للمرة الأولى في روسيا، ربطت إحصاءات ظاهرة الإدمان على المخدرات والكحول بتفشي فيروس كورونا الجديد. وكشفت الأرقام تزايد أعداد الوفيات بمقدار الضعفين، رغم تطبيق قوانين متشددة جداً على صعيد العقوبات.
ترافق امتداد أزمة كورونا أكثر من عام ونصف العام، مع ظهور مشكلات اجتماعية في روسيا بينها زيادة معدل الوفيات بسبب تناول المخدرات والكحول، في وقت قضى كوفيد-19 على حوالى 145 ألف مواطن روسي خلال 2020.
وكشفت بيانات أصدرتها هيئة "روس ستات" للإحصاءات في يوليو/ تموز الماضي، استناداً إلى 300 معيار مختلف لتسميات أسباب الوفيات المبنية على التصنيف الدولي للأمراض، أنّ عدد الوفيات الناتجة من تعاطي المخدرات في روسيا ارتفع بنسبة 60 في المائة في 2020 (من 4569 إلى 7316)، علماً أنّ عدد الوفيات بسبب المخدرات المسجلة سنوياً بين عامي 2016 و2018 تراوح بين 4400 و4800. وشملت بيانات المتوفين بسبب تناول المخدرات أولئك الذين تعرضوا لاضطرابات نفسية نتيجة الإفراط في أخذ الجرعات، والتسمم عن طريق الصدفة.
كذلك، اعتبر تناول الكحول في مقدمة أسباب الوفيات عام 2020، والتي ناهزت 50.4 ألفاً، بزيادة نسبتها 6.3 في المائة عن عام 2019 الذي شهد تراجع هذا المعدل بنسبة 2 في المائة.
لكنّ خبراء روساً أكدوا أنّ تأثير الإصابة بكورونا كان أكبر على الأمراض المزمنة، ما زاد معدل الوفيات جراء أمراض الدورة الدموية بنسبة 11.6 في المائة، والالتهاب الرئوي بمقدار 2.4 ضعف، والجهاز العصبي بنسبة 21 في المائة، وجهاز الغدد الصماء بنسبة 25 في المائة.
يرى المعالج النفسي يفغيني إدزيكوفسكي، أنّ تناول المخدرات والكحول يشكلان نتيجة غير مباشرة لجائحة كورونا، وتأثيراتها السلبية في زيادة توتر السكان الذين حتم بحثهم عن أيّ وسيلة لتخفيفه. ويقول لـ "العربي الجديد": "زادت الجائحة، لا سيما في 2020، نسب التوتر الحاد بين الناس، وجعلتهم أكثر طلباً للحصول على خدمات المعالجين النفسيين. الحقيقة أنّ الناس عاشوا ضمن دائرة العمل - الأسرة قبل الجائحة، لكن الانتقال إلى نظام العمل عن بعد جعلهم يعيشون في دائرة الأسرة - الأسرة، وهو وضع غير طبيعي باعتبار أنّ المرء لا يوقع عند الزواج على قبول قضاء كلّ ساعات النهار وكلّ أيام الأسبوع مع زوجته. وأضف إلى ذلك تفاقم المشكلات الاقتصادية".
وحول رؤيته لتأثير وباء كورونا على تناول الكحول والمخدرات يوضح إدزيكوفسكي أنّ "الناس يبحثون عن تخفيف توترهم، فيتناول بعضهم المخدرات والكحول، علماً أنّ هناك اختلافاً جذرياً بين المادتين، إذ يمكن الحصول على الكحول بسهولة من أي متجر، بينما يتطلب الحصول على المخدرات تجاوز حواجز وعوائق كبيرة، والتواصل مع متعاطين".
اللافت أنّ الزيادة الأخيرة للوفيات الناجمة عن تناول المخدرات جاءت رغم تشديد القوانين الروسية إجراءات مكافحة حيازة المخدرات وتوزيعها، إذ إنّ حوالي ثلثي المسجونين احتياطياً في مراكز الاعتقال الروسية يواجهون تهماً بموجب المادة 228 من القانون الجنائي التي تنص على فرض عقوبات صارمة بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً، في حال شراء كميات كبيرة من المخدرات وحفظها، و20 عاماً في حال توزيعها.
ويستغل كبار تجار المخدرات سذاجة الشبان واحتياجاتهم المالية لتوريطهم في العمل كـ"مودعين"، وهو مصطلح يطلق على المتورطين في توصيل المخدرات إلى أماكن تخزين سرّية يقصدها المدمنون لاحقاً بتعليمات يتلقونها من تجار كبار، والذين يفلتون بأرباح تلك التجارة من أي عقاب.
لكنّ صرامة القوانين ومعاقبة عشرات آلاف الأشخاص سنوياً بالسجن المشدد بتهم المخدرات، لم تمنع بعض الشبان عن التورط بهذه التجارة المشبوهة، وآخرين من تناولها تمهيداً للتسبب في وفاتهم مبكراً في نهاية المطاف. وقد زادت هذه الحالات في زمن كورونا، علماً أنّ العقوبات الجنائية الروسية تشمل حتى حيازة كميات قليلة جداً من المخدرات، بينها 0.2 غرام من الأمفيتامين، أو 0.5 غرام من الهيروين، أو 2 غرام من حشيشة الكيف.
وقد تراوحت مدة عقوبة السجن عن حيازة كميات "كبيرة" من المخدرات، أي أكثر من غرام واحد من الأمفيتامين، أو 2.5 غرام من الهيرويين، أو 25 غراماً من حشيشة الكيف، بين ثلاث إلى عشر سنوات.
وعموماً، أقرّ مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في يونيو/ حزيران الماضي، بأنّ جائحة كورونا كثفت استهلاك المخدرات في دول العالم، وبينها الولايات المتحدة الأميركية التي سجلت رقماً قياسياً تجاوز 81 ألف وفاة جراء تعاطي جرعات مفرطة خلال الفترة بين يونيو/ حزيران 2019 ومايو/ أيار 2020.
واحتلت روسيا في العام 2020، المرتبة الأولى عالمياً في استهلاك الهيرويين. وبلغت حصتها 21 في المائة من حجم الإنتاج العالمي للمخدرات، و5 في المائة من حجم الإنتاج العالمي للأفيون. وانحصر انتشار الأفيون والهيرويين في روسيا بعد التحول نحو تعاطي الأنواع الاصطناعية من المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي، والتي أصبحت الأكثر استهلاكاً.
عام 2019، اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّ 26 في المائة من المساجين في روسيا أدينوا بموجب قوانين تتعلق بتداول المخدرات، فيما رفض أيّ حديث عن تخفيف العقوبات التي طالب حقوقيون بتحديثها، خصوصاً في تعريف الكميات "الكبيرة" والارتقاء بمعايير الأدلة المطلوبة، وتخفيض الحدّ الأدنى لمدة العقوبة للتفرقة بين الموزعين الصغار وكبار التجار.