مئات الوفيات بين مرضى السرطان في غزة منذ بدء العدوان

09 يوليو 2024
إجلاء طفلة مصابة بالسرطان من المستشفى المعمداني (داود أبو الكاس/الأناضول)
+ الخط -

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزّة، الاثنين، وفاة 436 من المصابين بالسرطان نتيجة الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على دخول الإمدادات الطبية والإغاثية، وعدم توفر العلاج اللازم منذ بدء العدوان، الذي يتزامن مع إغلاق جميع المعابر الحدودية أمام العلاج في الخارج
وعدد الوفيات المذكور كبير نسبة إلى عدد المصابين بالأمراض السرطانية في القطاع، الذين يناهز عددهم 10 آلاف مصاب، وجميعهم يعيشون ظروفاً شديدة الصعوبة في ظل تكرار النزوح وتوقف عمل المستشفيات، خصوصاً مستشفى الصداقة التركي المتخصص بعلاج مرضى السرطان، ومستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال، والذي كان يعالج الأطفال مرضى السرطان، واللذين تعرضا لاستهداف إسرائيلي مباشر.
كان مرضى السرطان في غزّة يعتمدون على العلاج الكيميائي لقتل الخلايا السرطانية، وكان القطاع يضم عدداً من المراكز المتخصصة، أبرزها المستشفى التركي في وسط القطاع، ومستشفى الحياة في حي النصر بمدينة غزة، وكان بعضهم يخضع للعلاج الإشعاعي أو زراعة نخاع العظم في الخارج، إلى جانب العلاج المناعي والهرموني، لكن كل هذا بات غير متوفر في قطاع غزة منذ بداية العدوان، ما خلف مضاعفات للكثير منهم.
توفيت سعاد حسان (56 سنة) في 24 يونيو/حزيران الماضي، بعد معاناة طويلة مع مرض سرطان الثدي، وكانت من بين من يتلقون العلاج في مستشفيات الضفة الغربية، وترددت على مستشفيات في رام الله والخليل على مدار العامين اللذين سبقا العدوان الإسرائيلي، وكانت تتعايش مع المرض، ومضرب مثل في الصمود، كما كانت تشارك في الكثير من التجمعات النسائية الخاصة بالدعم النفسي والاجتماعي للمصابات بسرطان الثدي، وتروي خلالها خبراتها في التعايش مع المرض، وإصرارها على القيام بمختلف المهام المنزلية رغم المعاناة، على الرغم من أنها كانت تواجه صعوبات عدة في أحيان كثيرة للحصول على الموافقة الأمنية من الجانب الإسرائيلي لنيل تصريح دخول من معبر إيرز أقصى شمالي القطاع للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية. 

سرطان الثدي أكثر أنواع الأورام انتشاراً في قطاع غزة

تعيش أسرة حسان في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خانيونس، وتتذكرها ابنتها الكبرى مريم (30 سنة)، قائلة إن أمها الراحلة كانت السبب في استكمالها رسالة الماجستير، وأنها دعمتها في مساعي الحصول على منحة دراسية لاستكمال الماجستير في المناهج الدراسية، والتي حصلت بعدها على عقد عمل في إحدى المدارس الحكومية.
تقول مريم لـ"العربي الجديد": "كانت والدتي تتلقى العلاج في عدد من مستشفيات قطاع غزّة، وكان هذا ضمن العلاج التخفيفي، بينما كانت تتلقى علاجاً إشعاعياً في مستشفيات بالضفة الغربية، إذ كان انتشار الخلايا السرطانية أكبر مما يمكن استئصاله عبر عملية جراحية، لكنها كانت تتعايش مع المرض من خلال اتباع الخطوات اللازمة لتحسين الجانب النفسي، إضافة إلى الدعم الذي توفره لها الأسرة".
تضيف: "كانت والدتي واحدة من بين كثيرات من النساء اللواتي كن يترددن على مستشفيات الضفة الغربية للعلاج، وحكم عليهنّ العدوان الإسرائيلي بالحرمان من العلاج. كان جسد والدتي في أيامها الأخيرة يشهد ذبولاً واضحاً وانهياراً متسارعاً، لكنها كانت تكرر أمامنا أنها بخير حتى لا تقلقنا، وقد توفيت لأنها لم تكن قادرة على تلقي العلاج الإشعاعي، وهو أساسي في حالتها، حتى أن العقاقير الأساسية لم تكن متوفرة".

الصورة
العلاج خارج غزة متوقف منذ إغلاق معبر رفح (أوغور يلدريم/Getty)
العلاج خارج غزة متوقف منذ إغلاق معبر رفح (أوغور يلدريم/Getty)

توفي محمد حمدان (49 سنة) نتيجة معاناته من سرطان الدم، وهو لم يتلق علاجاً كيماوياً منذ اقتحام الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الصداقة التركي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي نتج عنه خروج المستشفى عن الخدمة، وجرى تحويله للعلاج المؤقت في مستشفيات أخرى، ثم حُرم من العلاج بالكامل، وعاش شهوراً ينتظر قراراً بالعلاج في الخارج، لكن الموت سبق ذلك كله. 
كان حمدان ممن حصلوا على موافقة من جهات في مصر وقطر والإمارات وتركيا لعلاجه مع نحو 650 من مرضى السرطان، وجميعهم صنفوا حالاتٍ طارئة للعلاج خارج القطاع، لكن السفر لم يكن ممكناً بسبب احتلال معبر رفح البري في السادس من مايو/أيار الماضي، فتدهورت حالته حتى توفي وهو لا يستطيع الكلام.
يقول نجله يوسف حمدان لـ"العربي الجديد": "كان والدي يحتاج إلى البقاء بالقرب من المستشفيات والعيادات للحصول على العلاج، لذا كنا من بين آخر النازحين من مدينة رفح، خرجنا تحت القصف الإسرائيلي، وكنا نحصل على بعض أنواع العلاج بصعوبة، وقد توفي داخل خيمة النزوح في 12 يونيو/حزيران الماضي".

يعد سرطان المعدة الأكثر فتكاً لأنه يتطلب متابعة غير متوفرة حالياً

وتتفاقم حالات الضغط النفسي للمصابين بالأورام السرطانية مع تكرار النزوح، كما حصل مع أحمد غبن (52 سنة)، وهو مصاب بسرطان الغدة الدرقية، وبحاجة لاستئصال الغدد اللمفاوية، وكذلك الخضوع للعلاج الهرموني والإشعاعي. 
يعيش غبن في خيمة قريبة من مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، وهو يتردد على المستشفى للحصول على العلاج، ومراجعة الأطباء باعتباره المستشفى الوحيد التي يوجد فيها اختصاصيون، ويقول لـ"العربي الجديد": "مراجعة الأطباء لا فائدة منها في ظل انعدام العلاج. أحصل على أقراص مسكنة، ومحاليل طبية لا تؤدي إلى أي نتيجة. أحتاج إلى العلاج الإشعاعي والهرموني، وقد وفروا لي حقنة واحدة تمنع الكتل السرطانية خلال الشهر الماضي، لكنها غير متوفرة حالياً، أعيش أياماً من العذاب المتواصل، وأنتظر الموت".

الصورة
مخاطر أكبر يتعرض لها الأطفال المصابون بالسرطان (داود أبو الكاس/الأناضول)
مخاطر يتعرض لها الأطفال المصابون بالسرطان (داود أبو الكاس/الأناضول)

وحسب بيانات وزارة الصحة في غزة، فإن أنواع السرطانات الأكثر انتشاراً في القطاع يتقدمها سرطان الثدي في المرتبة الأولى، وتواجه المصابات به معاناة متواصلة في ظل النزوح المتكرر، وتحمّل الآلام من دون علاج، ويليه سرطان القولون وسرطان الرئة اللذان تتعادل نسب الإصابات بهما بين الرجال والنساء، فيما يعد سرطان المعدة هو الأكثر فتكاً لأنه يتطلب متابعة متواصلة، وهو أمر غير ممكن بسبب العدوان.
ويؤكد طبيب الأورام سعيد النجار أن بعض أنواع السرطانات يمكن الشفاء منها عبر العلاج والمتابعة، خاصة سرطان الثدي وسرطان البروستاتا، وكذا سرطان الغدد الليمفاوية، وأنه جرت محاولات عديدة لإخراج عدد من المرضى للعلاج في الخارج قبل إغلاق  الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح، لكن المرضى يدخلون الشهر الثالث على التوالي من دون فرصة للسفر والعلاج، ما يهدد حياة المئات منهم. 
يضيف النجار أن مرضى السرطان في غزّة محرومون من غالبية العلاجات، وأبرز الأدوية الغائبة هي التركيبات مثل "بنداموستين" و"بوسولفان" و"كاربوبلاتين"  و"كارموستين" و"سيسبلاتين"، وهي أدوية أساسية لغالبية المرضى، وهناك أنواع أخرى مثل "بنتوستاتين" و"برالاتريكسيت" و"ثيوغوانين"، وهي أدوية مهمة لمنع الخلايا السرطانية من الانتشار، خصوصاً لدى مرضى سرطان الدم والأمعاء.

ويوضح الطبيب الفلسطيني لـ"العربي الجديد": "هناك أعداد جديدة من مصابي السرطان منذ بداية الحرب، وهم يحتاجون لإجراء فحوص في ظل صعوبات كبيرة للعلاج، وعدد كبير من المرضى في غزّة يكافحون آلاماً غير مألوفة نتيجة ظروف الحرب، وعدد من المتوفين أخيراً صمدوا حتى آخر نفس، وهؤلاء أبطال، فغالبيتهم كانوا نازحين، ويتابعون مهامهم الأسرية حتى لحظاتهم الأخيرة".
يتابع النجار: "أشعر بتخوف شديد على مصير مرضى السرطان في قطاع غزّة في ظل المعطيات القائمة، والأبحاث البيئية والطبية التي أجريت في القطاع خلال السنوات الماضية تؤكد ارتفاع نسب الإصابة بأمراض الأورام، ويرجع ذلك إلى تكرار العدوان الإسرائيلي، واستخدام أسلحة محرمة دولياً، إضافة إلى تلوث المياه الجوفية. يخوض القطاع حالياً أطول عدوان إسرائيلي، ومع دخول الشهر العاشر على التوالي، هناك مخاطر وأمراض قد لا تتحملها أجساد سكان غزّة، وربما يتم الكشف عنها مستقبلاً في ظل انعدام أي حلول تضمن تحسن القطاع الطبي كونه مرتبطاً بالحصار الإسرائيلي المفروض على غزّة منذ نحو 18 سنة متواصلة".

المساهمون