فرض جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، مؤخراً، على الليبيات المسافرات ملء استمارة بيانات خاصة في مطار معيتيقة الدولي بالعاصمة، تشمل ذكر عدد المرات التي سافرن فيها إلى الخارج، وبيانات خاصة بأسرهن، بما في ذلك سبب السفر من دون مرافق.
وأثار القرار ردات فعل غاضبة من جانب العديد من المواطنين، خصوصاً النساء، وتواترت عبر مواقع التواصل الاجتماعي البيانات الرافضة لتلك الإجراءات، في حين لم يصدر بعد أي توضيح من جانب الحكومة، أو جهاز الأمن الداخلي التابع لها. وأكدت الناشطة الحقوقية، بدرية الحاسي، استمرار العمل بتلك الاستمارة في مطار معيتيقة، ورأت في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "مضمون الاستمارة وأسئلتها يشير إلى أن الأفكار التي تحملها الجماعات المتشددة تسيطر على قيادة جهاز الأمن الداخلي، حتى أن بعض النشطاء يروجون معلومات تؤكد أن القرار له علاقة باعتقاد عدد من قادة جهاز الأمن الداخلي أنه سيمكنهم من منع اتصال النساء بجمعيات أو منظمات تنصيرية"، على حد قولها.
ووفقا لمعلومات الحاسي، فإن زميلا لها في مجال النشاط الحقوقي، أبلغه مسؤول أمني، أنه كان من المقرر تشديد الإجراءات، وأن تطاول كل الشباب من الجنسين، لكن جهاز الأمن لم يجد مبرراً قانونياً لفرض هذا الإجراء، فاقتصر الأمر على النساء بناء على قرار صدر في عام 2017، عن رئيس أركان مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في شرق البلاد.
تستدرك الحاسي: "من يشرف على تنفيذ هذا الإجراء بحق المسافرات هم من أفراد الجهاز الأمني الذين يحملون أفكاراً دينية متشددة. كنا نتطلع إلى توسيع الحريات لتشارك النساء في الانتخابات المقبلة. لكن وفق القرار الجديد، في حال قررت أي من النساء الليبيات المقيمات في الخارج دخول البلاد للمشاركة في الانتخابات، ستقابل بهذه الإجراءات لتقييد حريتها، وربما عرقلة وصولها". معتبرة أن "السكوت على هذا الإجراء، واستمرار تطبيقه، يمهد لإجراءات أكثر تشددا بحق النساء، ويرسخ النظرة الدونية للمرأة التي تسافر بمفردها، ومن جهة أخرى، يعمق التمييز الاجتماعي الموروث الذي يقلل من قدرات المرأة، ويعطي انطباعاً سيئاً للغاية عن المرأة الليبية، وكأنها قاصرة عن حماية نفسها".
من جهتها، وصفت عضو مجلس النواب، ربيعة أبوراس، الإجراء بأنه "احترازي"، وأنه اتخذ بهدف "التنظيم والحماية"، مؤكدة في تصريحات صحافية، عقب اجتماع عقدته عضوات بمجلسي النواب والدولة مع رئيس جهاز الأمن الداخلي، أنه "إجراء مؤقت إلى حين استصدار تشريعات تعالج القضايا الأمنية المتعلقة بالقاصرين، كما أن الغرض من الإجراء ليس المنع من السفر، أو وضع قيود على المرأة، بل فرضه الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد، وقلة الوعي الاجتماعي والقانوني"، بحسب قولها.
بدورها، قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (أهلية)، في بيان، إن الإجراء الأمني "لا يُعد انتهاكاً للحقوق"، مشيرة إلى أنه يأتي في سياق "التنظيم والمتابعة لحماية المجتمع من بعض الظواهر الهدامة، وأشكال من المخاطر الأمنية التي تُهدد شرائح عدة"، وأن رأي اللجنة جاء بعد مطالعتها للاستمارة المعدة من قبل جهاز الأمن الداخلي، وبعد التواصل معه لاستيضاح ملابسات وأسباب استحداث هذا النموذج الأمني.
من جانبه، دعا الحقوقي الليبي نعيم معيوش إلى عدم نقل القضية إلى حيز الجدل الديني في هذا الوقت الذي تخترق فيه بعض الأفكار المتشددة عدداً من أجهزة الدولة، وقال في تصريحات لـ"العربي الجديد": "علينا استنكار مثل هذا الإجراء من الناحية القانونية، فعلى أي التشريعات استند جهاز الأمن الداخلي لفرض هذا الإجراء؟ التشريعات الليبية لا تتضمن أي بند في أي قانون يمكن البناء عليه لاستصدار مثل هذا القرار، كما أن الجهاز يتبع الحكومة، وهي جهة تنفيذية وليست تشريعية".
يضيف معيوش: "هذا الإجراء يعيد إلى الأذهان القرار الذي أصدره الحاكم العسكري في شرق البلاد عام 2017، وفرضه بالقوة على المسافرات عبر مطارات الشرق، لكن ذلك القرار تم تجاوزه فعلياً، ولم يجد قبولاً حتى من الجهات التي ينبغي عليها تنفيذه في المطارات والمنافذ البرية، والسبب أن مستوى الوعي تجاوز إجراءات كهذه والتي أصبحت من الماضي، وأعتقد أن القرار الخاص بمطار معيتيقة سيلقى المصير ذاته".