قبل انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغير المناخ 2022، والذي يعقد ما بين 7 و18 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في مدينة شرم الشيخ المصرية، حذّرت منظّمات مجتمع مدني وخبراء في البيئة والمناخ، من مخاطر ترقى إلى حد الكوارث في عدد من المدن المصرية، بعضها يبعد مئات الأمتار فقط عن مقر انعقاد المؤتمر الأممي.
ويمثّل المؤتمر لحظة مهمة للدول لتقديم الأدلة على أنها تفي بالتعهدات التي قطعتها على نفسها بموجب اتفاقية باريس للمناخ، واعتماد المزيد من القرارات للحدّ بسرعة من انبعاثات غازات الدفيئة.
ويشكو عدد من الغطّاسين في شواطئ مدن نويبع ودهب وشرم الشيخ، المطلة على خليج العقبة، تسرب مواد بترولية تهدد سلامة البيئة البحرية بالكامل. ونشر عدد من الغطاسين صوراً لتسرب مواد بترولية من ميناء العقبة الأردني مع معلومات تفيد بتسرب نحو 200 طن بترول خام إلى شواطئ دهب ونويبع.
وحذّر الغطاسون من كارثة بيئية تطاول أجمل شواطئ مصر والعالم لما بها من شعب مرجانية نادرة، وخصوصاً بعدما منعت بعض مراكز الغوص في دهب الغوص في شواطئها بسبب تسرب المواد البترولية. وناشد الغطّاسون وزارة البيئة المصرية التحرك بسرعة وإنقاذ ثروة مصر الكامنة في شواطئها وشعابها المرجانية النادرة التي تستقطب سياحاً من كل بقاع العالم.
وفي هذا السياق، حذّر المنبر المصري لحقوق الإنسان من مخاطر مشروع "التجلي الأعظم"، واصفاً إياه بـ"الكارثة البيئية والمجتمعية في سيناء". وأصدر ورقة أشار فيها إلى "الوثيقة الصادرة في مارس/ آذار 2021، عن وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بعنوان "تطوير سانت كاترين، موقع التجلي الأعظم على أرض السلام الذي تنفذه شركتا حسن علام وأبناء سيناء للتجارة والمقاولات العامة، وتضمنت الوثيقة الرسمية تفاصيل كاملة عن خطة الحكومة لبناء مشروع سياحي ضخم داخل وحول كلّ من موقع التراث العالمي ومحمية سانت كاترين الطبيعية الواقعة في المنطقة الجبلية بمحافظة جنوب سيناء".
وقال المنبر في ورقته: "نظراً إلى طبيعة المنطقة وتصنيفها، تخضع كل أشكال البناء فيها لقيودٍ صارمة طبقاً للقوانين والاتفاقيات الدولية لحماية التراث والبيئة والتنوع البيولوجي، بالإضافة إلى قوانين المحميات الطبيعية المصرية. لكن في غضون أسابيع من نشر الوثيقة، وصل عدّة آلافٍ من عمال البناء مصحوبين بمعدات وآلات لتبدأ أعمال الهدم والبناء على مستوى هائل. وانطلقت أعمال الإنشاء من قلب منطقة التراث العالمي حول دير سانت كاترين الأثري ثمّ انتشرت في أماكن مختلفة حول المحمية الطبيعية. وبالتزامن مع بدء أعمال البناء الضخمة، انطلقت حملة إعلامية عبر صحف وقنوات مملوكة وموالية للسلطات المصرية وركزت غالبيتها على الرئيس عبد الفتاح السيسي واهتمامه الشخصي بالمشروع الذي بات يعرف بمشروع التجلي الأعظم".
وأكد المنبر أنه خلال العام الماضي، أُنشئ مئات المباني داخل مدينة سانت كاترين التاريخية وحولها، في خرقٍ واضحٍ لقوانين منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) والقوانين المصرية المنظمة لشؤون المحميات الطبيعية".
وبحسب شهادات عدد من السكان المحليين وخبراء بيئيين من مصر ودول أخرى للمنبر المصري، فإنّ المشروع منذ بدايته غيّر وجه المدينة التاريخية للأبد، إذ سبّب دماراً واسعاً يستحيلُ رتقُه أو علاجه. وتتوسّعُ الآثار التدميرية لهذا المشروع الذي خُطِّط ويُنفَّذ كلياً بواسطة الحكومة المصرية والشركات التي تعاقدت معها على بعد مائة كيلومتر من منتجع شرم الشيخ السياحي، حيثُ سيقام مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري.
وقال المنبر إنّ "أشكال الدمار التي سبّبها هذا المشروع في منطقة سانت كاترين، وهي منطقة فريدة في طبيعتها وتراثها وقيمتها الدينية لمئات الملايين من البشر من الديانات الإبراهيمية الثلاث، ستستمرّ وتتوسع إن لم يوقَف المشروع فوراً".
وطبقاً للوثيقة الصادرة عن وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية التي تحتوي على خرائط ورسومات ومعلومات تفصيلية، يتضمن المشروع 14 خطة إنشائية يجري تنفيذها بالتوازي، وتحتوي على مئات المباني التقليدية على مساحات بمئات الآلاف من الأمتار المربعة.
وذكرت الوثيقة نفسها أنّ "الحكومة تخطِّط، من خلال هذا المشروع، لزيادة عدد سكان مدينة سانت كاترين، ليبلغ 12 ألف نسمة، وهو ما يقارب ضعف عدد السكان الحالي". وبالتزامن مع هذا المشروع الضخم وما سينجرّ عنه من زيادة سكانية كبيرة، بدأت أجهزة الدولة شق طريق جديد ليصل مدينة سانت كاترين بمدينة الطور، وهي العاصمة الإدارية لمحافظة جنوب سيناء. ويجري إنشاء الطريق الجديد حالياً في وادي حبران، أحد أغنى الأودية بيئياً، وأكبرها لناحية السيول الموسمية.
وبحسب عدد من الخبراء والمتخصصين في الثروات الطبيعية والثقافية لمنطقة سانت كاترين، الذين تحدث أغلبهم مع كاتب الورقة من دون ذكر أسمائهم خوفاً من ملاحقة الحكومة المصرية، فإنّ أعمال البناء والهدم على مرِّ العام الماضي في منطقة التراث العالمي وحول محمية سانت كاترين سبّبت دماراً انعكس على التراث التاريخي والبيئة الطبيعية على مستوى هائل يستحيل علاجه.
يضيف هؤلاء أن إنشاء مئات المباني سيغيّر المشهد الطبيعي لقلب المنطقة بلا رجعة، وهو المشهد المحيط بدير سانت كاترين الذي بُني منذ أكثر من 1500 عام، وهو أحد العوامل الرئيسية التي عزّزت قرار اليونسكو عام 2002 بتصنيف المنطقة كمنطقة تراث عالمي.
ونظراً لاستمرار الضرر الواقع على المنطقة، اجتمع عددٌ من الخبراء في شبه جزيرة سيناء ومنطقة سانت كاترين في مارس/ آذار الماضي، وأصدروا بياناً مفتوحاً طالبوا فيه بالوقف الفوري لكل أعمال المشروع والتدخل العاجل لليونسكو وكبرى الجهات المعنية بالبيئة والتراث لمحاولة إنقاذ المنطقة من الدمار المستمر.
يشار إلى أنه على مدى عقود طويلة، احتفظت مدينة سانت كاترين والمحمية الطبيعية حولها بطبيعة فريدة بثلاثة مكونات، جبل سيناء ودير سانت كاترين وقبيلة الجبالية البدوية المعروفة تاريخياً بحراس الدير. وتشكّل هذه العناصر الثلاثة مجتمعة سبب جاذبية هذه المدينة الجبلية الصغيرة والمتميّزة بطبيعة بيئية غنية.
وقال المنبر في ورقته: "تُعدّ مدينة شرم الشيخ ذات الشهرة العالمية التي سينعقد فيها مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ شاهداً على سياسات التهميش والعزل القمعية التي يتعرض لها المجتمع البدوي. فالتطوير الوحيد الذي حازته قرية الرويسات المحاذية لشرم الشيخ كان سوراً يعزلها عمّا حولها، بينما ذهبت الغالبية العظمى من الوظائف في قطاع السياحة لمصريين من أنحاء البلاد كافة وحتّى لأجانب من حول العالم باستثناء البدو وهم السكان الأصليون وملّاك الأرض".
وبينما يستمر العمل في هذا المشروع، يُجهَّز مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ لينعقد في مدينة شرم الشيخ على بعد مائة كيلومتر من منطقة سانت كاترين في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ويجري التجهيز لهذا التجمع الذي تشارك فيه حكومات ومنظمات غير حكومية تحت عناوين حماية وإنقاذ الكوكب، بينما تستمر الحكومة المصرية في الترويج للانتهاء من العمل وافتتاح المشروع قبل بداية المؤتمر، بحسب الورقة.
وفي سياق متصل، أطلق المركز المصري حملة "سكة السلامة" للتوعية على تأثيرات تغير المناخ بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وتركز الحملة المستمرة على مدار 100 يوم على عدد من المحاور التي تستهدف المساهمة في مواجهة التأثيرات السلبية الناتجة من تغير المناخ، وتأثيراتها في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصاً في مصر، التي تعد من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة من هذه التأثيرات، والدعوة إلى اتخاذ آليات وإجراءات حاسمة للحد منها.
ويشمل المحور الأول للحملة التوعية على آثار التغيرات المناخية، وانعكاساتها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في عدد من القطاعات، من بينها الصحة، والصناعة، والزراعة، والنقل، والأنشطة البحرية، وغيرها، فضلاً عن تأثيراتها بالعاملين في هذه القطاعات.
ويتطرق المحور الثاني إلى إجراءات التقاضي في القضايا المتعلقة بالحقوق البيئية، في ظل التزامات الحكومة بتعهداتها بشأن المواثيق والمعاهدات الدولية الموقعة عليها في هذا الإطار. ويتناول المحور الثالث للحملة مدى التزام الحكومة بشأن تقليل الانبعاثات الكربونية، الذي يعد المحور الرئيسي لمؤتمر الأطراف. ويتضمن المحور الرابع إعادة التعريف بالتزامات مصر تجاه قضايا البيئة والتغير المناخي من خلال الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها، والإطار التشريعي الداخلي المتعلق بهذا الشأن.