حُرم المدرسون في مدينة الأتارب بالريف الغربي لمحافظة حلب، شمال غربي سورية، مدة عامين من الرواتب والتمويل، لكنهم واصلوا عملهم بدافع الضمير والحرص على استمرار العملية التعليمية. تلك العملية التي باتت تشتكي من موت سريري مؤخراً بسبب أوضاع المدرسين الصعبة والواقع المعيشي وظروف الحياة التي يمرّون بها.
المخاوف من تبعات توقف العملية التعليمية تزداد، وهذا دفع المدرسين في مدينة الأتارب للاحتجاج، وذلك للتأكيد على أهمية دعم العملية التعليمية وصب اهتمام أكبر نحوها.
وصدر عن ثماني مدارس ثانوية في مجمع الأتارب، الخميس الماضي، بيان أعلن فيه المدرسون عن إضراب جماعي، وجاء فيه "لقد تحمّلنا أعباء ومسؤوليات التعليم مدة سنتين من دون أجر أو راتب، وهذا كان بدافع من ضمائرنا وحرصاً منا على عدم تدمير هذا الجيل، كنا في مدارسنا مع طلابنا رغم جراحنا ومأساتنا في مجتمعنا، الذي أصبح يزدري العلم ويمس كرامته باعتباره الحلقة الأضعف في المجتمع، كنا في كل يوم نحمل دماءنا على أرواحنا وعلى أكتافنا عندما نذهب إلى مدارسنا مع طلابنا تحت قصف الطيران، الذي يستهدف المدارس بالدرجة الأولى للإبقاء على جيلنا في مستنقع الجهل والظلام".
وأضاف البيان "تقاسمنا مع أبنائنا الطلاب كل أنواع المعاناة، من برد وعدم توفر مستلزمات ووسائل التعليم والنقص في كل شيء، تتعدد مآسينا بين مجتمع لا يأبه بالمعلمين وصنف آخر يسعى لإذلالهم وآخر لا يقدر عملهم، ورغم كل ذلك تابعنا عملنا وقمنا بتأدية رسالتنا مدة عامين متتاليين بلا رواتب".
وأوضح المعلمون، في بيانهم، أنّ "الأمر لم يعد يطاق بالنسبة لهم، فالمعلم لا يجد ثمن رغيف الخبز ليطعم أولاده، ولا يجد ما يعينه على تدفئة أسرته".
وأكد الأستاذ هلال مطر، ممثل المدارس التي أعلنت الإضراب، لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، أنّ الغاية من الإضراب "إيصال صوت المعلمين إلى المنظمات القادرة على الدعم وبيان مأساة المعلم الذي يعمل منذ سنتين من دون راتب، ولم يعد يقوى على تأمين الخبز لأولاده"، موضحاً أنّ "الإضراب ليس محدداً بوقت، وسيفكّ الإضراب عند الاستجابة لأبسط المطالب وهو الراتب، حيث قطع تمويل المدرسين منذ سنتين، وكان التعليم مدعوماً من قبل منظمة (كومينكس)".
وأضاف مطر "الجدير بالذكر أنه حتى المدارس المدعومة برواتب، وهي مدارس الحلقة الأولى، فإنّ راتب المعلم فيها متواضع جداً، ولا يساوي نصف راتب مستخدم في أي منظمة"، مؤكداً أنّ الحل "هو تأمين مصادر للدعم لاستمرار العملية التعليمية وإيجاد حل جذري و الدعم براتب دائم".
وفي تفاصيل إضافية حول الإضراب، قال عضو المركز الإعلامي في مدينة الأتارب قاسم رمّاح لـ"العربي الجديد": "بدأ المعلمون بتاريخ 1/2/2021 بوقفات احتجاجية للمطالبة براتب شهري لهم وبدعم مدارس الحلقة الثانية، التي تشمل طلاب الصف السابع إلى البكالوريا. معلمو الحلقة الثانية منذ عامين إلى الآن لم يتقاضوا راتباً شهرياً، فهم بهذه المدة يعملون بشكل تطوعي ولا يتركون المدارس والطلاب بدون تعليم، بل واظبوا على المجيء إلى المدارس ومتابعة التعليم".
وتابع رماح: "ثلاثة أيام مضت والمعلمون يقومون بوقفات احتجاجية، لكن لم يكن هناك أي رد من الجهات المعنية، وقرر المعلمون بعد التشاور وعدة جلسات الإعلان عن إضراب عام مفتوح للمدارس غير المدعومة، وحضر وجهاء ومعلمون من ثماني مدارس من عدة قرى تابعة لمدينة الأتارب غرب حلب، والمدارس هي: "ثانوية بنين الأتارب، ثانوية بنين الأبزمو، ثانوية بنين السحارة، ثانوية بنات السحارة، ثانوية بنين كفرنوران، ثانوية بنات كفرنوران، ثانوية بنات الجينة، الكادر التدريسي في ثانوية بنين أبين"، والإضراب مفتوح لحين تحقيق مطالب المعلمين براتب دائم يحفظ لهم كرامتهم ويعينهم على متابعة الرسالة التعليمية على حد وصفهم. اليوم بتاريخ 6/1/2021، خمس مدارس تعلن الانضمام للإضراب، عدد المعلمين غير المدعومين 600 معلم وعدد المدارس حوالي 25 مدرسة غير مدعومة نهائياً".
ووفقاً لإحصائيات صادرة عن فريق "منسقو الاستجابة" المختص بالتوثيق في مناطق شمال غرب سورية، استهدفت قوات نظام الأسد وروسيا 88 منشأة تعليمية ما بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 ومارس/ آذار 2020، ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، فإنّ "نظام التعليم في سورية يعاني من إرهاق، ونقص في التمويل، وهو مجزّأ، وغير قادر على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال، وفي الداخل السوري هناك 2.4 مليون طفل خارج المدراس، 40% منهم فتيات".
ووفق تقرير المنظمة الصادر في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، فإنّ الأمم المتحدة قادرة على تأكيد ما يقرب من 700 هجوم على منشآت التعليم والموظفين في سورية منذ بدء التحقق من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال.
وفي العام الماضي، تم تأكيد 52 هجوماً، وأكدت المنظمة أنها تواصل مع شركائها دعم التعليم في سورية، لكن الأموال المخصّصة لهذا الشأن آخذة في النفاد، مشيرة إلى أنّ قطاع التعليم يعاني من نقص في التمويل منذ العام الماضي، حيث وصل إلى المنظمة ثلث المخصّصات فقط لتلبية متطلبات العملية التعليمية في سورية.
وشددت المنظمة على أنّ "التمويل المستدام وطويل الأجل للتعليم يساعد على سدّ الفجوة وإدماج الأطفال في التعليم، وتزويدهم بالمهارات التي يحتاجونها لإعادة بناء بلدهم عندما يعود السلام إلى سورية".