لبنان: أطفال بلا أدوية مهددون دراسياً

26 مايو 2022
أطفال لبنان في مأزق انقطاع الدواء (أندريا كامبيانو/ Getty)
+ الخط -

بين 8 و12 في المائة من أطفال لبنان يعانون مرض اضطراب فرط الحركة ونقص التركيز (ADHD)، باتوا اليوم مهدّدين بتشتّت تركيزهم وضياع مستقبلهم الأكاديمي، في ظلّ انقطاع أدوية العلاج منذ ثلاثة أشهر على الأقل. أزمة حقيقية تطاول أولئك الأطفال على مشارف الامتحانات الفصلية الأخيرة وامتحانات الشهادة الرسمية واختبارات اللغة والقبول في الجامعات، ما ينذر بعواقب وخيمة وعجز عن إجراء أيّ امتحان خطّي أو شفهيّ بالكفاءة والمعدّلات التي اعتادوا الحصول عليها خلال مواظبتهم على العلاج.
الحال نفسها تنسحب على أدوية الاضطرابات النفسيّة والعصبيّة وأدوية داء الصرع، سواء للصغار أو الكبار، فمعظمها مفقود، تماماً كما أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية. ورغم تخصيص مجلس الوزراء اللبناني قبل أيام 35 مليون دولار شهرياً للأشهر الأربعة المقبلة، لشراء أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة والسرطانية ومستلزمات طبية وحليب ومواد أولية لصناعة الدواء، يطرح السؤال ماذا بعد انقضاء الأشهر الأربعة ونفاد الكميّة، وكيف يمكن أن ينتظر مريض الدواء ولا ينضبط سلوكه وحياته سوى بالعلاج، تحويل أموال لاستيراد الدواء؟

وفي اتصالٍ لـ"العربي الجديد"، يلفت وزير الصحة فراس الأبيض، إلى أنّ "أدوية الاضطرابات النفسيّة والعصبيّة وفرط الحركة تندرج ضمن تلك المدعومة التي سلكت طريق الحل للأشهر الأربعة المقبلة". ويؤكد أنّ "النقص في الأدوية يشمل عادةً أكثر من مستشفى، علماً أنّها لم تنقطع، لكن كمياتها قلّت، أما الأدوية الحيوية فيجري العمل لتأمينها".
من جهته، يكشف طبيب الاضطرابات النفسيّة لدى الأطفال والمراهقين ورئيس قسم الطب النفسي في مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت، الدكتور فادي معلوف، لـ"العربي الجديد" أنّ "أدوية الأمراض العصبيّة للصغار والكبار مفقودة، كما أنّ الدواء الأساسي الأكثر فعاليّة واستخداماً لعلاج فرط الحركة وقلّة التركيز غير متوفر بالكامل منذ ثلاثة أشهر على الأقل. وقبل ذلك كان الأهالي يواجهون صعوبة في العثور عليه، علماً أنّ هذه الأدوية قليلة جداً أصلاً في لبنان مقارنةً بدول أخرى، وتراقبها وزارات الصحة في كل دولة، ولا يمكن الحصول عليها من الخارج بلا وصفات طبية. لذا انحصر الحل في سفر العائلات المقتدرة وحدها إلى الخارج برفقة المريض لجلب الدواء، علماً أن لا بديل للدواء الأساسي، فهناك فقط دواء يمكن استخدامه لفئات عمريّة معيّنة، ولا يتجاوب العديد من الأطفال معه". 

الصورة
يواجه الأهالي صعوبات في العثور على أدوية (كريستينا عاصي/ فرانس برس)
يواجه الأهالي صعوبات في العثور على أدوية (كريستينا عاصي/ فرانس برس)

ويحذّر معلوف من أنّ فقدان الأدوية الأساسية يتسبب في تدهور التحصيل العلمي والأداء الأكاديمي للمرضى الأطفال، ويعرضهم لصعوبات سلوكية مع تزايد حركتهم في الصف. والأهمّ أنه يشتّت تركيزهم وثقتهم بأنفسهم ويجعلهم عاجزين عن متابعة الامتحانات التي يرتكبون أخطاءً كثيرة فيها. والمعاناة تطاول الأهالي والأساتذة، لكنّ الأطفال يدفعون ثمن فقدان الأدوية الأساسيّة التي طالما أثبتت فعاليّتها، وساهمت في تغيير حياتهم جذرياً".
ويشير إلى أنّ "المرض يشمل في شكل أكبر أطفال الفئات العمريّة في المرحلة الدراسية الذين تتراوح أعمارهم بين 7 أعوام و12 عاماً. وهو شبه مزمن، حيث يتخطاه أقلّ من نصف المرضى في أوائل سن الرشد، ويرافق الباقين حتى المرحلة الجامعية لكن بحدة أقل، كونهم يكتسبون مهارات للسيطرة عليه". 
ويبدي معلوف قلقه من تهافت الأهالي على شراء الدواء وتخزينه لدى وصوله إلى البلاد خوفاً من انقطاعه مجدداً، وذلك بغرض استخدامه بداية العام الدراسي المقبل، بعدما ذاقوا اللّوعة.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يسرد اختصاصي طب الدماغ وداء الصرع عند الأطفال في مستشفى القديس جاورجيوس ببيروت الدكتور غسان حميمص، الواقع المأساوي، قائلاً: "يعاني عدد هائل من الأطفال من اضطراب فرط الحركة ونقص التركيز، والأدوية مقطوعة والامتحانات على الأبواب. تراجعت معدلات بعض التلاميذ، وهم مهدّدون بالرسوب، فيما ظهرت لدى آخرين تصرفات تخريب وفرط الحركة، ما يؤثّر على أجواء صفهم وعائلاتهم وإخوتهم. إنّها مصيبة". 

ويتحدّث عن "ثلاثة أدوية تُعتمد لعلاج هذا النوع من الاضطرابات، اثنان يشكّلان العلاج الأساسي الذي يشمل تناول المريض حبوبا بمعدل علبة واحدة شهرياً من النوع الأول، وبين 3 و6 علب شهرياً من النوع الثاني. أما الدواء الثالث فمفقود، ولم يبقَ منه سوى القليل في بعض الصيدليات".

يتابع: "نتجه نحو كارثة، لأنّنا نقف عاجزين أمام أزمة حقيقية ستستدعي لاحقاً نقل مرضى داء الصرع إلى المستشفيات، علماً أنّها لن تتّسع للجميع ولن يستطيع كل الأهالي إدخال أطفالهم". ويسرد معاناة هؤلاء المرضى الذين لا يتجاوبون مع الدواء، ويحتاجون إلى تركيب جهاز يتضمن بطاريّة تُنبئ بحدوث النوبات وتحاول توقيفها قبل حدوثها، لكنّه يستدرك بأنّ "ذلك غير ممكنٍ بعدما باتت كلفة العملية الجراحية تتراوح بين 22 و27 ألف دولار، وهو مبلغ لم يعد مُعترفاً به من قبل وزارة الصحة اللبنانية أو الهيئات الضامنة منذ بدء الأزمة الاقتصادية والمعيشيّة في البلاد".

المساهمون