نشطت جهات أمنية وعسكرية في القبض على متهمين في ارتكاب مجازر مقابر ترهونة التي مر عليها أكثر من ثلاث سنوات، ولا تزال الأجهزة الحكومية تكتشف المزيد منها وتستخرج أعداداً جديدة من بقايا الجثث. وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في طرابلس القبض على أحد أفراد مليشيا "الكانيات" التي كانت تسيطر على ترهونة، وفي مطلع الأسبوع الحالي، أعلن "اللواء 444" التابع لحكومة الوحدة الوطنية القبض على عنصر آخر من عناصر المليشيا، مؤكداً أن فرقه "تتبع كل الخيوط التي تكشف الجريمة، وكل من تورط في قضايا القتل والخطف بمدينة ترهونة مع عصابة (الكاني) الإجرامية".
ويقول محمد الزياني، وهو أحد ذوي ضحايا المقابر الجماعية، إن "العناصر المتورطة في جريمة المقابر تقبع في السجون من دون أن يعلن أي حكم بحقهم، ومن دون أن تعلن السلطات القضائية أي بيانات واضحة بشأن القضية على الرغم من تحولها لقضية رأي عام محلي ودولي".
و"الكانيات" مليشيا سيطرت على مدينة ترهونة منذ عام 2014، وشنت العديد من الهجمات المسلحة على العاصمة طرابلس، قبل أن تعد لهجوم مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس عامي 2019 و2020، وتنسحب منها إثر انكسار حملة حفتر، مخلفة عشرات المقابر الجماعية والمجازر.
وحتى منتصف العام الجاري، أفادت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، بأن "عدد الجثث التي جرى التعرف على هويات أصحابها ارتفع إلى 256، فيما بلغ عدد الجثث مجهولة الهوية التي انتشلت من المقابر الجماعية والفردية 333".
وفي وقت سابق، قال الناطق باسم الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، عبد العزيز الجعفري، لـ "العربي الجديد" إن هذه "الإحصائيات تثبت حجم القتل والتنكيل والتضييق الذي عاشه مواطنو ترهونة خلال سيطرة مليشيا الكانيات عليها والحرب التي شنّها حفتر".
ويقول الناشط الحقوقي فتحي العاشوري: "تقوم الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين بدورها في الكشف عن هويات الجثث وإبلاغ ذوي المفقودين، لكن المطالب تتعلق بإنهاء التحقيق في القضية، والحكم على الجناة، وهو ما تتراخى فيه السلطات. لذلك، فالتعويل على القضاء الدولي الذي سبق أن أصدر بطاقات إحضار وجلب وقبض على عدد من أفراد الكانيات".
وبعد أقل من عام على هزيمة مليشيات حفتر في طرابلس، أقدمت مجموعة مجهولة في يوليو/ تموز 2021، على اغتيال زعيم مليشيا الكانيات محمد الكاني، في بنغازي، وسط ظروف غامضة لم يكشف عنها، ما اعتبره العديد من الناشطين والمراقبين محاولة من قبل حفتر لإخفاء الأدلة المرتبطة بالشخصيات الرئيسية في المليشيا التي تجعل من قيادته متورطة في جريمة المقابر الجماعية.
وجاء إعلان وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، القبض على لطفي العلوي، وهو أحد أبرز عناصر مليشيات الكاني، ليعيد قضية المقابر الجماعية للواجهة. ويؤكد العاشوري لـ "العربي الجديد" أن هذا معطى جديد في القضية يشكل ضغطاً على السلطات القضائية للكشف عن مصير التحقيقات. يضيف: "قد يكون وراء القبض على العلوي مكاسب سياسية تتمثل في استثمار ملف المقابر من قبل طرف سياسي ضد آخر، لكنه مفيد في دعم القضية. فماذا بعد اعتقال العلوي؟ اعترافاته ستكشف عن المزيد من الأسماء المتورطة التي لا تزال تتنقل بحرية في مناطق سيطرة حفتر، ولم تعد هناك من حجة للقبض عليهم وجلبهم للعدالة".
يتابع العاشوري: "معلوم للجميع أن قضية المقابر مرتبطة بالفصائل والمعسكرات المتنافسة في البلاد، ولها جانب سياسي معقد. لكن القبض على العلوي سيزيد الضغط أيضاً على المحاكم الدولية التي شكلت لجاناً زارت ليبيا مرات عدة لتقصي حقائق قضية ترهونة وجريمة المقابر. هذه المحاكم أيضاً في دائرة الشبهات بإخفاء الأدلة ومطالبة بضرورة الكشف عنها. القبض على العلوي كان سبباً في تشجيع كثير من المسؤولين للدفع بالقضية نحو المحاكم الدولية، ومطالبة مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة لمحكمة الجنايات الدولية بالكشف عن أسماء المتورطين في جرائم مقابر ترهونة جاء متزامناً مع القبض على العلوي".
وفي مطلع نوفمبر الماضي، قال مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة الطاهر السني، خلال إحاطة أمام مجلس الأمن: "على الرغم من تقديرنا جهود مدعي الجنائية الدولية وفريقه، لكن لا جديد، فملف ليبيا بالمحكمة الجنائية الدولية يراوح مكانه منذ سنوات، واختلط الأمر بين الشعور بتعمد إطالة الوضع الراهن من جانب، وتسييس الأمر من جانب آخر"، مؤكداً أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، سلم ملف القضية للمحكمة "ولم نر أي نتائج، ولا نعرف سبب هذا البطء غير المفهوم؟".