تضرب موجة حرّ جديدة المغرب في عدد من أقاليمه، وسط مخاوف من اندلاع حرائق غابات شبيهة بتلك التي اجتاحت خمسة أقاليم شمالي البلاد في العام الماضي، وأتت على آلاف الهكتارات، وأدّت كذلك إلى خسائر في الأرواح.
ومن المتوقّع أن تتراوح درجات الحرارة في المغرب ما بين 42 و46 درجة، ما بين اليوم الاثنين ويوم الخميس المقبل، بحسب نشرة تحذيرية بالمستوى البرتقالي أصدرتها المديرية العامة للأرصاد الجوية المغربية مساء أمس الأحد. وأوضحت المديرية أنّ الحرارة المتوقعة هي في أقاليم طاطا وزاكورة والرشيدية (وسط شرق) وأسا الزاك وشرق إقليمَي السمارة وأوسرد (جنوب).
وتعرّض المغرب في العام الماضي لموجة حرّ شديدة، سُجّلت في خلالها درجات حرارة قياسية هي الأعلى منذ عام 1925، فتراوحت ما بين 46 و49.3 درجة مئوية في المحافظات الوسطى والجنوبية، الأمر الذي أدّى إلى نشوب حرائق غير مسبوقة اجتاحت خمسة أقاليم في شمال البلاد.
وتأتي موجة الحرّ الجديدة في ظلّ توقعات رسمية بتزايد خطر نشوب الحرائق في العام الجاري، من جرّاء الجفاف وموجات الحرارة الممتدة. ويشهد المغرب سنوياً حرائق في غاباته التي تغطّي نحو 12 في المائة من مساحته الإجمالية، وكذلك في واحات النخيل بجنوبه الشرقي.
يشرح رئيس جمعية "مغرب أصدقاء البيئة" محمد بنعبو، لـ"العربي الجديد"، أنّ موجة الحرّ التي تُسجَّل في البلاد ابتداءً من اليوم هي ثالث موجة متتالية لهذا العام. ويضيف أنّ "تسجيل أرقام قياسية في درجة الحرارة، في شهر يونيو/ حزيران الماضي، في مدن ساحلية مثل الرباط والقنيطرة ومحطة النواصر (القريبة من الدار البيضاء)، يؤكد بالملموس أنّ المغرب يتعرّض لتأثير مناخي عنيف سوف يكون له وقع على المنظومات البيئية عموماً، في مقدّمتها منظومة الغابات التي تبقى من بين المنظومات الهشّة في مواجهة تأثيرات تغيّر المناخ".
ويلفت بنعبو إلى أنّ المغرب كان قد اتّخذ إجراءات استباقية، فخُصّص مبلغ مالي كبير وصل إلى 200 مليون درهم مغربي (20 مليون دولار أميركي) من أجل معالجة حرائق الغابات، في حين عملت الوكالة الوطنية للمياه والغابات ومحاربة التصحّر (حكومية) على توفير نشرات إنذار وخرائط لليقظة توضح درجات الخطورة ومناطق الخطر. وبالإضافة إلى ذلك، رُفع عدد أسطول طائرات "كاندير" الخاصة بإخماد الحرائق إلى ست، وقد بيّنت هذه الطائرات بالملموس أنّها قادرة على تحقيق نتائج مهمّة في السياق.
ويتابع بنعبو أنّ "المغرب يراهن كذلك على الذكاء الاصطناعي من أجل استباق معالجة الظواهر المناخية العنيفة، وعلى المكوّنات الرقمية من قبيل الأقمار الاصطناعية، إذ تتوفّر اليوم خرائط تحدّد أماكن درجة الخطورة في البلاد، إلى جانب تخصيص مبلغ كبير هذا العام لمكافحة الحرائق".
وكانت الوكالة الوطنية للمياه والغابات قد كشفت، في مايو/ أيار الماضي، أنّ نحو 500 حريق سُجّلت في غابات المغرب في عام 2022، وقد أتت على 22.762 هكتاراً من مساحة الغابات. وحلّت جهة طنجة - تطوان - الحسيمة في مقدّمة المناطق المتضرّرة من الحرائق مع 188 حريقاً، إذ أتت النيران على 18.704 هكتارات، تلتها جهة فاس - مكناس مع 99 حريقاً اجتاحت 1775 هكتاراً من مساحة الغابات.
ويُفسَّر هذا التوزيع بالكثافة العالية للغطاء الغابوي في المناطق المشار إليها، والظروف المناخية الجافة في موسم الصيف، وكذلك ارتفاع الضغط البشري على موارد الغابات.
في المقابل، أشارت الوكالة نفسها إلى أنّه على الرغم من النتائج الاستثنائية المسجّلة في العام الماضي، مقارنة بالأعوام السابقة، فإنّ سياسة الوقاية من الحرائق ومكافحتها المعتمدة من قبل الشركاء المعنيين جميعاً، خصوصاً وزارة الداخلية والوكالة والسلطات المحلية والوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات الملكية الجوية والقوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة، ساهمت بصورة كبيرة في التقليل والحدّ من الأضرار والخسائر الاجتماعية والبيئية المحتملة.
كذلك في خطوة استباقية لمواجهة الحرائق هذا العام وتفادي خسائر الأعوام الأخيرة، أعلنت السلطات المغربية، في مايو/ أيار الماضي، عن اعتماد الذكاء الاصطناعي لمواجهة حرائق الغابات، من خلال تطوير نظام معلوماتي جديد يعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لإنجاز خريطة لمخاطر حرائق الغابات وإطلاق تنبيهات التدخّلات المناسبة وفقاً لذلك.
ويوفّر هذا النظام، الذي يُعَدّ الأوّل من نوعه في حوض البحر الأبيض المتوسط، منصّة يومية للتنبؤ بحرائق الغابات في منطقة طنجة - تطوان - الحسيمة كمنطقة استطلاعية وريادية. كذلك، يقدّم النظام الذي يروم تحسين جودة الوقاية من حرائق الغابات خريطة يومية لدرجات مخاطر نشوب الحرائق وانتشارها بدقة متناهية جداً، مصحوبة بإمكانية تفسير المخاطر، بهدف توفير معلومات قيّمة لفرق مكافحة الحرائق الموجودة مسبقاً في الميدان، مع مراعاة عوامل مثل الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية والمعلومات الاجتماعية والاقتصادية وطبيعة الغطاء الغابوي وحالته.
ويُعَدّ المجال الغابوي في المغرب، بحسب الوكالة الوطنية للمياه والغابات، فضاءً طبيعياً مفتوحاً ويتعرّض لضغوطات عدّة تؤثّر سلباً على أدواره الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، إذ ينتج عن هذا الضغط زيادة خطر اندلاع الحرائق، خصوصاً أنّ الغابات المغربية مثل سواها في منطقة البحر الأبيض المتوسط تتميّز بقابلية اشتعال مرتفعة في فصل الصيف، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض رطوبة الهواء، وشدّة الرياح الجافة والساخنة من نوع "شرقي".