تلقى خدمة الطبابة عبر الإنترنت التي أطلقها أطباء إقبالاً من المواطنين في ليبيا، في ظل تفشي كورونا في البلاد، وصعوبة التوجه إلى المستشفيات والعيادات الطبية في أحيان كثيرة، الأمر الذي أدى إلى تبنّيها رسمياً
فرض تفشّي وباء كورونا في ليبيا على المواطنين الإقبال على برامج "التطبيب عن بعد" التي أطلقها عدد من الأطباء الليبيين بالتعاون مع مجموعة من الناشطين، الأمر الذي دفع السلطات الصحية في البلاد إلى اعتماد التجربة بعد نجاحها. في هذا الإطار، أطلقت وزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني برنامج "التطبيب عن بعد" بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمات صحية دولية أخرى.
وقال مسؤولون في وزارة الصحة في مؤتمر صحافي تحت عنوان "التطبيب عن بعد في ليبيا"، إن البرنامج يهدف إلى استثمار "التكنولوجيا لربط المرضى مع الأطباء من دون الحاجة إلى تواجد كليهما في المكان نفسه، وذلك من خلال تبادل المعلومات الطبية والصحية إلكترونياً وبشكل مباشر".
وأشار بيان أصدرته الوزارة إلى أن المبادرة ستخفف الكثير من معاناة المرضى، منها عبء السفر والتنقل، خصوصاً لدى كبار السن والأشخاص الذين يعانون أمراضاً مزمنة ويحتاجون إلى رعاية ومراقبة صحية دائمة. وذكر أن المبادرة ستستفيد من تطبيق "سبيتار" (منصة طبية تهدف إلى ربط المرضى بالاستشاريين في مختلف التخصصات داخل البلاد وخارجها، بهدف التشخيص و المتابعة)، وبهدف تقييم التجربة ومدى تفاعل المرضى معها، خصوصاً بعدما أكد أطباء خاضوا التجربة بشكل طوعي نجاحها.
ورغم انتشار التطبيب عن بعد في العديد من الدول، توضح مريم دبية، وهي متطوعة ضمن برامج التوعية والتثقيف الصحي التي تقودها جمعية الهلال الأحمر الليبي، أنّ هذه البرامج برزت في ليبيا خلال تفشي كورونا في البلاد. ودفعت العزلة الاجتماعية التي فرضتها الجائحة، وحظر التجول، الكثير من المواطنين لاعتمادها.
وتلفت دبية إلى أن انتشار المجموعات والصفحات المتخصصة بمكافحة الفيروس على مواقع التواصل الاجتماعي، شكلت ظاهرة غير مسبوقة في ليبيا. وتقول لـ "العربي الجديد" إن إحدى تلك المجموعات الخاصة شارك فيها 12 طبيباً مع بدء تفشي الفيروس. ونتيجة للإقبال الكبير من الناس على طرح الأسئلة وطلب الإرشادات الصحية، عمد الأطباء إلى جدولة أوقات تواجدهم على المنصة. تتابع أن "المجموعة تمكنت خلال الأشهر الأربعة الأولى من انتشار الفيروس في البلاد من متابعة 43 حالة بشكل مباشر".
إلى ذلك، يقول الطبيب المتخصص في الأمراض الصدرية حاتم بن جمعة، إنّ المواكبة العلمية والطبية للفيروس من خلال الإنترنت لقيت إقبالاً كبيراً من الليبيين، خصوصاً المتابعين الذين يريدون التعرف على المرض الجديد وكيفية الوقاية منه وعلاجه". ويشدد، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، على أهمية المبادرة التي أطلقتها وزارة الصحة، واصفاً إياها بـ "الممتازة"، مضيفاً أن "القطاع الصحي متهالك وتفشي كورونا يخيف الناس، خصوصاً إذا ما اضطروا للتوجه إلى المستشفيات. لذلك، فإن المنصات الإلكترونية تعد أساسية لتجاوز العراقيل التي يعيشها القطاع الصحي".
ويتحدث بن جمعة عن تجربته أثناء مشاركته في إحدى الحملات الإلكترونية للوقاية من الفيروس، قائلاً: "كانت ظروف البلاد في أول أيام انتشار الفيروس أكثر صعوبة، في ظل النقص في غرف العزل. لذلك، اضطر غالبية مرضى الفيروس إلى عزل أنفسهم في البيوت واستفادوا بشكل كبير من المتابعة الطبية عبر الإنترنت"، لافتاً إلى أنه اضطر وزملاءه من الأطباء المتطوعين الى تصوير فيديوهات تبين طريقة التعامل مع الصعوبة في البلع وكيفية الاستلقاء الصحيح للحصول على كمية جيدة من الأكسيجين".
ورغم التفاؤل الذي يبديه بن جمعة، إلا أن دبية تتحدث عن صعوبات قد تواجه المبادرة، موضحة أن "حالات عدة في السابق لم تستفد من هذه الخدمة بسبب ضعف البنية التحتية لشبكة الإنترنت في ليبيا"، مؤكدة أن عدداً من المناطق في الأرياف والقرى لا تتوفر فيها شبكات إنترنت، ما اضطر الأطباء والمرضى إلى تبادل المعلومات والنصائح عبر الاتصالات الهاتفية.
من جهة أخرى، يتحدث بن جمعة عن أهمية الحديث المباشر عبر منصات التواصل الاجتماعي بين المريض والطبيب، لافتاً إلى أن الجانب النفسي يعدّ أساسياً للمريض بالفيروس. إذ إن المريض بالفيروس قد يعاني من الخوف والقلق من الموت. يضيف أن البعض أصيب بالاكتئاب نتيجة الخوف الزائد. لذلك، يشدد على أهمية تطوير ودعم الخدمات الإلكترونية في البلاد، في ظل تراجع قدرة المراكز الصحية على استيعاب الأعداد الكبيرة من المصابين بالفيروس.
ويطمح بن جمعة إلى أن يساهم التطبيب عن بعد في رفع مستوى القطاع الصحي في البلاد والمساعدة في تجاوز العراقيل الكثيرة التي فرضتها الحرب. ويقول إن بعض الأشخاص يعانون أمراضاً مزمنة، ويحتاجون إلى مراقبة فورية ومتواصلة. وهؤلاء قد يستفيدون بشكل كبير من التطبيب عبر المنصات الإلكترونية، خصوصاً إذا كانوا يقطنون في مناطق بعيدة أو في مناطق توتر وحرب"، مشيراً إلى أن هذا النوع من الخدمة الذي يسهل الحصول على الرعاية الصحية وأساليب الوقاية يساهم في الحد من الميزانيات الضخمة التي يتوجب على الحكومات تأمينها.