ليت مصر تعود يوماً!

03 سبتمبر 2015
لا شيء بأيدينا نستطيع فعله (مواقع التواصل)
+ الخط -

هنا غزّة، حيث تسخر الأقدار منّا. كوننا لا ندري من يحكمنا! أو لا، فحكومة حماس السّابقة تحكمنا فعليّاً، فيما تدّعي حكومة "الوفاق" أنّها تحكمنا لا أدري كيف. لا بأس. فلا يزال أمامنا مخرجان من غزّة.


"معبران" أو إن صحّ التعبير فوجب تسميتهما بحاجزين. حاجزين واحتلال إذن. بطبيعة الحال لن يكون بمقدور أي شخص تحت سنّ الخامسة والثلاثين أن يفكّر بالخروج من خلال حاجز "إيرتز" الاحتلالي إلا وكان يعلم أنّه مدعوم من إحدى المنظّمات الدوليّة، أو مريض "حالة إنسانيّة طارئة" أو واحد من رجال الأعمال. غير ذلك فإن قرّرت السفر من خلال الحاجز الآخر "معبر" رفح البرّي فعليك تهيئة نفسك للدّخول في بقعة الذل. الذل والخطر.

تخيّل: وأنت في باصّ المسافرين، تخرج من الجانب الفلسطيني بطريقة شرعيّة وتنسيق مسبق بين الجانبين، الفلسطيني والمصري. لا مشاكل عليك وقد تمّ قبول اسمك. وبعدما عبرت المعبر بسلام، بعد حوالي 300 متر فقط من المعبر، تخيّل: مجموعة من الملثّمين المسلحين تعترض طريق المسافرين، توقف الباصّ، تجتاحه وتنادي أسماء أربعة من المسافرين، حاملين صورهم للتأكّد من شخوصهم، تختطفهم وتذهب بهم إلى المجهول.

في الحقيقة، هؤلاء الأربعة فلسطينيّون: ياسر زنّون، حسين الزبدة، عبدالله أبو الجبين، عبد الدّايم أبو لبدة، اختطفوا في الأراضي المصريّة ولا معلومات عنهم حتّى الآن.

منذ يوم التّاسع عشر من أغسطس/ آب وقلوب ذويهم تعتصر ألماً، فمنهم الأب والأخ والابن والزّوج. أربعة شبّان لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين عاماً. ذووهم يناشدون المسؤولين على كافة الصُّعد، في فلسطين وفي مصر ولا استجابة لهم أو توفير أي معلومة من شأنها أن تطمئنهم.

من كان يتوقّع أن تصبح الطّريق إلى مصر خطرة إلى هذا الحدّ؟ أيحتاج قرار السّفر في سبيل التعليم أو العلاج الحذر الشّديد بعد اليوم؟ أيصبح حاجز "إيرتز" الاحتلالي أأمن لنا من حدودنا مع "الأشقّاء" في مصر؟

جديّا، من يمكن أن يساعد في العثور على أي معلومة بشأن المخطوفين؟ أو حتّى العمل على إطلاق سراحهم؟

مع مرور الوقت تزداد التعقيدات بشكل قويّ. لا شيء بأيدينا نستطيع فعله، معظمنا في قطاع غزّة يلامس الخوف بشأن المطالبة بشبابنا المختطفين، الخوف من أن يتم وضع اسمه في "القائمة السّوداء" لدى بعض الأجهزة الأمنيّة في مصر. معظمنا يخشى الحديث في قضيّتهم كوننا نحتاج المرور من خلال الأراضي المصريّة إلى العالم الخارجي.

لا خيار أمامنا سوى الصمت، أو المطالبة "النّاعمة" بالعمل على إطلاق سراحهم. ولكن أليست هذه أنانيّة؟ فهؤلاء أبناؤنا، من لحمنا ومن دمنا. ماذا نفعل يا الله؟ فأمّهاتهم يقطّعن أوصال القلب. ولا شيء بأيدينا! وعلى الرغم من عجزنا المُطلق، يخرج لنا السّذج مدّعين أن المختطفين يتبعون للمقاومة الفلسطينيّة. وأي سمفونيّة عفنة هذه التي إن افترضناها تبرّر اختطاف المقاومين؟ وإن كان المختطفون يتبعون للمقاومة أم لا، لا خيار أمامهم سوى المرور من الأراضي المصريّة. مجرّد المرور ليس إلا. وهذا لا يعطي أي جهة من الجهات العربيّة حقّ التدخّل بهم أو محاسبتهم خصوصاً أنّهم لم ولن يشكّلوا أي خطر أمني على مصر. مللنا التبريرات البائسة بصراحة، مللنا سلوك النظام المصري تجاهنا منذ عشرات السنين.

ولا يقتصر الأمر حول ردود أفعالنا إزاء قضيّة المختطفين، أحياناً وبعد سلسلة من الأحداث العميقة الجارية بين كلّ من قطاع غزّة ومصر، نصل إلى سلسلة من التقلّبات الشعوريّة العنيفة فيما يخصّ علاقتنا مع المصريّين بشكل عام. عندما أتخيّل ماذا يحدث الآن للشّبان الأربعة المختطفين أثناء مرورهم من "معبر" رفح البرّي، وكلّما يأتي وقت يمرّ على ذهني مشهد تعذيبهم وأنا أوقن ذلك حقّاً، بالفعل أُقتل.

كان أهون عليّ أن يختطفهم جنود الاحتلال بدلاً من "الأشقّاء" العرب. ممنوعون من السفر عبر حاجز "إيرتز" الاحتلالي وليس أمامنا سوى بوابة "معبر" رفح لنطلّ على العالم الآخر.

هذه البوابة الحقيرة بما حملت لنا من ذل وقهر. لا أنكر خوفي من التعامل مع المصريّين أيّاً كان توجههم الفكري بعد كلّ شيء يحدث، كما لا أستطيع أن أنكر أن بعضهم أقرب إلي من فلسطينيّين كثر. لحماً ودماً. إلا أن مجريات الأمور أصبحت ترمي بنا وعلاقاتنا إلى الهاوية خشية من الأنظمة، والحكومات وحساباتهم السياسيّة القذرة.

آه كيف اعتدنا أن نقول "ليت الزّمان يعود يوماً" حتّى أصبحت مصر الحاليّة هي من تحدّد أزمنتنا، فنقول الآن "ليت مصر تعود يوماً"!

(فلسطين)

المساهمون