يروي السوري علاء محمد (58 عاماً) كيف تحوّل استقدام ابنه الوحيد من لبنان إلى تركيا إلى "كارثة"، بعدما رفضت السلطات التركية منحه إقامة سياحية لمدة عام قابل للتجديد، في إجراء يعتبر اعتيادياً لآلاف السوريين باستثناء حاملي الإقامات المؤقتة.
وأمس الثلاثاء، أعلنت رئاسة الهجرة التركية قرارات إضافية تخص استقبال اللاجئين وإقامات الأجانب. ورفضت للمرة الأولى طلبات الإقامة السياحية للقادمين إلى البلاد بغرض العلاج أو التعليم، وقررت الاستمرار في رفض طلبات الإقامة السياحية (للمرة الأولى) لجميع الذين دخلوا إلى تركيا بدءاً من 10 فبراير/ شباط الماضي. كما أكدت عدم تجديد الإقامة السياحية للشخص الذي تعدى الـ8 سنوات متتالية من الإقامة السياحية، ولم يقدم على إقامة طويلة الأمد .
يخبر علاء "العربي الجديد" عن التكاليف والأعباء التي تحملها بسبب ما وصفه بأنه "خطأ ارتكبه المكتب بعدما حدد، ضمن الأوراق المطلوبة، عنوان السكن في حي الفاتح" الذي لا يسمح بمكوث أشخاص حصلوا على أول إقاماتهم السياحية فيه، أو استخدام بطاقات الحماية المؤقتة "كيملك" للوجود فيه. يضيف: "قدوم ابني إلى تركيا رهن المحكمة التي تنظر حالياً في طلب اعتراض قدمته لها، علماً أن أوراقه مستكملة، ولا يوجد سوى خطأ عنوان الإقامة الذي ارتكبه المكتب الذي سيّر المعاملة"، علماً أنه لا يستطيع الحصول على إقامة إنسانية أو كيملك، لأنه قادم عبر لبنان، ويمكن بالتالي إعادته من حيث أتى، أي سورية، التي يعلم الجميع أنّ العيش فيها خطر جداً".
وتشددت تركيا أخيراً في منح أول إقامات سياحية للقدوم إليها إلا لمن يأتي بغرض السياحة حصراً، ويقدم بيانات وحجوزات وكشف حساب مصرفي، لكن مدير شركة "يارا غروب" في مدينة إسطنبول حسن محمد يقول لـ"العربي الجديد" إن "السوريين يحتفظون بخصوصيات على هذا الصعيد، حتى في ظل تقييد سكنهم خارج الأحياء التي أوقفت تركيا توطين سوريين فيها. وبالنسبة إلى تجديد الإقامات السياحية للسوريين الموجودين داخل تركيا فمضمونة".
وكان مساعد المدير العام لدائرة الهجرة والجوازات في تركيا، غوغتشاه أوك، أوضح رداً على اللغط الحاصل في شأن منح الإقامات السياحية وتجديدها، بحسب القوانين المطبقة سابقاً، أن "الأخبار المتداولة حول وقف تركيا تجديد الإقامات السياحية غير صحيحة، ولا أساس لها"، مؤكداً أن "دائرة الهجرة والجوازات في تركيا لم تغيّر أي من قراراتها الخاصة بمنح الإقامات السياحية، خاصة للبنانيين، وتمنح أي أجنبي إقامة سياحية طالما يطبق القانون، ويؤمّن الأوراق المطلوبة خلال تقديمه طلب الحصول على إقامة".
ومع تزايد مخاوف السياح العرب من أخبار وقف تمديد الإقامات السياحية أو منع منحها للمرة الأولى، التقى ممثلو عشر جاليات عربية مسؤولين في مديرية دائرة الهجرة العامة في مدينة إسطنبول، وقالوا في بيان إن مسؤولي دائرة الهجرة التركية أبلغوهم أنه لا يمكن أن تمنح الاقامة السياحية لمدة 10 سنوات، وإن الدائرة أوقفت منح إقامات سياحية جديدة منذ 15 فبراير/شباط 2022، بينما لم يطرأ أي تغيير على تجديد الإقامات السياحية لمن وصلوا إلى البلاد قبل هذا التاريخ. وأشار البيان إلى أن "السلطات التركية تشترط وجود إثباتات للإقامة بأدلة مقنعة، وأن هناك بدائل للإقامة السياحية في تركيا، هي إقامة الطالب والإقامة المرضية وإقامة العمل، والإقامة العقارية لمن يملك عقاراً لا يقل ثمنه عن 75 ألف دولار".
ونقل ممثلو الجاليات العربية عن المسؤولين قولهم إن "السلطات باشرت ترحيل المقيمين غير النظاميين، وإن رفض الإقامة يستند إلى مواد قانونية، وكل من تجاوز الـ 18 من العمر يعامل مستقلاً عن عائلته. وهناك 39 دائرة نفوس و8 آلاف مختار في إسطنبول مكلفين بالدرجة الأولى بحل المشكلات، ويرتبطون بالدوائر الأمنية مباشرة".
أما رئيس دائرة الهجرة في إسطنبول، بيرم يالينسو، فقال بعد لقاء ممثلي الجاليات العربية التي نقلت أيضاً مخاوف آلاف السوريين الذي يقيمون في تركيا من إلغاء إقاماتهم السياحية التي يجددونها سنوياً: "لا قرار ينص على رفض تجديد الإقامات، والإجراء المعتمد هو رفض منح إقامات جديدة لكل الأجانب، وليس السوريين وحدهم".
ويؤكد مدير شركة البيرق للخدمات في إسطنبول أسامة البيرق، لـ"العربي الجديد"، أن تركيا لم توقف منح الإقامات السياحية، بل أعادت تفعيل قوانين سابقة، ما بدّل طرق وفترات منح الإقامات السياحية لمن يطلبها للمرة الأولى. ومن الشروط الجديدة تقديم كشف حساب مصرفي والخطة السياحية التي تتضمن الوجهات وحجز رحلة الطيران والفندق. وبناء على ذلك تمنح الإقامات السياحية بحسب اقتناع الموظفين الأتراك بمدى كفاية مبلغ الحساب المصرفي للسياحة، فمن يحمل مبلغ 6 آلاف دولار يمنح إقامة لمدة ثلاثة أشهر. ومن يحصل على إقامة سياحية يغادر فور انتهاء الفترة الممنوحة، وإلا يعتبر مخالفاً. يضيف: "باتت الإقامات السياحية، بعد تفعيل القوانين، للسياحة فقط ضمن مهل محددة وليس للإقامة الدائمة كما في السابق. وحالياً ترفض طلبات نسبة 90 في المائة من المتقدمين للحصول على إقامات سياحية للمرة الأولى، في حين تجدد إقامات أكثر من 80 في المائة من المتقدمين شرط الإقامة في نفس السكن المقيّد. أما وضع تجديد إقامات السوريين فاستثنائي وخاص. وحتى إذا رفض التجديد لعدم سريان صلاحية جواز السفر، يملك السوريون في تركيا خيار الإقامة الإنسانية، أي قلب الإقامات السياحية إلى إنسانية، وهو أمر متاح عبر تكليف محامٍ مهمته متابعة ملف تحويل الإقامة". ويشرح البيرق أنه "بالنسبة إلى غير السوريين، خاصة من الدول الآمنة التي لا تشهد حروباً، فلا تجدد إقاماتهم السياحية بسهولة، لأن البعض قد يستخدمها للإقامة سنوات طويلة في تركيا التي حسمت أمرها في شأن منح الإقامات السياحية للغرض ذاته، ولمهل محددة".
وتبرر تركيا وقف منح الاقامات السياحية للراغبين في القدوم للمرة الأولى بارتفاع عدد الأجانب في أراضيها، علماً أنها قد تمنح حق الإقامة سنة كاملة لحاملي الإقامات السياحية، وذلك من دون تطبيق قيود أو شروط صعبة للحصول عليها، ما يدفع غالبية القادمين إلى استخراج إقامات سياحية للدخول.
وفي تبريرها قرار وقف منح الاقامة السياحية، توضح المصادر التركية الرسمية أن "المشكلة الكبرى التي واجهتنا تمثلت في استمرار تمديد الأجانب إقاماتهم السياحية أكثر من مرة، ومن دون وجود أسباب مقنعة"، علماً أن تركيا أتاحت عام 2016 إمكان تمديد الإقامات السياحية عبر البريد، وبلا الحاجة إلى زيارة دائرة الهجرة لإجراء مقابلة، لكن دائرة الهجرة أصدرت في مايو/ أيار 2019 تعميماً آخر لضبط عمليات تمديد الإقامات قضى بإلغاء التمديد عبر البريد، وإجراء مقابلات لتوضيح أسباب تمديد البقاء في تركيا.