تؤثر الأزمات الخانقة التي يمرّ بها لبنان على الطبقات متوسطة الدخل والفقيرة، وكذلك على اللاجئين الفلسطينيين الذين يجدون أنفسهم بعدما تركوا وطنهم طلباً للأمن والأمان بالدرجة الأولى ينحدرون نحو الفقر المدقع، ويصارعون الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية. ويزيد المشاكل فقدانهم المرجعية الرسمية التي تعتني بشؤونهم، وخضوعهم لقيود تحرمهم من التوظيف في مهن عدة.
وتؤكد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أنّ حوالي ثلاثة أرباع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر ويتخبطون في مشاكل انعدام الأمن الغذائي، علماً أن أكثر من 200 ألف منهم يتواجدون في 12 مخيماً مكتظاً في أرجاء لبنان الذي بات غير آمن لهم بسبب الانهيارات السياسية والاقتصادية وتراجع القوة الشرائية وأزمة ارتفاع سعر الدولار.
تقيم حوالي 330 عائلة فلسطينية في مخيم مار الياس ببيروت، وهو أصغر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بمساحة نصف كيلومتر مربع. ومعظم رجال المخيم عمال في مؤسسات صغيرة، بينما تزاول بعض النساء أعمال الخياطة أو تنظيف البيوت. ما يعني أن مواردهم شحيحة لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، لذا ينام بعض أطفالهم من دون تناول طعام العشاء.
تقول اللبنانية زينب المتزوجة من فلسطيني وتقيم في مخيم مار الياس لـ"العربي الجديد": "زوجي مريض بالسكري ولا يقوى على العمل، وأنا لا أستطيع أن أتركه وحده من أجل شغل وظيفة بعدما بترت قدمه بسبب المرض، في حين يحتاج دائماً إلى أدوية، والتي بات من الصعب أن أؤمنها له بعد رفع الدعم عنها، والذي رفع من سعرها". تتابع: "لا أعرف كيف أتعامل مع هذا الواقع، وإلى من ألجأ، إذ قدمت بلا نتيجة طلباً للحصول على مساعدة من "برنامج الأونروا للشؤون الاجتماعية للفقراء"، ما حتم ترك ابنتي الوسطى التعليم للعمل في مطعم كي تؤمن القسط الجامعي لأختها التي تكبرها بأعوام، وتساهم في مصروف البيت".
من جهتها، تقول فاطمة وهي أرملة وأم لخمسة أطفال، تقيم في مخيم مار الياس وتعمل في تنظيف البيوت: "لم أعد أستطيع تحمل الأعباء الكبيرة الملقاة على كتفيّ. أغادر البيت منذ ساعات الصباح الأولى لتأمين قوت أولادي والاحتياجات اليومية، لكن دخلي اليومي لا يتعدى مبلغ شراء وجبة طعام للغداء، وتأمين احتياجات الأولاد من قرطاسية وملابس وحقائب للمدرسة، علماً أنني أصلحت لهم الزي القديم وطلبت منهم ارتداءه، وقمت بخياطة حقيبتي مدرسة لابنتيّ من فستان قديم قصصته، أما الصبيان فيحملون كتبهم في أيديهم".
تضيف: "يذهب أولادي إلى المدرسة سيراً على الأقدام، ومن دون امتلاك أي مصروف في جيبهم، فنحن بتنا تحت خط الفقر بسبب ما نعانيه من ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية، ولم نعد نستطيع شراء أبسط الأمور".
أما خديجة التي تقيم مع عائلتها في مخيم مار الياس وتعمل في مستوصف بالمخيم كي تساعد زوجها في تأمين مصاريف البيت، فتخبر "العربي الجديد": "لم نعد نستطيع شراء اللحوم والدجاج فقد باتت من الكماليات بالنسبة لنا ونتعامل معها كأنها غير موجودة. صرنا نتغذى من الخضروات والبقوليات التي ارتفعت أسعارها جداً، ما يجعلنا نبحث عن الأقل تكلفة، فمثلاً لا أستطيع شراء الكوسى التي يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منها 20 ألف ليرة لبنانية (حوالي الدولار)، علماً أن عائلتي تضم سبعة أولاد، وتحتاج بالتالي إلى خمسة كيلوغرامات على الأقل لتناول وجبة واحدة منها". وتؤكد خديجة أن "تناول ثلاث وجبات يومياً أمر شبه مستحيل. وقد ألغينا وجبتي الفطور والعشاء، والأخيرة لا يتناولها الأولاد أحياناً قبل الخلود للنوم".
من جهته، يقول عبد الرحمن، وهو أب لثلاثة أطفال أصغرهم في عامه الأول ويحتاج إلى الحليب والحفاضات، ويقيم في مخيم مار الياس ويعمل في السباكة: "لا يتوفر الشغل في كل الأوقات، وإذا حالفني الحظ ووجدت فرصة عمل لا يتخطى أجري اليومي 50 ألف ليرة لبنانية (دولارين تقريباً)، والذي لا يكفي لشراء علبة حليب لابني الصغير، فكيف أستطيع تأمين الحفاضات لطفلي والمواد الغذائية لعائلتي، ومتطلبات الروضة لابنتيّ الصغيرتين؟ من الصعب تأمين أقل احتياجات العائلة، وأشعر بأنني عاجز أمام طلبات زوجتي وأولادي، وأحياناً تدمع عيناي عندما أرى عيون طفلتي اللتين تنظران إلى أكياس الشيبس (بطاطس مقرمشة) في دكان السمانة الصغير قرب بيتنا، وأنا لا أستطيع أن أشتريها لها، ولا أعلم إلى متى سأستطيع الاستمرار في هذا الوضع، فالغلاء يفوق قدرتنا على التحمل. وربما لو كان عملي دائماً لكان وضع حياتنا أفضل، حتى ولو بدرجة قليلة".