قيود السكن الجامعي الحكومي ترهق طالبات العراق

29 ديسمبر 2024
القيود على الطالبات تفوق الطلاب، 22 ديسمبر 2019 (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الطلاب في السكن الجامعي بالعراق تحديات تتعلق بالإجراءات الصارمة مثل منع الهواتف الذكية وقيود على أوقات الخروج، مما يُعتبر انتهاكاً للخصوصية والحرية.
- يعاني السكن من نقص في الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء، مما يزيد من شعور الطلاب بعدم الرضا، خاصة مع تحميلهم تكاليف الصيانة في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
- يلعب السكن الجامعي دوراً تعليمياً واجتماعياً مهماً، لكن الاكتظاظ ونقص الموارد يعيقان هذا الدور، مما يستدعي مراجعة الإجراءات وتدخل المنظمات الحقوقية.

يعرف السكن الجامعي في العراق باسم "الأقسام الداخلية"، وهو عبارة عن غرف توفرها الكليات والجامعات الحكومية لطلابها بتكلفة رمزية، وبحسب شروط وزارة التعليم العالي، يجب عليهم الالتزام بأوقات إغلاق الأبواب، وعدم القيام بأية أنشطة غير مسموح بها، إلى جانب عدم إدخال الهواتف التي تحتوى على كاميرات إلى مجمعات سكن الطالبات، وغيرها من الشروط التي يرفضها الطلاب.
تقول علياء أحمد، وهي طالبة في كلية الهندسة بجامعة بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "نهاية العام الدراسي هو يوم الخلاص من حياة السجن التي فرضت عليها، والمعاملة السيئة داخل السكن الجامعي على مدار سنوات". وتوضح الطالبة القادمة من محافظة بعيدة عن بغداد، أن "إجراءات تعسفية وأخرى غير قانونية تمارس بحقها وحق زميلاتها من قبل مشرفات السكن اللواتي لا يتوانين أحياناً عن سب وشتم الطالبات نتيجة خطأ غير مقصود، مثل نسيان تنظيف المطبخ بعد استخدامه".
وتواجه طالبات السكن الجامعي إجراءات أكثر تشدداً من أقرانهن الذكور. تقول رنا جابر، الطالبة في جامعة ديالى، لـ "العربي الجديد": "واحدة من أهم مشكلات السكن الجامعي هي منع دخول الأجهزة الذكية، وهذه المشكلة تنبثق منها غالبية المشكلات الأخرى التي نواجهها. منع دخول الهواتف الذكية يفتح الباب لمشرفات السكن للقيام بحملات تفتيش مفاجئة باتت تنتهك خصوصياتنا، وأحياناً نتعرض لها يومياً".
تضيف رنا: "القرارات تتغير فجأة، ففي ذروة التعليم المدمج (نصف الأيام حضورياً ونصفها عن بعد) خلال جائحة كورونا، صدر قرار بالسماح بالهواتف الذكية شرط رفع الكاميرا منه أو تعطيلها، ما يعني إتلاف الأجهزة، وفي هذا العام منعوا الأجهزة اللوحية الذكية كلها، وسمحوا بالأجهزة القديمة التي تتيح الاتصال فقط".
بدورها، تعتقد سارة. ع، وهي طالبة في جامعة ذي قار، أن "قرار منع الهواتف ليس سببه تجنب المشكلات الشخصية بين الطالبات كما تدعي إدارات السكن الجامعي، بل الخوف من توثيق سوء الخدمات الذي تعانيها البنايات، وعدم الاهتمام بها من قبل وزارة التعليم العالي".
وتوضح لـ "العربي الجديد"، أنها أمضت وقتاً طويلاً في السكن الجامعي، ولم تسمع بحادثة تتعلق بتصوير الفتيات لبعضهن، غير قصة قديمة واحدة عن فتاة صورت زميلاتها وانتهكت خصوصياتهن من دون إذنهن. تتابع: "لا تكتفي إدارة السكن الجامعي بهذا الحد، فثمة قرارات أخرى تتعلق بدخول وخروج الطالبات، إذ لا يحق للطالبة المغادرة من أجل التسوق إلا في أوقات دوام الكلية التي تبدأ في الثامنة صباحاً وينتهي عند الساعة الثانية والنصف ظهراً".
من جانبها، توضح إلهام الشمري، وهي مديرة إحدى مجمعات السكن الداخلي في جامعة بغداد، أن "الإجراءات المشددة التي تفرضها المشرفات وإدارة المجمعات هي نتيجة الضغوط والمسؤوليات التي تفرضها عائلات الطالبات". وتقول لـ "العربي الجديد"، إن "موظفات السكن الداخلي دائماً ما يتعرضن لتهديدات مباشرة من قبل الأهالي، والمحاسبة في حال التهاون مع البنات. ثمة طالبات يضعن مسؤولية كبيرة علينا نتيجة سلوكهن غير المنضبط، فضلاً عن خطورة الوضع الأمني، وهذه أسباب تفرض علينا التشدد في الإجراءات".

تخريج طالبات من جامعة بغداد. 30 يونيو 2012 (أحمد الربيعي/فرانس برس)

بدوره، يعتبر عضو الهيئة الإدارية لاتحاد طلبة العراق،  كامل المنشد، أن مشكلات الأقسام الداخلية بدأت قبل سنوات عديدة ضمن ما نشعر أنه توجه إلى إلغاء مجانية التعليم. ويبدي لـ"العربي الجديد"، استغرابه من وجود أقسام داخلية خالية من المياه الصالحة للشرب، وحتى من مياه الغسل، ومن الكهرباء والإنترنت وبقية مقومات السكن اللائق بالطلبة.
يضيف المنشد: "من المعيب تحميل الطلبة تكاليف صيانة وترميم الأقسام الداخلية، وفرض معايير وقيود تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان والأعراف الأكاديمية، لا سيما في الأقسام الداخلية للطالبات. جرى اتخاذ قرارات غير منطقية أحياناً في بعض الجامعات، مثل منع نشر الملابس على سطح الأقسام الداخلية".
ويرى الأكاديمي في الجامعة المستنصرية، وسام الخالدي، أن "السكن الجامعي في العراق يلعب دوراً مهماً في حياة الطلاب، ويمثل جانباً أساسياً من تجربة التعليم العالي". موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "السكن الجامعي يمثل بيئة تعليمية واجتماعية مهمة، ويساعد الطلاب على بناء علاقات جديدة، لكن طلبة هذا الجيل معتادون على التصرف بعشوائية، وبالتالي تجعلهم القوانين التي تفرضها وزارة التعليم العالي أو إدارة السكن يعيشون حالة من التذمر وعدم الرضا".

ويشير الخالدي إلى أن "كلفة السكن الجامعي أقل بكثير من السكن الخاص، ولا بد من وجود إجراءات تحكم الحياة في السكن الجامعي، مثل أوقات الهدوء، وتنظيم الزيارات، وسياسات السلوك، فضلاً عن وجود بيئة تعليمية واجتماعية، وهذا يزرع داخل الطلاب تحمل المسؤولية واحترام الآخرين. من التحديات التي تواجه السكن الجامعي الاكتظاظ، فضلاً عن نقص الموارد، وغياب بعض الخدمات الأساسية".
من جهته، يصف الخبير القانوني ناجي الكناني، الإجراءات المعتمدة داخل السكن الجامعي، بكونها "لا تمت إلى التعليم بأي صلة، وليس لها علاقة بحرص إدارات الجامعات على الطلبة والطالبات، بقدر ما هو غباء إداري تعتمده إدارة السكن الداخلي من دون حسيب أو رقيب" على حد قوله.
ويؤكد الكناني لـ"العربي الجديد"، أن "السكن الجامعي في كل جامعات العالم فرصة للمخالطة ومراكمة التجارب في حياة الطلبة، لكن في العراق الأمر مختلف، ويتعدى أخلاقيات التعليم الجامعي، وتشبه الانتهاكات فيه ما يحدث في السجون. ينبغي مراجعة كل الإجراءات المفروضة، وخضوع مشرفي السكن الجامعي لدورات مكثفة لمعرفة صلاحياتهم وحدودهم في التعامل مع الطلاب، فضلاً عن أهمية أن يكون للمنظمات الحقوقية دور في مراقبة الأوضاع داخل السكن الجامعي".

المساهمون