لم تفقد المغربية حياة بوتفالة وأختاها الأمل في اقتسام خيرات أرض والدهن وأجدادهن الزراعية الشاسعة، بالرغم من إقصاء أخوتها الذكور لهن في تقليد عرفي يحرم النساء من الاستفادة من هذا النوع من الأراضي الذي يُعرف في المغرب بأراضي "الجموع" أو الأراضي "السلالية".
رغم أنّ القوانين تغيرت 2019، لصالح النساء المرتبطات بهذا الملف، واللواتي يطلق عليهن "السلاليات"، فساوت بينهن وبين الذكور في الاستفادة من هذه الأرض، لا تزال عقلية القبيلة وهيمنة العرف تقفان سداً منيعاً في كثير من الأحيان، فضلاً عن التعقيدات الإدارية المصاحبة.
تقول حياة (63 سنة) إنه في حين أبدى الأخ الأكبر قدراً من المرونة، منعها اثنان آخران من الاقتراب من الأرض الواقعة في جماعة بنمصور نواحي القنيطرة، على بعد نحو 40 كيلومتراً شمالي العاصمة الرباط، حتى إنّ واحداً انهال بالضرب المبرح على إحدى أختيها لأنها اقتربت من الأرض وطالبت بحقها، وسُجن الأخ في هذه الواقعة ثمانية أشهر وغُرّم 3000 درهم (نحو 300 دولار).
تقول حياة المطلّقة إنها وأختيها اشتغلن في الأرض وزرعنها وجَنين محاصيلها عندما كن يساعدن والدهن وهن شابات، ليجدن اليوم أنفسهن مقصيات عنها.
تسود مثل هذه الحالات في المغرب، حيث تكون "الأراضي السلالية" في حوزة القبيلة أو السلالة لا الأفراد، ومن هنا تسميتها بأراضي الجموع.
ويقول علماء في التاريخ والأنثروبولوجيا إن هذه الظاهرة نتجت عن ظروف كانت سائدة في المغرب سابقاً، إذ إنّ نمط الحياة الذي يمتلئ بالترحال كان يصحبه دائماً افتراض الدخول في حرب في أي وقت، مما ساهم في التقليل من القيمة الاجتماعية للملكية العقارية الفردية.
وانطلاقاً من رغبة القبائل في الحفاظ على تماسكها، وتفادي تفتيت أراضي الأجداد، أحدثت عرفاً تمثل في نظام الملكية الجماعية للأرض عن طريق انتقال ملكيتها تحت إشراف ورقابة الجماعة لمنع تملك أي أجنبي لها.
ويبقى لهيمنة الذكور في القبيلة والمجتمع بصفة عامة أثرها البالغ، فإن تُوفي ممثل الوحدة العائلية اقتسم الذكور فقط قيمة استغلال هذه الأرض، فإن لم يترك المتوفى ولداً، يرثها الأخوة أو الأعمام، باعتبار أنّ المرأة تتزوج بأجنبي ممكن أن ينتقل استغلال الأرض إليه.
وقوانين استغلال هذا النوع من الأراضي لم تخضع للتنقيح في المغرب منذ 1919 حتى عام 2019، رغم ضخامة مساحتها التي تبلغ 15 مليون هكتار (37 مليون فدان)، وبات هذا الملف يعج بالنزاعات والمشكلات، مما عرقل التنمية المستدامة للأرياف المغربية.
القانون الجديد يساوي بين النساء والرجال لكن تعترض تنفيذه معوقات
بعد مسيرات احتجاجية نسوية بدعم من هيئات المجتمع المدني، تدخل المجلس العلمي الأعلى، وهو هيئة الإفتاء المغربية الرسمية، والذي قال بضرورة استفادة المرأة من الأرض كما الرجل، فتدارك المشرّع المغربي الأمر، وأقرّ بأنّ للمرأة الحق أيضاً في خيرات الأرض ومنافعها.
وجاء قانون 26 أغسطس/ آب 2019، الخاص بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعة السلالية، وضبط وتدبير شؤون الأملاك الجماعية. لكن رغم هذا القانون الذي اعتبر انتصاراً للمرأة، ظل التنفيذ يصطدم بعراقيل جمة.
يتنقل ملف حياة بوتفالة منذ عام 2012 ما بين السلطات المحلية والمحكمة، بعد أن طعنت في قرار نائب الجماعة الذي تنتخبه القبيلة، والذي لم يعطها الحق في استغلال الأرض بدعوى أنها غير مقيمة فيها.
توجهت حياة إلى مجلس الوصاية، وهو من بين الإدارات الوصية على أراضي الجموع، والذي أصدر قراراً لصالحها وأختيها، لكنها اصطدمت بصعوبة التنفيذ بسبب رفض أخويها، مما جعلها تتجه إلى المحكمة، حيث ظل الملف يتنقل ما بين السلطات المحلية والمحكمة لأكثر من ثلاث سنوات.
وتقول الحقوقية حجيبة حرور، من "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب" التي تتبعت ملفات عدد من النساء السلاليات في منطقة الغرب: "التنفيذ يكمل بمحضر تحرره السلطة المحلية، هذه الأخيرة من الضروري أن تكون حاضرة في التنفيذ، لكن عندما تصطدم بعصيان الأخوة يعود الملف إلى المحكمة لتعين قوات أمن. عندما تقدم السلالية شكاية للقايد (ممثل السلطة التنفيذية بمنطقته)، يعطي هذا الأخير للنائب أوامره لمعرفة إن كان من حق المرأة الاستفادة أم لا، وفي الغالب يرفض النواب لأنّ العقلية الذكورية صامدة لا تتقبل التغيير".
تقول حياة: "في كل مرة أذهب إلى السلطات من أجل التنفيذ يقول لي القائد: امض إلى عين المكان سنأتي عندك. أنتظر من الصباح الباكر إلى قرب غروب الشمس ولا أحد يأتي، وعندما ألتقيه مرة أخرى يقول لي: نسيتك، كانت لدينا مهمة".
اشترط القانون الجديد الذي خوّل للنساء الاستفادة من الأرض أن تكون المستفيدة مقيمة بالجماعة، وهو ما اعتبرته النساء شرطاً مجحفاً على اعتبار أنهن كثيراً ما يغادرن الجماعة، إما للزواج أو للدراسة أو العمل، مع تضاؤل فرص العيش الكريم في عدد من القرى والمناطق النائية.
وراسلت الجمعية المغربية لنساء المغرب رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني لإلغاء هذا الشرط، فأجاب بأنّ الشرط لا يمنع النساء من الاستفادة، إذ يكفي ترددهن على الجماعة، أو على أقاربهن بالمكان.
لكن حجيبة لا ترى هذا جواباً شافياً، إذ لم يصدر في دورية أو مدونة، مشيرة إلى أنّ السلطات تتحجج بأنه ليس لديها شيء مكتوب.
وقالت حياة: "أين سأقيم وأنا مطرودة أصلاً من أرضي، ولا حق لي فيها. أخي يقول إذا وضعت رجليك فيها سأقطعهما".
وقالت حجيبة: "لا ننكر أنّ نساء عديدات أخذن حقهن، لكن ما تبقى من ملفات تعرف مماطلة وتلاعباً".
وقال عبد المجيد الحنكاري، مدير الشؤون القروية بوزارة الداخلية: "يجب تغيير العقليات. لا أتكلم عن القوانين، إنها مجرد حبر على ورق، أتكلم عن أشخاص. ربما تكون هناك بعض التجاوزات، لكن من يتم ضبطه لا يرحمه القانون"، مؤكداً أنّ السلطات تجري حملات تفتيش دورية.
وأضاف: "تمكنت 109 آلاف امرأة سلالية في الفترة من 2015 إلى 2022 من أخذ حقها. المشكلة ليست مشكلة قانون على الإطلاق، وإنما مشكلة بشر".
(رويترز)