تُعَدّ الطيور جزءاً لا يتجزّأ من التنوّع الحيوي، وهي الأكثر سهولة في ما يتعلّق بالتعرّف إليها وإلى نمط حياتها ومراقبتها على الأرض والأشجار والأعشاب وفي الهواء على كلّ الارتفاعات وفي حالات نادرة وصولاً إلى الارتفاع الذي تطير فيه الطائرات.
وتعمل الطيور في إطار الأنظمة البيئية، إذ تقدّم خدماتها للبيئة والإنسان. وهذه الخدمات تقدّمها الطيور المقيمة على مدار السنة والطيور التي تأتي للإشتاء والطيور المهاجرة في رحلتَي الربيع والخريف. وقد أشارت إحصاءات عالمية (نيفلر وشركاه، 2018)، إلى أنّ الطيور تلتهم سنوياً ما بين 400 إلى 500 مليون طنّ متري من الحشرات على المستوى العالمي. وقد تبيّن لناشري تلك الإحصاءات أنّ طيور الغابات التي تشكّل 70 في المائة من الطيور آكلة الحشرات التي تفرّخ في الغابات (من دون الأخذ بعين الاعتبار للطيور العابرة)، تلتهم نحو 300 مليون طنّ متري سنوياً، فيما تلتهم طيور الأراضي العشبية والصحراوية والسهوب والتندرا النسبة الأدنى من الحشرات وهي نحو 100 مليون طنّ متري، خصوصاً في فصل تفريخ الطيور، إذ يعتمد الأبوان على الحشرات الغنية بالبروتينات لتغذية صغارهما.
هذا على الصعيد العالمي، أمّا في لبنان، فقد سبق لنا من خلال دراسات عدّة، منها ما أعدّها طلابنا في الجامعة كمشاريع تخرّج، أن حاولنا معرفة القدرة الاستهلاكية لفئة محدّدة من الطيور وهي فئة الطيور المقيمة طوال السنة وهي مفرّخة، وفئة الطيور التي تأتي في موسم الهجرة إلينا في أواخر مارس/ آذار عموماً لكي تفرّخ ثمّ تهاجر، وتُدعى الطيور الصيفية المفرّخة. وهذه الطيور المفرّخة هي التي تطبع أثرها في البيئات التي تفضّلها لتعتاش وتتكاثر فيها. وهي تأتي بـ75 نوعاً مصيّفاً مهاجراً أي 18.56 في المائة من مجموع طيور لبنان، و62 نوعاً مقيماً مفرّخاً أي 15.34 في المائة من مجموع طيور لبنان (جرادي وشركاه، 2020).
لكنّ هذه الطيور المفرّخة التي تأتي بـ137 نوعاً، لا تعشّش كلّها في الموئل نفسه، إذ إنّ بعضها يألف المناطق الرطبة حيث المستنقعات والبرك والبحيرات مثل البلشون والبطّ، وغيرهما يعيش في الموائل الصخرية مثل كسّار البندق والحجل وطيور أخرى نراها في سهول المراعي مثل القبّرة والأبلق وفي البساتين مثل الهازجة. أمّا الجزء الأكبر من هذه الطيور المفرّخة فيقيم في الغابات كنقّار الخشب والشحرور والقرقف والصلنج وطيور أخرى.
وقد شكّلت طيور الغابات 66.42 في المائة من إجمالي الطيور المعشّشة في لبنان. وتعيش هذه الأنواع الغابيّة على اليرقات التي تحفر في خشب الأشجار أو تحت اللحاء، وتلتهم الحشرات التي تعيش فوق الأوراق أو على الجهة المقابلة منها، وتتغذّى على الحشرات التي تتّخذ لنفسها مقرّاً في براعم ورق الأغصان أو تأكل تلك التي تتخفّى على جذوعها وأغصانها أو في ثمارها.
وقد اتّبعنا طريقة غير معقّدة من خلال احتساب الكتلة الحيوية لكلّ نوع من الأنواع التي تعشّش في الغابات، بناءً على ما جاء في كتاب "بيرز أوف ليبانون" (جرادي وعيتاني، 2020). ثمّ ضربنا الكتلة النوعية بعدد طيور كلّ نوع بناءً على تعداد أعددناه في عام 2014 من أجل احتساب عدد الطيور من الأنواع الممكن صيدها ومن تلك التي يتوجّب الامتناع عن صيدها، لتسهيل عمل المجلس الأعلى للصيد البري. ولأنّ الطيور صغيرة الحجم تلتهم بغالبيتها ما يوازي وزنها من الحشرات، ولأنّ هذه النسبة تقلّ شيئاً فشيئاً مع الطيور الأكبر فالأكبر، وجدنا أنّ ما يأكله الطائر المقيم يومياً هو بمعدّل وسطي قدره 15.2 غراماً من الحشرات. ثمّ ضربنا هذا المعدّل بعدد طيور كلّ الأنواع المقيمة فقط (62 نوعاً)، وتبيّن أنّ ما تأكله هو 9424 طنّاً في اليوم، أي 3.5 ملايين طنّ سنوياً. أمّا بالنسبة إلى الأنواع المصيّفة المفرّخة البالغ عددها 75 نوعاً، فإنّها تلتهم سنوياً 2.1 مليون طنّ من الحشرات وذلك لأنّها تبقى في لبنان نحو ستة أشهر فقط.
وهكذا تساهم الطيور المعشّشة في الغابات اللبنانية بإبادة 6.6 ملايين طنّ من الحشرات على مساحة 140 ألف هكتار من الغابات (من دون احتساب الأحراج). ولولا الطيور لتطلب ذلك 75 مليوناً و730 ألفاً و200 دولار أميركي سنوياً من المبيدات الحشرية التي لن تتمكّن تماماً من الوصول إلى ثقوب الجذوع أو تحت اللحاء. لكنّنا نعتقد أنّه لو أخذنا في الدراسة الطيور المهاجرة (267 نوعاً)، التي تبقى في البلاد لفترات قصيرة، فإنّ كميّة الحشرات التي تقضي عليها الطيور في لبنان سوف تكون أكبر بكثير. كما نعتقد أنّ الطيور تؤدّي أيضاً خدمات عديدة أخرى، نذكر منها زراعة الغابات وتلقيح النباتات وتثبيت التربة واستجماع مياه الأمطار، وهي خدمات لها قيمة اقتصادية عالية.
(متخصص في الطيور البريّة)