حاول أربعة موقوفين سوريين في لبنان الانتحار، في سجن رومية المركزي الأكبر في البلاد، من خلال شنق أنفسهم مستعينين بأغطية، وذلك وسط مخاوف من إجراءات السلطات اللبنانية في ما يخصّ الترحيل وتسليم المعارضين السوريين إلى النظام في سورية.
وأفاد مصدر أمني "العربي الجديد" بأنّ "أربعة أشخاص حاولوا شنق أنفسهم، يوم السبت الماضي، وهم شقيقان وقريبان لهما. وقد أقدموا على هذه الخطوة إثر تبلّغهم تسليم أحد المعارضين إلى النظام السوري قبل أيام". أضاف المصدر أنّ "العناصر الأمنية تدخّلت، ونُقل السجناء إلى المستشفى حيث تلقّوا العلاج وحالاتهم مستقرّة".
وأوضح المصدر الأمني نفسه أنّ "عدد السجناء السوريين في مختلف سجون لبنان يبلغ نحو 1800، إلى جانب موقوفين في مراكز الاحتجاز والنظارات"، مشيراً إلى أنّه "لا يمكن تركهم في السجون التي تعاني أصلاً من مشكلات على صعيد الاكتظاظ وأزمات الإمدادات الغذائية والدواء وما إلى ذلك".
في الإطار نفسه، قال مدير عام مركز "سيدار" للدراسات القانونية المحامي محمد صبلوح لـ"العربي الجديد"، إنّ "أربعة موقوفين حاولوا الانتحار في سجن رومية، يوم السبت الماضي، احتجاجاً على تسليم السلطات اللبنانية المعارض معاذ الوعر، وهو شقيق موقوفَين اثنَين من الأربعة الذين حاولوا الانتحار، إلى النظام السوري". وأكد أنّ "ثلاثة من هؤلاء السجناء نُقلوا إلى المستشفى لتلقّي العلاج، وحالاتهم مستقرّة الآن".
أضاف صبلوح أنّ "المشكلة تكمن في أنّ الترحيل يجري بطريقة عشوائية في غالب الأحيان، علماً أنّ عدد المعارضين السوريين في السجون اللبنانية لا يتعدّى 400 معارض"، لافتاً إلى أنّه "من غير الممكن تسليمهم إلى النظام في سورية، لأنّ هذا الإجراء يعرّضهم لخطر الموت والتعذيب، ولأنّه يخالف كذلك المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي وقّع عليها لبنان في العام 2000".
وبحسب المادة 3 من الاتفاقية المذكورة، "لا يجوز لأيّ دولة طرف أن تطرد أيّ شخص أو تعيده أو أن تسلّمه إلى دولة أخرى، إذا توفّرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنّه سوف يكون في خطر التعرّض للتعذيب".
ورأى مدير عام مركز "سيدار" للدراسات القانونية أنّ "التذرّع بارتفاع عدد الموقوفين من التابعية السورية لا يمكن أن يبرّر تسليم المعارضين الذين يمثّلون نسبة ضئيلة جداً من مجموع السجناء"، محذّراً من "خطورة هذه الإجراءات التي تنعكس سلباً وبطريقة مقلقة على السجناء المطلوبين للنظام السوري".
وبيّن صبلوح: "أوقفنا أكثر من عملية ترحيل كانت السلطات اللبنانية سوف تلجأ إليها، وذلك بعد ضغط إعلامي وتحرّك من أجل منع هذه الخطوة نظراً إلى انعكاساتها الخطرة على هؤلاء"، مشدّداً على أنّ "ثمّة معايير يجب اتّباعها، فلا يجوز مثلاً تسليم موقوف والده ضابط منشقّ إلى النظام السوري، إذ بذلك نعرّضه لخطر التعذيب والموت".
ولفت صبلوح إلى أنّ "في ملف معاذ الوعر، كنّا قد تقدّمنا بكتاب إلى الأمن العام اللبناني ومدّعي عام التمييز بعدم جواز ترحيله، إذ إنّه معارض للنظام السوري. وعند المراجعة، أُبلغنا بأنّ القضية قيد الدرس. لكنّنا فوجئنا بأنّه اقتيد إلى الحدود وسُلّم إلى النظام في سورية، الأمر الذي تسبّب في خوف بين السجناء، ولا سيّما أقاربه الذين حاولوا شنق أنفسهم، وقد فضّلوا الموت في لبنان على تسليمهم إلى النظام".
وتمنّى صبلوح على المدير العام للأمن العام "إعادة النظر في قضايا الترحيل، ومراعاة الإجراءات الإنسانية، ودراسة كلّ ملف بصورة مستقلة لأنّ الأسلوب العشوائي المتّبع يمثّل فضيحة في انتهاك حقوق الإنسان".
وسبق أن حذّرت منظمات لبنانية ودولية من عمليات ترحيل مئات السوريين التي تقوم بها السلطات اللبنانية بموجب إجراءات موجزة إلى بلادهم، حيث يواجهون خطر الاضطهاد أو التعذيب. وبالنسبة إلى المنظمات، فإنّ ترحيل السوريين بإجراءات موجزة من قبل الجيش اللبناني ينتهك بوضوح القانون اللبناني الذي يتطلّب إجراء عمليات الترحيل من خلال سلطة قضائية، أو في حالات استثنائية بقرار من المدير العام للأمن العام بناءً على تقييم ظروف كلّ فرد.