عرفت لفيف، أكبر مدينة في غرب أوكرانيا، على مدى تاريخها الممتد، كمركز علمي وثقافي في المنطقة، وكمهد للقومية الأوكرانية، وذاع صيتها عالمياً خلال الأشهر الأخيرة بعدما تحوّلت إلى الوجهة الرئيسية للنازحين الهاربين من أتون الحرب التي تشنها روسيا في المناطق الشرقية.
تقدّر سلطات المدينة وصول أكثر من 5 ملايين لاجئ ونازح خلال الأيام الـ100 الأولى من الحرب، وبقاء أكثر من مليونين منهم لفترات، فيما قرر 150 ألفاً البقاء بشكل دائم.
يقول الباحث في الشؤون الأوكرانية قسطنطين سكوركين، لـ"العربي الجديد"، إن "تدفق النازحين من المناطق الناطقة باللغة الروسية إلى لفيف تسبب في توترات مع السكان المحليين الناطقين بالأوكرانية"، ويشير إلى أن لفيف "كان لها السبق في نزع الشيوعية بعد نيل أوكرانيا استقلالها، إثر تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991".
يتابع: "بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا هذا العام، تحوّلت لفيف من مركز سياحي أوكراني بارز إلى مركز لتدفق اللاجئين من أنحاء البلاد. وساعد سكانها مواطني بلادهم، لكنهم عانوا من مشاكل الكثافة السكانية المفرطة، ما وترّ الوضع. وحدثت أحياناً مناوشات لغوية، لأن لفيف مدينة ناطقة بالأوكرانية، بينما يتحدث العديد من النازحين من الشرق بالروسية. وعموماً يتضامن الأوكرانيون بعضهم مع بعض اليوم ويتوحدون في تطلعهم إلى حماية بلادهم من العدوان".
وألمحت صحيفة "لوموند" الفرنسية في نهاية يوليو/ تموز الماضي، إلى أن "لفيف لا تبدي دائماً تسامحاً تجاه السكان الذين يتحدثون بلغة فلاديمير بوتين". ونقل كاتب التقرير أنه شاهد لافتات في لفيف تورد "تحدثوا الأوكرانية. اللغة مهمة".
ونالت لفيف منذ الحقبة السوفييتية سمعة تضمنت بعض المبالغة، باعتبارها مدينة تتسم برهاب الروس، وهو ما يعلق عليه سكوركين بالقول: "كانت لفيف مركزاً للحركة القومية، علماً أنها لم تكن حتى عام 1939 جزءاً لا من روسيا ولا من الاتحاد السوفييتي، لذا كان ينظر سكانها إلى الروس على أنهم غرباء.
بعد عام 1991، سقطت نزعة الشيوعية والروسية في لفيف بسرعة، لأن سكانها يملكون أمزجة قومية، وتطلعات لبناء كيانهم الخاص، وهذا هو الفارق تحديداً بين لفيف وباقي أنحاء أوكرانيا التي كانت تتبنى مواقف أكثر إيجابية حيال روسيا حتى عام 2014".
تعود أولى المستوطنات في الموقع الحالي لمدينة لفيف إلى القرن الخامس الميلادي، وتطورت إلى بلدات حضرية بحلول القرن السابع أو الثامن، ثم قطعت المدينة منذ ذلك الحين مسيرة تاريخية طويلة انتقلت خلالها من سيادة دولة إلى أخرى.
يلخص سكوركين أهم المحطات قائلاً: "تملك لفيف تاريخاً طويلاً ومعقداً يختلف عن تاريخ باقي أنحاء أوكرانيا. عندما كان الجزء الأكبر من الأراضي الأوكرانية يتبع للإمبراطورية الروسية، كانت لفيف جزءاً من النمسا - المجر. وبعد تفكك الإمبراطورية الروسية انضم الجزء الأكبر من أوكرانيا إلى الاتحاد السوفييتي، بينما أصبحت لفيف جزءاً من بولندا. ترك كل ذلك بصمة على المدينة التي باتت في روحها أقرب إلى مدن وسط وشرق أوروبا، مثل كراكوفيا في بولندا، وبراتيسلافا عاصمة سلوفاكيا، وبودابست عاصمة المجر".
ويشير إلى أنه "في نهاية القرن التاسع عشر، تحوّلت لفيف إلى مركز للحركة القومية الأوكرانية بفضل النظام الأكثر ليبرالية في النمسا - المجر، فبات أوكرانيو الإمبراطورية الروسية ينظرون إليها كنموذج يحتذى".
وحول المسار بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، يذكر سكوركين أن "لفيف لم تصبح مدينة أوكرانية بالكامل إلا بعد هذه الحرب العالمية، إذ كانت غالبية سكانها سابقاً من البولنديين واليهود الذين قضوا في الهولوكوست، بينما هجّر الزعيم السوفييتي حينها جوزف ستالين البولنديين بعد الحرب. بعد ضم لفيف إلى الاتحاد السوفييتي، استمرت مقاومة القوميين الأوكرانيين طويلاً، وبعدما نالت أوكرانيا استقلالها، تحوّلت لفيف إلى مركز للنهضة القومية".
وتحدد البيانات الرسمية الأوكرانية عدد سكان لفيف بنحو 718 ألفاً في بداية العام الحالي، ما يضعها في المرتبة السادسة بين أكبر مدن البلاد.
وتزخر المدينة بمعالم تاريخية وثقافية وسياحية ودينية، وبينها الكاتدرائيتان اللاتينية والدومينيكية، وبرج مبنى البلدية الذي يسمح بالاستمتاع ببانوراما المدينة من أعلى، وأدرج وسط المدينة الذي يسمى محليا "المدينة القديمة"، منذ عام 1998، على قائمة اليونسكو للتراث العالمي".
وباعتبار أن المسافة من لفيف إلى الحدود الأوكرانية البولندية لا تتجاوز 100 كيلومتر، باتت المدينة محطة رئيسة في طريق اللاجئين الأوكرانيين المتجهين نحو الاتحاد الأوروبي. وقد تعرضت إلى قصف صاروخي روسي مرات، رغم أنها تقع بعيداً عن مناطق القتال في شرقي أوكرانيا.