تكثف منظمات مدنية تونسية نشاطها لمساعدة أسر تلاميذ المناطق الريفية على توفير مستلزمات العودة للمدارس، حيث تعاني هذه المناطق من ارتفاع نسب التسرب المدرسي لأسباب مالية.
ودأبت المنظمات الأهلية منذ سنوات على تنظيم حملات لتخفيف أعباء العودة للمدارس عن كاهل الأسر في المناطق الريفية، والتي زادت معاناتها هذا العام بسبب الجفاف، وتراجع مداخيل المجتمعات المحلية العاملة في القطاع الزراعي.
تسبّبت موجة الجفاف هذا العام ونقص عروض العمل في القطاع الزراعي بنقص كبير في مداخيل سكان الريف التونسي
وتؤكد المتحدثة باسم منظمة "استهلك تونسي" المنخرطة في حملة الدعم المدرسي لأبناء الريف التونسي، هدى النصري أن "من الأهداف الأساسية للحملة التي تجهزها المنظمة توفير المستلزمات الدراسية كاملة لأكثر من 250 تلميذاً في مناطق جبلية شمال غرب البلاد".
وتقول النصري لـ"العربي الجديد" إن "تلاميذ الريف يعانون ظروفاً صعبة نتيجة نقص النقل المدرسي، وصعوبة المسالك التي يعبرونها يومياً للوصول إلى مدارسهم، ما يزيد في حاجياتهم الخصوصية من محافظ وملابس وأدوات ذات جودة عالية لمواجهة تلك الصعوبات".
وأفادت في سياق متصل أن "رقعة الفقر توسعت في الريف بسبب العوامل المناخية، ونقص مداخيل الأسر في تلك المناطق التي تضررت من الجفاف ما يجعل أبناءها عرضة للانقطاع المدرسي، وما يتبعه من مخاطر الانحراف أو الاستقطاب".
وتعتبر هدى أن "الحرص على توفير ظروف عودة مدرسية جيدة لأبناء الريف يحمي شريحة مهمة في المجتمع من مخاطر المغادرة المبكرة للدراسة، والارتداد للأمية، مشددة على أهمية الحفاظ على دور التعليم باعتباره وسيلة ارتقاء اجتماعي لسكان الريف".
وتابعت "بالإضافة إلى المساعدات العينية، يحتاج تلاميذ الريف إلى دعم ورعاية نفسية أيضاً"، مطالبة بضرورة الانتباه إلى هذا الجانب لتحفيز هؤلاء الطلاب على تحدي الصعوبات ومواصلة التعليم.
وتسببت موجة الجفاف هذا العام ونقص عروض العمل في القطاع الزراعي بنقص كبير في مداخيل سكان الريف التونسي الذين يعيشون من النشاط الفلاحي.
وتدفع الظروف الاقتصادية الصعبة أولياء التلاميذ إلى قبول مغادرة أبنائهم مقاعد الدراسة، إما بسبب عجزهم عن سداد نفقاتها، أو لعدم إيمان بعضهم بقدرة التعليم على الرفع من المستوى الاجتماعي، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة في صفوف حاملي الشهادات العليا وطول انتظار الوظيفة.
وخلال السنوات العشرة الماضية سجلت تونس نسباً قياسية للتسرب المدرسي بمعدل 100 ألف حالة سنوياً، وخلُصت دراسة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عام 2021 إلى أن أكثر من 100 ألف تلميذ يغادرون مقاعد الدراسة سنوياً، وأن قرابة مليون تلميذ انقطعوا عن التعليم في العقد الأخير.
وتتركز معدلات الفقر الأعلى في تونس بالأرياف، ولا سيما تلك الواقعة في الشمال الغربي والجنوب الغربي، وغالباً ما يتخطى معدل الفقر 33 في المائة من مجموع السكان، حسب بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي.
ويرى الخبير في التنمية، حاتم المليكي، أن "كل الأنشطة التجارية والاقتصادية ستتأثر بنقص المداخيل في الريف"، مرجحاً أن تشهد تلك المناطق موجات نزوح لسكانها نحو المدن بحثاً عن فرص عمل توفر لهم الحد الأدنى من المداخيل لتلبية احتياجاتهم المعيشية.
وحذر المليكي في تصريح لـ"العربي الجديد" من ارتدادات اجتماعية قاسية لتفشي البطالة في الريف التونسي بسبب التغيرات المناخية، مشدداً على ضرورة وضع سياسات حكومية لمساعدة هذه الفئات ومساعدة التلاميذ على الاستمرار في الدراسة.
وذكر تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية "إسكوا" أن انتشار الفقر في تونس يختلف باختلاف المناطق والفئات الاجتماعية والاقتصادية، حيث لا تزال المناطق الريفية أكثر فقراً، لكونها تعاني من مستويات حرمان أعلى.
فعلى سبيل المثال، فإن نسبة تعرض سكان الريف في تونس للفقر متعدد الأبعاد تفوق أكثر من ثلاثة أضعاف نسب تعرّض سكان المناطق الحضرية، وذلك حسب معطيات التقرير.