب الجاري، يحار الأهالي في اختيار المدارس المناسبة لأطفالهم بين القطاعين العام والخاص. والاختيار محكوم بقدراتهم الاقتصادية، إذ إن كثيراً من الأهالي يفضلون الحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة التي تعتمد المنهاج الأميركي أو البريطاني، وأساليب التعليم الحديثة والمتطورة، كي يتمكنوا من التحدث بالإنكليزية بطلاقة مستقبلاً، عدا عن توفرها على صالات وملاعب وساحات ومواصلات. 
إلا أن الظروف المالية الصعبة لأولياء الأمور قد تمنعهم من التفكير في المدارس الخاصة، فارتفاع تكاليف الدراسة فيها، بالتزامن مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون، قد تكون عاملاً حاسماً. 
تقول رشا بدر، وهي أم لأربعة أبناء، لـ "العربي الجديد"، إن تسجيل أبنائها في مدرسة خاصة هدفه رفع مستوى تحصيلهم العلمي، مشيرة إلى أن غالبية المدارس الحكومية تعاني بشكل عام من الاكتظاظ، إلا أن بيئة المدارس الخاصة أكثر راحة للطلاب لناحية المرافق، بالإضافة إلى أساليب التعليم، وخبرات المعلمات والمعلمين. وتوضح أن وضع العائلة المادي جيد، كما أنها تعتبر أن تعليم الأبناء في مدارس خاصة ذات مستوى عال هو استثمار للمستقبل، مشيرة إلى أن الحياة تتغير، والمستقبل يحتاج طلاباً متعلمين، ويملكون الكثير من المهارات. وتوضح أن هذا الخيار لا يرتبط بأسباب اجتماعية أو طبقية، بل تعليمية بحتة، لافتة إلى أن المدارس الخاصة أكثر متابعة للطلاب، وهناك مساحة أوسع للنشاطات اللامنهجية. 
أما عبير العبادي، وهي أم لخمسة تلاميذ، فتقول لـ "العربي الجديد" إن غالبية المدارس الخاصة توفر أجواء وبيئة دراسية أفضل من تلك الحكومية، كما أن أعداد الطلاب أقل في الفصول، إلا أن هذا لا يلغي أن المدارس الحكومية جيدة. وترى أن الإضافات التي تقدمها المدارس الخاصة لا تبرر الكلفة المرتفعة. 
وتقول إن المدارس الخاصة محصورة بطبقة الأغنياء، ولا يستطيع غالبية الموظفين تعليم أبنائهم فيها. وتضيف أن كلفة تسجيل الطالب في مدرسة خاصة لا تقل عن ألفي دينار (حوالي 2800 دولار سنوياً)، وهذا يعني أن من لديه خمسة أبناء في سن الدراسة يحتاج إلى ما لا يقل عن 10 آلاف دينار (14 ألف دولار) سنوياً، ولا يستطيع أي شخص يعتمد على راتبه توفير هذا المبلغ لأبنائه، وخصوصاً في ظل الاحتياجات الأخرى، وارتفاع تكاليف المعيشة.
وتضيف أنها تلحق أبناءها بالمدارس الحكومية، وتحاول متابعتهم بشكل حثيث لضمان تحصيل دراسي جيد، معتبرة أن التعليم في الأردن أصبح ذا تصنيف طبقي، والمدارس الخاصة أكثر قدرة على تخريج طلاب قادرين على المنافسة على الوظائف مستقبلاً، وخصوصاً مع تغير سياسات التوظيف في الأردن، والمستقبل المجهول في ظل ارتفاع نسب البطالة. 

بدوره، يوضح هيثم محمد، وهو أب لثلاثة طلاب، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنه اتفق وزوجته على تعليم أبنائهما في المدارس الخاصة، إذ إن التعليم هو سلاحهم للمستقبل، ولو على حساب رفاهية الأسرة. تضيف أنه في بعض الأحيان، تتراكم عليه أقساط المدارس، أو يضطر إلى استدانة بعض المبالغ لإكمال الرسوم، لكن هذه الأموال توضع في المكان المناسب.
مع ذلك، يرى أن المدارس الحكومية تقدم تعليماً مقبولاً، لكن البيئة في المدارس الخاصة أفضل لشخصية الطالب، لافتاً إلى أن الاهتمام بالطالب في المدارس الخاصة أكبر، أما في المدارس الحكومية فغالباً ما يستفيد الطلاب الذين يبذلون جهداً مضاعفاً، كما أن أعداد الطلاب الكبيرة في الصفوف، ونظام الفترتين الصباحي والمسائي يؤثران في البيئة التعليمية. ويشير إلى أن المدارس الخاصة تركز أكثر على بناء الشخصية، وتعزيز المهارات، فيما لا تزال المدارس الحكومية تعتمد أسلوب التلقين. ويؤكد أن خيارهما لا يتعلق بأسباب اجتماعية أو طبقية، كونه وزوجته موظفين أولاً وأخيراً وينتميان إلى الطبقة متوسطة الدخل. 

بعض المدارس الخاصة تركز على بناء شخصية الطفل على عكس تلك الحكومية (Getty)
بعض المدارس الخاصة تركز على بناء شخصية الطفل على عكس تلك الحكومية (Getty)

من جهتها، تقول أستاذة علم النفس التربوي، خولة القدومي، إن التوجه لتسجيل الأبناء في المدارس الخاصة يمكن ربطه بسببين: الأول تعليمي، والثاني اجتماعي، لافتة إلى أن الأوضاع المادية بالنسبة للكثير من الأشخاص لا تسمح لهم بإلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة، إلا أنهم يستدينون المال على حساب احتياجات مهمة، لتسجيل أبنائهم في مدارس خاصة. وتضيف لـ "العربي الجديد": "لا يقطف الجميع دائماً ثمار تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، إذ لا يختلف التحصيل الدراسي لبعض التلاميذ بين الحكومي والخاص، الأمر الذي يكبّد الأهل تكاليف إضافية من دون نتاج علمي حقيقي، وعلى حساب أمور واحتياجات مهمة في حياتهم". 
وتتابع: "في بعض المدارس الخاصة، التعليم مختلف عن المدارس الحكومية، ويكون لديها اهتمام أكبر بالتعليم وشخصية الطفل، وهذا هو التوجه السليم. فالاهتمام بالتعليم التفاعلي هو التوجه الصحيح بدلاً من التلقين"، لافتة إلى أن التعليم الحكومي في الأردن يعتمد كثيراً على التلقين. وترى أن الأصل والمحور الأساسي يعتمد على الطالب نفسه. فالراغب بالتعليم يستفيد أكثر سواء بالمدارس الحكومية أو الخاصة، وهنا يأتي دور الأهل الذين يجب عليهم إعطاء الدافع للطفل.

بلغت موازنة التعليم في الأردن للعام الحالي 1.9 مليار دولار (Getty)
بلغت موازنة التعليم في الأردن للعام الحالي 1.9 مليار دولار (Getty)

وتلفت إلى اختلاف النظرة إلى التعليم: سابقاً، كان الكثير من الطلاب أكثر اجتهاداً لتحقيق نقلة نوعية في حياتهم. لكن حالياً، هذا الأمر لم يعد كما في السابق. وأصبح الطلاب، وحتى بعد تخرجهم، أكثر اعتماداً على أهلهم.
وتشير إلى تحوّلٍ في المجتمع خلال العقود الأخيرة، ليصبح التعليم جزءاً من المباهاة، فالدراسة في بعض المدارس أصبحت وسيلة للتميّز الطبقي، وتقترب رسوم المدارس الخاصة السنوية من 15 ألف دينار (أكثر من 20 ألف دولار)، وهي أكثر من رسوم أربع سنوات جامعية. وتوضح أنه لدى بعض الطبقات الاجتماعية عزوف عن تسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية، مبينة أنه لا يمكن تصنيف المدارس انطلاقاً من كونها حكومية أو خاصة، إذ إن هناك مدارس حكومية جيدة ومدارس خاصة جيدة، ومدارس حكومية ضعيفة ومدارس خاصة ضعيفة، فالتعليم لا يعتمد على اسم المدرسة بل على الطالب ومدى جديته. 

طلاب وشباب
التحديثات الحية

والأهم من ذلك، التركيز على شخصية الطالب، وخصوصاً في ظل التطور التكنولوجي، وقد أصبح يمكن للطالب الحصول على المعلومة عبر الإنترنت خلال ثوان. بالتالي، يجب ألا تكتفي المدرسة بإعطاء المعلومة، بل معرفة كيفية إيصالها.  
وتقول إنه في بعض الدول الأوروبية المتقدمة ما من تمييز وطبقية في التعليم، وكل المدارس تقدم التعليم ذاته لجميع الطلاب، وإذا أردنا مواكبة النمو والتنمية، يجب أن يكون التعليم عادلاً بين ابن المدينة والقرية والبادية، بالإضافة إلى البيئة التعليمية والجو التعليمي ومستوى المعلمين، حتى تكون الامتحانات الموحدة عادلة. وتنصح الأهل بعدم الاستمرار في تدريس أبنائهم في أي مدرسة خاصة، في حال شعروا بأنهم لا يتطورون، مضيفة أن من لديه 5 أبناء مع هذه الرسوم المرتفعة لا يمكنه تعليمهم في القطاع الخاص.

المساهمون