كورونا يقلّص الزيجات في إيران

06 أكتوبر 2020
نساء يحرصن على اتباع إجراءات الوقاية (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -

لا يمكن حصر تأثير فيروس كورونا في قطاع واحد. بالإضافة إلى الجانب الصحي، أثّرت الجائحة بشكل كبير على الوضع الاقتصادي في إيران تزامناً مع العقوبات الأميركية، كما أجبرت الكثير من الناس على تغيير عاداتهم والتكيّف مع الواقع الجديد الذي فرضه الفيروس، وهو ما قد يستمر طويلاً. 
وكان لتفشي كورونا تأثير كبير على الراغبين في الزواج، خصوصاً خلال الأشهر الأولى. وتوالت الأنباء من مناطق مختلفة في إيران عن إصابة أعداد كبيرة من المشاركين في حفلات الزفاف بكورونا، وذلك خلافاً لتعليمات وزارة الصحة. ففي إحدى حفلات الزفاف التي أقيمت في 17 يونيو/ حزيران الماضي، أصيب 120 مواطناً إيرانياً بالفيروس، بحسب نائب وزير الصحة الإيراني إيرج حريرجي.
من جهة أخرى، تحولت الأعراس في زمن كورونا إلى مآتم، وكان أكثرها إيلاماً حفل في محافظة أذربيجان غربي إيران في يوليو/ تموز الماضي، ما أدى إلى وفاة والدي العريس والعروس، ليبدآ حياتهما الزوجية بذكريات مريرة سترافقهما حتى وقت طويل، وذلك نتيجة للاستخفاف بالفيروس.
كذلك، أثّرالفيروس على فترتي الخطوبة وعقد الزواج وصولاً إلى حفل الزفاف. لكن التأثيرات ليست سلبية بمجملها، وقد أجبر كورونا الناس على تغيير الكثير من الخطط المستقبلية والتفكير في الأساسيات. من الناحية الإيجابية، ساهم كورونا في تخلي كثيرين عن عادات مرتبطة بالزواج تعدّ من الكماليات التي تؤدي إلى إنفاق مبالغ مالية كبيرة. لكن المشكلة أنها باتت أساسية مع مرور الوقت نتيجة للضغوط الاجتماعية وشروط الأهل. ويصف بعض الباحثين الاجتماعيين هذه الكماليات بإحدى آفات الزواج، ومن بينها إقامة حفلات في مختلف المراحل التي تؤدي إلى الزواج كالخطوبة وعقد القران. في المقابل، رفض البعض، وهم قلة، التخلي عن هذه العادات، علماً أنهم ساهموا بتفشي الفيروس بسبب دعوة الأهل والأصدقاء لمشاركتهم فرحتهم.  

لكن يمكن القول إن كورونا أجبر البعض على التخلي عن الكماليات التي كانت تمنع كثيرين من الزواج بسبب تكاليفها المرتفعة، سواء أكانوا من محدودي الدخل أو ينتمون إلى الطبقة المتوسطة. 
ولم يخل الزواج في زمن كورنا في إيران من خلق مشاهد جميلة ملفتة للنظر. فعمد البعض إلى إرسال بطاقات لأقاربهم وأصدقائهم، اعتذروا فيها عن تنظيم حفل دون مشاركتهم. ولجأ العريس آرين وعروسه إلى الانتقال إلى بيت الزوجية من خلال وضع منشور على فيسبوك في 2 أغسطس/ آب الماضي، جاء فيه: "في أحلى أيام حياتنا الخضراء وفي أجمل لحظات الوصال والحب، كنا نود مشاركتكم في حفلنا لنفرح معاً، حيث بحضوركم يكون الرقص والفرح أحلى، لكن صحتكم هي الأهم والأغلى وأسمى أمانينا، يبقى الحفل والرقص لأيام أفضل".

أثّر الفيروس على فترتي الخطوبة وعقد الزواج وصولاً إلى حفل الزفاف


من جهة أخرى، دفع تفشي كورونا البعض إلى تأجيل الزواج نتيجة للضغوط النفسية وخوف الناس والرغبة في عدم حصر الاحتفال بعدد قليل من الأشخاص، عدا عن تمسك البعض بالعادات والتقاليد. وهناك من أقدم على عقد القران من دون الانتقال إلى بيت الزوجية قبل إقامة حفل زفاف، ما دفعهم إلى التأجيل.  
وزاد كورونا من تفاقم الأزمة الاقتصادية في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على البلاد منذ أكثر من عامين، ما دفع بعض الشباب إلى إلغاء فكرة الزواج سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب، وذلك بحسب كيفية تطور تأثير الفيروس والعقوبات.
واليوم، يرى خبراء في علم النفس والاجتماع، أن تأجيل الزواج إلى ما بعد انتهاء أزمة كورونا، والذي لا يوجد أفق لنهايته، أو إلغائه، أدى إلى تراجع رغبة الشباب في الاقدام على الزواج وتكوين عائلة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم معضلة أخرى وهي تراجع نسبة الإنجاب في البلاد. وتشير البيانات الرسمية إلى تراجع النمو السكاني إلى أدنى مستوى له منذ خمسين عاماً.
في هذا السياق، حذر مساعد وزير الرياضة الإيراني لشؤون الشباب، محمد مهدي تندكويان، في تصريحات نشرتها وكالة "إيلنا" العمالية مؤخراً، من الآثار السلبية الخطيرة لتراجع الزواج بسبب كورونا، قائلاً إن هذا التراجع "يشكل صدمة ستكون لها تبعات على العلاقات المجتمعية والإنجاب ويمكن أن يدفع الشباب إلى التخلي عن فكرة الحياة الزوجية".

ولا توجد أرقام رسمية حول تراجع نسبة الزواج في زمن كورونا. لكن بحسب ما نقلت وكالة أنباء "إيلنا" العمالية عن منظمة السجل المدني الإيرانية، فقد سجلت الأخيرة في 20 مارس/ آذار الماضي وحتى 10 أغسطس/ آب الماضي 127 ألف و245 حالة زواج في إيران، الأمر الذي يظهر تراجعاً بنسبة 50 ألف حالة بالمقارنة مع العام الماضي. وتشير أرقام رسمية إلى تسجيل 167 ألف عقد زواج ما بين 20 مارس/ آذار و20 يوليو/ تموز 2019. 
من جهة أخرى، توقع مركز بحوث البرلمان الإيراني أن تؤدي التداعيات الاقتصادية الناجمة عن أزمة كورونا إلى بطالة 6 ملايين شخص في البلاد. وذكر أن ما بين 2.8 مليون و6.4 مليون شخص سيفقدون وظائفهم مؤقتاً بسبب هذه الأزمة.
وأضيفت 3 ملايين وظيفة إلى سوق العمل بين عامي 2015 حتى 2019، لكنها كانت وظائف غير مستقرة وغالبيتها في قطاع الخدمات، ولم يحصل العمال على عقود أو تأمين ضد البطالة، بحسب بيانات التقرير البرلماني الإيراني.

المساهمون