لا يزال عشرات آلاف النازحين الليبيين يطالبون السلطات بإعادتهم إلى مناطقهم، بعد أكثر من عامين على انتهاء الحروب وتوقيع الأطراف المتنازعة اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
ووفقا لتقارير أممية، فإن نحو 10 آلاف نازح عادوا إلى بيوتهم خلال العام الماضي، من أصل 159 ألف نازح هم العدد الإجمالي للنازحين داخل البلاد، من بينهم قرابة 40 ألفاً نزحوا من مدينة تاورغاء وحدها في 2011، وعاد إليها عدد كبير من النازحين وفقا لإعلان حكومي بدأ تنفيذه في فبراير/شباط 2018، لكن الدمار الواسع في المدينة، وعجز الحكومات المتعاقبة عن إعادة الإعمار، يمنعان كثيرين من العودة.
وتنتمي الغالبية العظمى من النازحين الليبيين إلى المناطق التي شهدت حروباً ضارية بين أطراف النزاع خلال السنوات الماضية، ومن بينها بنغازي وأجدابيا ودرنة في الشرق، ومرزق وأوباري في الجنوب، بالإضافة إلى أعداد أقل من النازحين من مناطق جنوبي العاصمة طرابلس التي تعرضت لمحاولة اقتحام فاشلة.
وأكدت المنظمة الدولية للهجرة، في نهاية فبراير الماضي، عملها على توفير الاحتياجات الأساسية للنازحين، في حين يرجع مركز "مدافع" لحقوق الإنسان (غير حكومي)، أسباب استمرار النزوح إلى "غياب الإرادة السياسية للحكومات المتعاقبة منذ الثورة".
ويقول الناشط الحقوقي، حسام بو فارس، لـ"العربي الجديد": "كل ما يثار ضمن حلول الأزمة السياسية لا يزال بعيداً عن تشخيص عمقها، أو العمل على معالجة آثارها، وفي القلب منها النازحون. نزح الناس من درنة وبنغازي وأجدابيا لأسباب تتعلق بقرابتهم من رافضي العسكرة في شرق البلاد، وما دام هذا الطرف مسيطراً هناك ستستمر المعاناة، وفي الجنوب والغرب أيضاً، لا يستطيع النازحون العودة إلى بيوتهم بسبب من يسيطرون على مناطقهم".
في الأول من مارس/آذار، منعت مليشيا تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، 200 شخصية ليبية من عقد اجتماع في منطقة تمنهنت القريبة من سبها (جنوب)، وحسب وسائل إعلام محلية، فإن شخصيات عدة قدمت من مختلف المناطق لمناقشة حلحلة قضية نازحي منطقة مرزق، والعمل على عقد مصالحة بين الأهالي لتسهيل عودة النازحين.
ويوضح بو فارس أن "الاجتماع دعا له مجلس حكماء وأعيان الجنوب، وقوبل باستجابة واسعة، وكان من المقرر أن يستمع المشاركون إلى تفاصيل نزوح العشرات من أسر مرزق، ثم يعملوا على إنهاء تلك المعاناة. لكن المليشيا المسيطرة على مطار تمنهنت، منعت هبوط طائرة كان تقلّ 100 شخصية ليبية حضرت للمشاركة في الاجتماع، ما اضطرها إلى الرجوع، وتلك المليشيا كانت على اتصال بالمسلحين التابعين لحفتر المسيطرين على مرزق منذ عام 2019".
وإضافة إلى نازحي مرزق وتاورغاء، هناك مئات الأسر التي تعيش نزوحاً قسرياً بسبب فقدان منازلها في درنة وبنغازي وجنوبي طرابلس، لكن أوضاعها أفضل من مهجري تاورغاء ومرزق الذين يعيشون في مخيمات، وكثيراً ما يتعرضون لأوامر من المليشيات بضرورة إخلاء تلك المخيمات، من دون توفير أي بديل لهم.
ويقول علي بن سوارة، وهو نازح من مرزق يقيم في مدينة سبها، لـ"العربي الجديد": "اضطرتني ظروف النزوح للعيش في شبه بيت تم بناؤه بشكل عشوائي في حي الطيوري، ولو استطعت توفير بديل لأسرتي لما عشت فيه. أبلغني أفراد إدارة إنفاذ القانون بضرورة إخلاء هذا المسكن على خلفية أوامر صدرت عن النائب العام في نهاية فبراير الماضي، بإزالة العشوائيات في الحي".
وكررت الحكومات الليبية المتعاقبة، وآخرها حكومة الوحدة الوطنية، عزمها بدء عمليات إعمار في المدن المدمرة بسبب الحروب، وتدشين صناديق مخصصة لإعادة الإعمار في المدن الكبرى، خصوصاً بنغازي وطرابلس وسرت.
في المقابل، يؤكد النازح بن سوارة أن "هذه المشاريع تستهدف مساعدة من دمرت منازلهم بالفعل، وهم بالطبع جزء من أزمة النزوح، لكن نحن بيوتنا قائمة في مدننا، وما يمنعنا من العودة إليها هو رفض المسيطرين على تلك المدن، فقضيتنا تتعلق بالمصالحة الاجتماعية، وغالبيتنا لا تريد الحصول على تعويضات، أو تطلب دعماً لإعادة البناء لأن مساكننا ليست مدمرة".