استمع إلى الملخص
- جهود الدولة والمنظمات الإنسانية: أظهرت الدولة تقصيرًا في تلبية احتياجات النازحين، لكن "اللجنة الوطنية لإدارة ومواجهة الأزمات والكوارث" زارت مراكز الإيواء لتأمين الحاجات الأساسية بالتعاون مع المنظمات الإنسانية.
- قصص ومعاناة النازحين: تتنوع قصص النازحين بين الحاجة إلى الأدوية الضرورية والمستلزمات الأساسية، مع دور كبير للمبادرات الفردية والتكافل الاجتماعي في تلبية بعض الاحتياجات.
تغص المدارس المخصّصة لإيواء آلاف النازحين من الجنوب اللبناني، والبقاع خصوصاً، بقصص تروي حجم البؤس وقهر النزوح، كما تختلط فيها مشاعر الغضب بالحزن، وتتداخل الدموع مع لائحة طويلة من الحاجات الأساسية التي لا يتوفر منها سوى النزر اليسير، من مساعدات غذائية وطبية، إلى الفرش والأغطية، ومستلزمات النظافة الشخصية.
آلاف الأطفال الذين كانوا ينتظرون بدء العام الدراسي في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وجدوا أنفسهم في باحات مدارس لا يعرفونها، بعد أن تركوا منازلهم وألعابهم وأصدقاءهم وكل تفاصيل حياتهم في الجنوب، ويحتاج هؤلاء قبل الكبار إلى الدعم النفسي، في حين ينذر قرب حلول الشتاء بحاجات إضافية، مثل الملابس ووسائل التدفئة.
وفي حين يظهر الغضب إزاء تقصير مؤسسات الدولة واضحاً على وجوه النازحين، وفي كلماتهم، طاف عدد من مسؤولي "اللجنة الوطنية لإدارة ومواجهة الأزمات والكوارث"، بعد ظهر الثلاثاء، على عدة مراكز لإيواء النازحين لمتابعة الأوضاع وحصر الاحتياجات. وأعلن منسق اللجنة، وزير البيئة، ناصر ياسين، تفعيل غرفة العمليات الوطنية في رئاسة مجلس الوزراء، وغرف العمليات المناطقية التي يرأسها المحافظون واتحادات البلديات، مع تفعيل الهيئة العليا للإغاثة التي تقوم بإيصال المساعدات من مستودعاتها، وتأمين الحاجات الأساسية للنازحين، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية.
وقال ياسين: "وصل عدد النازحين من الجنوب والبقاع إلى نحو 27 ألفاً (لاحقاً أعلن عن ارتفاع العدد إلى 40 ألفاً)، وفتحنا نحو 252 مدرسة حكومية مراكز إيواء، وجرى تفعيل توزيع المساعدات الأساسية التي تشمل وجبات غذائية لأكثر من 20 ألف شخص، وحصص نظافة شخصية".
منذ بداية الاشتباكات، اختبرت اللبنانية فاطمة رمال النزوح عدة مرات ضمن بلدات الجنوب، وبين الجنوب والعاصمة، وقد نزحت مؤخراً من بلدة كفرصير إلى مدرسة "العاملية" في بيروت، برفقة زوجها وطفلها البالغ عمره أربع سنوات.
تقول لـ"العربي الجديد": "يعاني زوجي من مشاكل في السمع، وكان ابني يخضع لعلاج تأخر النطق، كما أنه لا يزال بحاجة للحفاضات، ويحبّ العزلة، وكان يصاب بنوبة بكاء وصراخ عند سماع أصوات القصف. نزحنا سريعاً، ونسينا الأدوية في المنزل. أتحسر على مبلغ بسيط تركته أيضاً، إذ أعجز اليوم عن شراء أي شيء، خصوصاً أن زوجي عاطل منذ 12 شهراً، بسبب وضعه الصحي، ونحتاج بشكل عاجل إلى مياه الشرب والوجبات واحتياجات النظافة الشخصية والحفاضات".
من مدرسة "العاملية" أيضاً، تسرد مديرتها السابقة، رولا وهبة، قصة نازح كان يطلب تأمين حقنة خاصة بمرض السرطان لزوجته، وتقول لـ"العربي الجديد": "كان مقرراً أن تأخذ زوجته الحقنة قبل ثلاثة أيام، لكنهم كانوا تحت القصف، وقد أصيب في كتفه، ووصلا بصعوبة إلى بيروت. تمكّنا عبر التبرعات من تأمين ثمن الحقنة، لكن الصيدلي رفض إعطاءها كونها تتطلب تقريراً طبيّاً، وقد ترك النازح كل التقارير الطبية بمنزله في الجنوب، وقد بادرت إحدى الجمعيات بإرسال طبيب متطوع من أجل كتابة التقرير لهذه السيدة، وغيرها من المرضى".
وتكشف وهبة أن "هناك حاجة ماسة لأصناف من الأدوية الخاصة بأمراض السكري والكلى وارتفاع الكوليسترول، وأدوية الأطفال حديثي الولادة. أين الدولة من الدعم والمساعدات؟ نأسف لما تشهده مراكز الإيواء من استعراضات إعلامية لبعض الفعاليات والناشطين الذين يزورونها لالتقاط الصور مع النازحين، في حين أن الأهالي يسارعون لدعمهم بما تيسّر من مواد غذائية كالأرز والسكر والحليب".
نزحت فاطمة شقير من الضاحية الجنوبية إلى منطقة الحمراء، وتقول لـ"العربي الجديد": "أعرف أوجاع الحرب والنزوح، لذا قررت المبادرة بالتطوع ضمن استقبال النازحين وتوزيعهم على الغرف في مدرسة العاملية، لكن الحاجات كثيرة، فالنازحون تركوا خلفهم كل شيء تقريباً، ويحتاجون كل أساسيات الحياة من أغذية وأدوية وحفاضات وفوط صحية ومستلزمات نظافة شخصية. لا يوجد حالياً سوى القليل، وتضمّ المدرسة نحو 600 نازح، وهناك كمية محدودة من المازوت لمولدات الكهرباء، ونسعى أن تكفي لمدة عشرة أيام".
تضيف شقير: "وجبات الطعام يجري تأمينها بالمجهود الشخصي، وكل يوم بيومه، ولم نلمس أي خطة وطنية بشأن المساعدات الغذائية. سنباشر قريباً بتشغيل مطبخ الكشافة لإعداد وجبات للنازحين، كما نحاول جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. بعض النازحين بحاجة إلى أدوية لا تُباع من دون وصفة طبية، ولدينا مسنّ لم يأخذ أدوية السكري وضغط الدم منذ ثلاثة أيام، ولا يعرف حتى أسماء أدويته".
وتساءل: "هل كان توزيع المياه على العالقين في زحمة السير يوم النزوح الكبير يحتاج إلى قرار وزاري؟ وأين هي خطة الطوارئ الوطنية؟ لقد تُرك النازحون بمفردهم في الشوارع والحدائق العامة، حتى إن شركات الاتصالات لم توفر خدمات تسهيلية لتواصل النازحين، وكأنها غير معنية بالأزمة، ولولا التكافل الاجتماعي لكانت الكارثة أكبر".
في البداية، نزح الستيني أبو علي شحيمي من بلدة مركبا الحدودية إلى مدينة النبطية، ثم نزح إلى منزل ابنته في منطقة برج البراجنة (بيروت). ويقول لـ"العربي الجديد": "مع تصاعد الأحداث، نزحت ابنتي إلى بلدة كيفون (جبل لبنان)، فنزحتُ برفقة زوجتي وابني وابنتي الثانية إلى مدرسة العاملية، ومن حظي أنني لم أنسَ أدوية القلب. إسرائيل جرثومة منذ احتلالها فلسطين، وها هي اليوم تُهجّرنا من قرى وُلدنا ونشأنا فيها. آمل أن تهدأ الأحوال وأن نعود لديارنا، فأنا أتوق للعودة إلى حياة الضيعة، وإلى بيتي وأرضي ودكاني الصغير".
زار اختصاصي الجراحة العامة وجراحة المنظار، ماهر أبو زيد، ثلاث مدارس في بيروت، الثلاثاء، بناء على طلب من إحدى الجمعيات الخيرية. ويقول لـ"العربي الجديد": "هناك نازحون يعانون من أمراض مزمنة، ويحتاجون إلى أطباء من مختلف التخصصات، وهناك من يعاني من مضاعفات جلطات دموية، وكبار سن ليس معهم أحد من عائلاتهم، وكل هؤلاء يحتاجون إلى رعاية خاصة. كثيرون نزحوا من دون أدويتهم، واكتفيتُ في جولتي بتدقيق الوصفات الطبية، وتجديد الأدوية للمرضى، وكذلك كتابة وصفات لمرضى للحصول على أدويتهم. حالياً، ينبغي الإسراع بتأمين مستلزمات النظافة الشخصية حتى لا تنتشر الأمراض الجلدية المعدية بين النازحين".
في مجمع مدارس البسطة في بيروت، يستشيط أحد النازحين غضباً، ويردّد: "ارحمونا، حالتي لا تسمح بالوقوف بسبب الأطراف الاصطناعية، وأنتظر منذ الصباح للحصول على كرسي متحرك، وقد حلّ المساء من دون أن يحرك أحد ساكناً. لا أستطيع الجلوس على كرسي بلاستيك أو حتى على الفراش".
يغصّ المجمع بالنازحين وسط انقطاع التيار الكهربائي لساعات، ويقول ممثل لإحدى الجهات الحزبية لـ"العربي الجديد": "يضم المجمع ثلاثة من مرضى السرطان، وهم بحاجة للأدوية، ومريضة بحاجة إلى غسيل الكلى، بينما الدولة غائبة كليّاً. شاهدنا مساعدات وتدخلات طبية من جهات إسعافية تابعة للأحزاب، عاينت الجرحى والمرضى، وسلمتنا التقارير الطبية لشراء أدويتهم".
ويخبر العسكري المتقاعد، محمد فارس، "العربي الجديد"، بأنه لا يملك المال، وأنه تركه في المنزل من جراء القصف الشديد والنزوح المفاجئ. مضيفاً: "نزحت مع زوجتي المريضة وأولادي الثلاثة من مدينة النبطية بما علينا من ثياب. زوجتي بحاجة إلى أدوية ضرورية كونها تعاني من مشاكل في الدم، وأنا أيضاً مريض، ولم يبقَ معي سوى عشر حبات من الدواء. وجدنا مأوى يحمينا من القصف، لكننا نتمنى العودة قريباً إلى بيوتنا".