ليبيا: نحو تسوية أوضاع المتزوجات بأجانب وأطفالهنّ

11 يونيو 2022
منح الجنسية لأولادهنّ معضلة بالنسبة إلى الليبيات المتزوجات بأجانب (جويل ساجيه/ فرانس برس)
+ الخط -

لا تختلف المرأة الليبية عن النساء العربيات بمعظمهنّ في ما يتعلّق بعجزهنّ عن منح الجنسية لأبنائهنّ في حال تزوّجنَ برجال أجانب. لكنّ الوضع يتبدّل في ليبيا، بحسب ما يبدو، إذ مُنح عدد من المعنيّين جنسية والداتهم.

أبدت السلطات في ليبيا اهتماماً بأوضاع ليبيات متزوجات بأجانب وأبنائهنّ بعد سنوات من المعاناة والصعوبات التي واجهنَها في مختلف شؤون حياتهنّ، إذ قرّرت حكومة الوحدة الوطنية أخيراً منح الجنسية الليبية إلى 130 من أبناء هؤلاء الليبيات. ووفقاً للقرار الحكومي، فإنّ الموافقة أتت لمصلحة هذا العدد من بين 289 طلباً من القائمة التي قدّمتها مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب إلى الحكومة، بعد تدقيقها وفحصها، مشيراً إلى أنّ الحكومة تحفّظت على منح 159 آخرين الجنسية بسبب شكوك في أوراقهم الثبوتية.

وتُعَدّ قضية أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب واحدة من القضايا التي لطالما أقلقت الرأي العام، وتأثّرت بشكل كبير بعدم الاستقرار الحكومي الذي عاشته البلاد طيلة السنوات الماضية، على الرغم من حقّهم في الحصول على الجنسية الليبية كونهم ولدوا في البلاد. وقد أفاد المكتب الإعلامي للحكومة بأنّ الأخيرة استندت في قرارها إلى قانون سابق يجيز منح الجنسية لدواعٍ إنسانية لـ"أبناء المواطنات الليبيات المتزوّجات من أجانب".

يسرى الخوجة واحدة من الليبيات المعنيات بهذه القضية، وهي متأكّدة من أحقيّة أبنائها في الجنسية وفقاً للتشريعات الليبية، فتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "طول معاناتي أنا وأولادي والصعوبات المتعلقة باستخراج أوراق ثبوتية للعلاج أو الدراسة تجعلني أوافق على أيّ إجراء ولو كان مستنده القانوني ضعيفاً". وكانت دراسة أبناء يسرى المتزوجة بمواطن مصري قد تعثّرت قبل 11 عاماً، بسبب عدم توفر أوراق ثبوتية لتسجيلهم في المدرسة، لذا تؤكد: "طيلة السنوات الماضية، اضطررت إلى التحايل ليتمكّن أولادي من تلقّي تعليمهم في مدارس خاصة"، مشيرة إلى أنّ "مسألة تعليم الأبناء من أكبر هواجس الليبيات المتزوجات من أجانب".

وبالتوازي مع إبداء الحكومة اهتماماً بهذه القضية، أقامت منظمتَان أهليتَان في بنغازي (شمال شرق) جلسة حوارية حول حقوق الليبيات المتزوجات من أجانب، خصوصاً حقّ المواطنة. وبحسب بيان صادر عن منظمة "ميراس للتنمية السياسية" ومنظمة "ركيزة للتنمية"، فقد شارك في الحوار قسم الجوازات والجنسية ومصلحة الأحوال المدنية إلى جانب عدد من الحقوقيات والناشطات المهتمات بهذه الشريحة. وأوضح البيان أنّ الحوار شهد نقاشات ومداولات حول الجانب القانوني المتعلق بوضع المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي، خصوصاً حقّها في العمل وتعليم أبنائها، مشيراً إلى أنّ الحوار شدّد على ضرورة الاهتمام بالدعم النفسي وكيفية معالجة وتجاوز المشاكل التي تواجهها النساء من هذه الشريحة في المجتمع.

وتلفت يسرى إلى أنّ "حقوق المتزوجات من أجانب وأولادهنّ عديدة، من بينها حقّ المشاركة السياسية وحقّ الانخراط في الانتخابات"، لكنّها تقول "يكفي أنّ القضية دخلت حيّز الاهتمام الحكومي بشكل رسمي، أمّا المطالب الأخرى فيمكن الحصول عليها بالتدريج".

الصورة
امرأة ليبية وأولادها في ليبيا (كريستوف سيمون/ فرانس برس)
لطالما أقلقت قضية أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب الرأي العام (كريستوف سيمون/ فرانس برس)

وكانت نساء ليبيات متزوجات من أجانب قد بدأنَ في تنظيم أنفسهنّ في جمعيات ونشاطات حقوقية منذ سنوات، لكنّهنّ أعربنَ عن عزمهنّ المطالبة بحقوقهنّ أمام محاكم محلية منذ منتصف العام الماضي. ومذ بدأت السلطات في منح مواطنيها أرقام الهوية الإلكترونية منتصف عام 2013، دار جدال قانوني حول حقوق النساء من هذه الشريحة وأولادهنّ وحقّ الأخيرين في الحصول على الجنسية، خصوصاً أنّ إهمال هذه القضية يعني ضياع حقّ أصحاب هذه الشريحة في التعليم والعلاج والمشاركة السياسية.

وتوضح المحامية مريم البريكي لـ"العربي الجديد" أنّ "التشريع الليبي يفرّق ما بين حقّ الليبي وحقّ الليبية في الجنسية الليبية، إذ تمنع التشريعات المواطنات من منح الجنسية لأبنائهن في حال تزوّجنَ من أجنبي"، مشيرة إلى أنّ "التعديلات التي أضيفت إلى التشريع في السنوات الماضي أربكت تفسير النصوص القانونية وزادت حجم التعقيد في ما يتعلق بالبتّ في القضية أمام القضاء".

وفي حين تفيد "جمعية ليبيات متزوجات من أجانب - نريد حقنا" بأنّ عدد نساء هذه الشريحة يزيد عن 1400 امرأة، فإنّ البريكي تشير إلى أنّه "رقم تقديري وأنّ السلطات لا تملك رقماً دقيقاً لعددهنّ". لكنّها في الوقت رأت أنّ "إقدام بعضهنّ على رفع دعاوى أمام المحاكم، لا سيّما في مدينة بنغازي، حرّك القضية واضطر السلطات إلى الالتفات إليها".

وبينما تقول البريكي إنّ "لضغط الجمعيات الأهلية دوراً كبيراً يجب أن يُعزَّز ليوضح أسباب اضطرار نساء ليبيات إلى الزواج من أجانب، من قبيل ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع وهجرة الشباب وارتفاع كلفة الزواج والمهور"، تلفت إلى أنّ "جوانب في القضية ما زالت متعسرة ويُعصى إنهاؤها جذرياً". وكمثال عن ذلك، تحكي البريكي عن "المتزوجات بمهاجرين سريين، خصوصاً في الجنوب الليبي. فقد نتج عن تلك الزيجات أولاد، لا يملك آباؤهم أيّ أوراق ثبوتية تؤكّد دخولهم إلى البلاد بشكل رسمي. كذلك ثمّة زوجات ليبيات هجرهنّ أزواجهنّ الأجانب، الأمر الذي يصعّب البتّ في أوضاع أولادهنّ".

المساهمون