تنتشر في تونس إعلانات مثل "إذا أردت الحصول على عقد عمل بالخارج، ما عليك سوى الاتصال بأرقامنا"، و"نوفر عقود عمل بعدة دول أوروبية"، أو "إذا كنت تمتلك خبرة في إحدى الحرف أو الصناعات. نحن نسهل عليك عملية الهجرة بتوفير عقود عمل قانونية مضمونة"، الكثير من هذه العروض تنشرها شركات وهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الشباب الراغبين في الهجرة.
تظهر تلك الشركات بشكل مفاجئ، وتختفي بنفس الشكل، وقد راح ضحيتها مئات الشباب ممن يبحثون عن فرصة عمل، سواء في الداخل أو في الخارج، فبعد تسلّم مندوبي الشركة الأموال من هؤلاء الشباب، تختفي الشركات، أو الصفحات والروابط الخاصة بها، وتتوقف أرقام الاتصال عن العمل.
يقول منير حفيظ: "قبل خمس سنوات، كنت أبحث عن فرصة عمل بالخارج، وتواصلت مع عدّة شركات توظيف كانت تعدني بعقد عمل قانوني مضمون، واقتنعت بدفع قرابة أربعة آلاف دولار لإحدى الشركات لتسفيري إلى إيطاليا، والتي طلبت نصف المبلغ في البداية، على أن تستلم البقية مع تسلم عقد العمل. لم يكن للشركة مقر، بل كانت لها صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وقمت بمقابلة وكيل عن الشركة في أحد المقاهي. شككت في البداية أنها شركة وهمية، لكني كنت أبحث عن أي فرصة في ظل انعدام فرص العمل داخل تونس. لكن بعد أن دفعت المبلغ، اختفت صفحة الشركة، ولم ترد أي من أرقام الاتصال الخاصة بها".
تكرر وزارة التشغيل التونسية التحذير من تحايل شركات التوظيف الوهمية
وفي 2010، أصدرت السلطات التونسية قراراً يتعلق بضبط شروط وصيغ وإجراءات منح تراخيص تعاطي مؤسسات خاصة مع أنشطة التوظيف بالخارج، ويمنع على المؤسسات الخاصة باستكشاف فرص التوظيف بالخارج أن تتقاضى بصفة مباشرة أو غير مباشرة أي مقابل مالي، أو أية تكاليف أخرى من قبل المترشح للتوظيف بالخارج.
وتكرر وزارة التشغيل كل فترة تحذيرات من تحايل الشركات الوهمية، وتحث الراغبين في العمل بالخارج على عدم التعامل مع المكاتب الخاصة للتوظيف غير المتحصلة على ترخيص قانوني من الوزارة، كما تحذر من الشركات التي تنشر عروض شغل وهمية، أو تحمل طالبي الشغل مبالغ مالية، مذكّرة أنّ القانون يمنع تحميل المترشحين للعمل بالخارج أعباء مالية.
ويوجد في تونس 37 شركة تشغيل قانونية، وتنشر وزارة التشغيل سنوياً قائمة بكل الشركات القانونية الخاصة بالتشغيل بالخارج، وتاريخ منحها الترخيص ومكانها وأرقام هواتفها وعنوانها، حتى لا ينخدع البعض بأسماء شركات مشابهة أو متمركزة في أماكن غير تلك المذكورة في القائمة.
وتعلن وزارة الداخلية بشكل متكرر ضبط أشخاص يوهمون الشباب بقدرتهم على التوسط للحصول على عقود شغل بدولة أجنبية، مقابل مبالغ مالية، ليتبيّن لاحقاً أن تلك العقود وهمية، وأنّ نشاطهم لا يخوّلهم توفير عقود عمل بالخارج حسب الطرق القانونية.
تعرّضت رفيقة عبداوي قبل 6 سنوات إلى عملية تحايل من قبل شخص ادّعى أنّه وكيل شركة تشغيل بالخارج، وطلب منها تحضير ملف لتوفير عمل لها في أحد مستشفيات فرنسا، في مقابل الحصول على ثلاثة آلاف دولار قبل موعد السفر بشهر، وقبل أن تستلم عقد العمل.
تقول عبداوي: "قابلت الشخص في أحد المكاتب بالعاصمة دون أن أتثبّت من اسمه أو هويته، أو حتى التأكد من قانونية الشركة. كان كل همّي الحصول على عمل بالخارج، ولكنه تحايل عليّ بمبلغ ثلاثة آلاف دولار، وخسرت كلّ مصاريف السفر بسبب العقد الوهمي، ولم أتمكن من تقديم شكوى لأنّي لا أعرف هوية الشخص، ولم أجد اسم الشركة مسجلاً في أي قائمة أو سجل".
وتؤدي قلة فرص العمل في تونس، خصوصاً في القطاع العام، إلى بحث مئات الشباب عن وظائف في الدول الأجنبية، خاصة كندا والبلدان الأوروبية، من دون التأكد من حقيقة عشرات من الشركات التي تدّعي أنّها توفر فرص عمل قانونية.
وحسب إحصائيات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة بدعم من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، فإن نحو مليون و700 ألف تونسي يرغبون في الهجرة من إجمالي 8 ملايين و400 ألف نسمة.
ورغم لجوء المئات من الشباب إلى الهجرة السرية عبر قوارب الموت للوصول إلى ضفة البحر المتوسط الشمالية، خاصة إيطاليا، بسبب انعدام فرص التشغيل، فإنّ مئات الشبان العاطلين عن العمل يفضّلون السفر عبر طرق قانونية، وعبر عقود عمل تضمن حقوقهم بالخارج، وتسهّل حصولهم على الإقامة. لكن بعضهم باتوا ضحايا شركات وهمية، أو أشخاص يدّعون أنهم وسطاء لشركات بالخارج، وتطلب بعضها مبالغ تصل إلى 5 آلاف دولار.