لاجئون سوريون باقون في الخارج

26 ديسمبر 2020
يحاولون الوصول إلى أوروبا (عارف هودافردي يامان/ الأناضول)
+ الخط -

"سورية لم تتوقف عن دعوة أبنائها إلى العودة، خصوصاً بعد عودة الأمن والاستقرار إلى بلدهم". هذا ما قاله مُعاون وزير الخارجية والمغتربين في حكومة النظام السوري أيمن سوسان، خلال المؤتمر الذي عقد في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في العاصمة دمشق، تحت مسمى "عودة اللاجئين".
عودةٌ لم تعد خياراً بالنسبة للكثير من السوريّين الذين أجبرتهم قذائف النظام السوري وقنابل الطائرات الروسية على مغادرة مناطقهم هرباً مما يصفونه بالجحيم. ويرى هؤلاء أن كلّ دعوات النظام وترحيبه باللاجئين ما هي إلّا إدعاءات كاذبة تهدف إلى كسب المزيد من الأموال في إطار إعادة توطين اللاجئين وإعادة إعمار بيوتهم.
إيمان إسماعيل، وهي لاجئة سورية تُقيم في مدينة ديار بكر التركية، تسأل في حديثها لـ "العربي الجديد": "كيف يمكن العودة إلى بلد يموت فيه الإنسان وهو يحاول الحصول على ربطة الخبز ويقف في طابور طويل أمام الفرن؟ هذا إذا تجاهلنا مئات الآلاف ممن قتلوا داخل المعتقلات ودفنوا تحت ركام منازلهم".
تتابع إسماعيل: "كوني أماً لثلاثة أطفال، أسعى إلى تأمين مستقبل جيد لهم. لذلك، لا يمكن أن أعود إلى سورية في الوقت الراهن بعدما تحولت إلى خراب، ليس فيها مياه أو كهرباء أو اتصالات. كما أن الأمان شبه معدوم، وكل ما نسمعه عن عودة اللاجئين مجرّد كذب لا أكثر. النظام يدعو إلى عودة اللاجئين. في المقابل، يرغم من يحاول العودة على دفع مائة دولار، في وقت تتراوح كلفة جواز السفر السوري ما بين 400 و800 دولار، وهذا تناقض عجيب".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وتشير إسماعيل إلى أن العودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري هي انتحار في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن من حاصر المدن وقصفها وأجبر الناس على مغادرتها لن يعامل العائدين إليها باحترام وإنسانية، وسيكون هؤلاء ضحايا لخداعه لا أكثر.
من جهته، يؤكد أحمد معراوي المقيم في مدينة غازي عنتاب في جنوب تركيا، لـ "العربي الجديد"، أن النظام نهب مدينة معرة النعمان ودمر منازلها، وارتكبت مليشياته الفظائع فيها، لافتاً إلى أن العودة إليها في ظل سيطرة نظام الأسد أمر مستحيل. ويوضح أنه لا يمكنه الذهاب إلى الموت سيراً على قدميه؛ "فمن دمر وقتل وسلب ونهب لن يقبل بعودة آمنة لأهالي مدينة معرة النعمان"، لافتاً إلى أنه لن يعود إلّا في حال "وجود قوات حفظ سلام تضمن حياة الناس وتمنع قوات النظام من التعرّض إليهم واعتقالهم وتعذيبهم حتى الموت".
أسباب عدة تمنع اللاجئين السوريّين من العودة إلى مناطقهم، منها الخوف من الاعتقال أو التصفية، فضلاً عن الحالة المعيشية الصعبة في مناطق سيطرة النظام في ظل تسلّط المليشيات وانعدام الأمن. في هذا الإطار، يقول فايز محمد (42 عاماً) لـ "العربي الجديد"، إن "مشاهد كثيرة ما زالت عالقة في ذهني، منها المرة الأولى التي قصفت فيها الطائرات الحربية مدينتين في ريف حمص الشمالي قرابة الساعة السابعة والنصف صباحاً. كان دوي الانفجارات مرعباً. غطت سحابة من الغبار المدينة في وقت مزقت القنابل أجساد الضحايا إلى أشلاء".

لاجئون على الحدود التركية اليونانية (براك كارا/ Getty)
لاجئون على الحدود التركية اليونانية (براك كارا/ Getty)

يتابع محمد: "هذا المشهد وغيره من المشاهد ما زالت عالقة في ذهني، الأمر الذي يذكّرني دائماً بحقد النظام السوري ووحشيته بحق الإنسان. هذه الوحشية التي يحاول إخفاءها تحت كذبه المفضوح". ويسأل: "كيف يطلب منا كلاجئين العودة وهو من أخرجنا من بيوتنا؟ أخرجنا بينما كان الرعب والموت يلحقان بنا على الدوام".
يُقيم محمد في إقليم هاتاي جنوب تركيا منذ نحو 5 أعوام. لم يفكر بالعودة مطلقاً طالما أن النظام السوري ما زال موجوداً، مؤكداً أنه لا عودة إلّا بعد سقوط النظام وبالتالي تحقّق الأمان.  من جهته، يقول أكرم العبدو، اللاجئ من حمص إلى مدينة الريحانية التركية، إن الوضع المعيشي صعب قليلاً حيث يقيم
في تركيا. مع ذلك، يوضح لـ "العربي الجديد" أنه من غير الممكن العودة إلى سورية في الوضع الراهن، في ظل الأزمات التي تعصف بها، منها الخبز والمياه والكهرباء وغيرها. ويزداد إصراره على عدم العودة حين يتذكر بيته الذي قُصِف بقنابل الطائرات في ريف حمص الشمالي. يُتابع أن "مجرد بقاء النظام في الحكم أمر كارثي، وبالتالي لن يكون هناك أمان ولن يردعه شيء عن الاعتقال والتعذيب والتغييب في السجون"، لافتاً إلى أن الرجوع هو قهر وعودة للعبودية والحياة تحت رحمة قاتل وجلاد ومرتكب مجازر من غير الممكن أن أتقبلها. والعودة، وإن لخيمة في سورية عند رحيل الأسد، ستكون سهلة عليّ". 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

أما اللاجئ غيث علي، الذي يعيش في مدينة غازي عنتاب التركية، فيؤكد أنه لا عودة إلى البلاد في ظل بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في السلطة. يتابع: "نادينا برحيله فلم يفعل. رحلنا نحن وبقي يطاردنا بإعلامه وسفاراته. جفّت دماء السوريين في الداخل، وأراد الأسد أن يمتصّ دماء من هرب ونجا بنفسه. لن يرجع السوريون إلى بلادهم آمنين طالما بقي الأسد".
وفي تقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أكدت أن سورية بلد غير آمن لعودة اللاجئين؛ فإلى جانب الانتهاكات التي ما زالت ترتكب بحق المواطنين، تحدثت عن تردي الأوضاع المعيشية.
كذلك، أشارت إلى واقع صعب يعيشه المواطنون في ظل انهيار اقتصادي وانتشار للبطالة. ويتصدر الواقع الأمني قائمة مخاوف اللاجئين السوريين من العودة، كونهم يخشون الاعتقال والملاحقة الأمنية من قبل النظام والمليشيات التابعة له، على اعتبار أن النظام هو السبب في مغادرتهم مدنهم وبلداتهم في سورية. 

المساهمون