كثيرون هم الليبيون الذين يعمدون إلى الحجر المنزلي عند إصابتهم بفيروس كورونا الجديد بدلاً من مراكز العزل الحكومية، بسبب انهيار الوضع الصحي واضطرار مناطق عدّة إلى إغلاق مراكزها. ومنذ بداية العام الجاري، أعلنت بلديات عدّة، من بينها بلديتا الزهراء وصرمان في غرب طرابلس وبلدية حيّ الأندلس في وسطها، عن إغلاق مراكز العزل فيها بعد تكدّس المصابين فيها وعجزها عن استيعاب مزيد من الأعداد. كذلك أعلنت بلدية سبها، جنوب غربي ليبيا، عن إغلاق عدد من مراكزها بسبب النقص الحاد في وقود تشغيل المولدات الكهربائية، وسط انقطاع مستمر في التيار الكهربائي بسبب أزمة الطاقة التي تعانيها البلاد. من جهتها، لفتت بلديات في الجبل الغربي (شمال غرب) إلى أنّ سبب إغلاقها لمراكزها على مدى أسابيع، في خلال الفترة ذاتها، يعود إلى نقص حاد في المواد التشغيلية والكوادر الطبية.
مصطفى الحازمي أصيب بالفيروس في الشهر الماضي ولجأ إلى مركز عزل في مدينة زليتن الواقعة شرق العاصمة طرابلس. يصف الوضع هناك بأنّه "مزرٍ"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أنّه اضطر إلى "مغادرة مركز العزل في اليوم الذي تلا وصوله بسبب الازدحام الشديد وعدم توفر أيّ متابعة طبية". يضيف الحازمي "كنت أعاني ضيقاً في التنفس إنّما غير شديد، فارتأيت بالتالي عزل نفسي في مزرعة لي في ضواحي المدينة، حيث ساعدني الهواء النظيف في تجاوز المرض"، مؤكداً أنّ "الوضع كان أفضل بكثير ممّا عشته في مركز العزل". ويتابع الحازمي أنّه "إلى جانب الازدحام، كان ثمّة عجز في ما يتعلق بأنابيب الأكسجين، علماً أنّ مستشفى المدينة يشتري قسماً كبيراً منها بأموال المتبرعين".
لكنّ ما قام به الحازمي ليس بديلاً متاحاً أمام الجميع، بحسب ما تؤكد الطبيبة سوسن الهازل من مركز عزل معيتيقة في طرابلس، مشيرة من جهة أخرى إلى أنّ "أعداد الإصابات الأعلى تتركز في المدن الكبرى وفق إحصاءات المركز الوطني لمكافحة الأمراض (حكومي)". وبالإضافة إلى تركز الكثافة السكانية في المدن الكبرى، تقول الهازل لـ"العربي الجديد" إنّ "تلك المدن هي الأكثر عرضة لانتشار العدوى إذ إنّها تضمّ المنافذ الرئيسية التي تستقبل الوافدين من الخارج، من قبيل المطارات".
وتُعَدّ سبها من بين تلك المدن الكبرى، لكنّ مركز العزل الرئيسي فيها يعاني نقصاً حاداً في الكوادر الطبية بحسب ما يقول الطبيب يوسف المحروق من مستشفى سبها العام. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "قد نتمكّن من تجاوز عوائق آنيّة، فنوفّر الكهرباء من خلال المولدات مثلاً أو نجمع التبرعات لشراء الأكسجين، لكنّنا لا نستطيع إجبار طبيب على العمل إذا لم نوفّر له ملابس وقائية وراتبه المتوقف منذ خمسة أشهر".
من جهة أخرى، بعدما أصيب كل أفراد أسرة يونس سهيك بالعدوى، ترك سبها وعمد إلى عزلهم في استراحة في ضواحي المدينة. ويخبر "العربي الجديد" أنّه اكتشف الفيروس في وقت متأخر، "وبعدما صار واقعاً في داخل أسرتي، اتفقت هاتفياً مع مكتب عقارات لاستئجار استراحة بهدف عزل نفسي وأفراد أسرتي، وقد بقيت بتواصل دائم مع طبيب من أقربائي". ويشير سهيك إلى "رفض اقتراحات كثيرين من أصدقائي بالانتقال إلى مركز العزل في المدينة". فالمخاوف كانت كبيرة، لا سيّما مع الشائعات التي تحكي عن وفاة بعض المصابين بسبب الإهمال الطبي وعدم توفر الإمكانيات.
بالنسبة إلى المحروق، فإنّ "اعتقاد سهيك وغيره من المواطنين بأنّ المرض لا يحتاج إلى أكثر من هواء نظيف لتجاوزه والشفاء منه، أمر غير دقيق، لكنّنا في ظلّ العجز الذي نعيشه في مراكز العزل لا نستطيع أن نقدّم حتى النصيحة للمصابين. لو استجاب أحدهم وقصد مركزاً، هل سيجد فيه سريراً له؟". يُذكر أنّه قبل توجّه بلديات عدّة إلى إغلاق مراكز للعزل فيها، حذّرت منظمة الصحة العالمية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من انعكاسات إغلاق مراكز العزل الصحي، من بينها أربعة في الجنوب الليبي اضطرت إداراتها إلى إغلاقها كلياً بسبب النقص في الموظفين وفي معدات الوقاية الشخصية والمعدات الأخرى والإمدادات الضرورية.
ولا تخفي الهازل أنّ "الأطباء يطلبون من مصابين كثيرين عزل أنفسهم ذاتياً لتجنيب مراكز العزل مشاهد تكدّس المرضى"، موضحة أنّ "هذا الطلب يستهدف في العادة المصابين الذين لا يعانون أمراضاً أخرى قد تؤدّي إلى إصابتهم بمضاعفات عند التقاط عدوى كورونا". وبينما تطالب الهازل السلطات بـ"تشكيل فرق طبية لزيارة المصابين في بيوتهم كإجراء من شأنه تخفيف المعاناة التي تواجهها مراكز العزل"، تطالب كذلك بأن "يكون العزل المنزلي بقرار طبي، إذ إنّ اتخاذ المصاب القرار بنفسه خطأ قد يراكم نتائج خطيرة". ولا تقتصر خطورة النتائج على المصاب بل على مخالطيه كذلك، وتشدّد الهازل على أنّه "يتوجّب على المصاب اتباع نصائح خاصة بشأن طريقة مخالطته في الأيام الأولى من شفائه، على أن يكون التأكد من شفائه على يد طبيب"، مشيرة إلى أنّ "كثيرين ممّن يعزلون أنفسهم يكتفون بمرور أسبوعَين على إصابتهم بالعدوى واختفاء الأعراض ليعدّوا أنفسهم متعافين".