دفع ظهور قناديل البحر في شواطئ تونس كثيرين إلى الحذر، وسط مخاوف من أن تعكر هذه الكائنات الرخوية موسم اصطيافهم بلسعاتها المؤلمة، في حين يخشى آخرون من سمومها، ووصول أصناف منها قد تكون قاتلة إلى البحر المتوسط.
في نهاية مارس/ آذار الماضي، حذّر الحرس البحري من ظهور نوع من قناديل البحر "الحريقة" ذات سمّ قاتل على شواطئ تونس، خاصة تلك في نابل (شمال شرق)، بعدما تسللت من المحيط الأطلسي. وسارع فريق يضم باحثين من المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار وأفراد الحرس البحري وممثل عن دائرة الصيد البحري في قليبية إلى إجراء معاينة ميدانية، والتحري عن وجود هذا النوع من قناديل البحر على شواطئ نابل وبني خيار والمعمورة وقربة.
يوضح رئيس علوم البحار ومؤسس "جمعية حوتيات" سامي مهني لـ"العربي الجديد" أنّ "هذا النوع من قناديل البحر ينتمي إلى فصيلة اللاسعات المعروفة بخطورتها في العالم، لأنّها تحتوي على سمّ قد يشلّ عضلة القلب، ويتسبب في آلام حادة". ويشير إلى أنّ "السمّ الذي ينشره هذا النوع من قناديل البحر لا يؤدي إلى موت مباشر، لكنّ عوارضه قد تقود إلى ذلك، علماً أنّ سيدة أوروبية توفيت بتأثير هذا السمّ في التسعينيات".
غياب التحذيرات
يؤكد مهني تسلل هذا النوع من "اللاسعات" من المحيط الأطلسي إلى البحر الأبيض المتوسط، لكنّه يستبعد وجودها في فصل الصيف في البحر المتوسط، لأنّها لا تستطيع العيش في بيئته. ويشرح أنّه "جرى رصد قنديل واحد من هذا النوع في الجزائر، ما يعني أنّها ليست في صدد التكاثر والتأقلم. لكنّ تحذيراتنا مردها إلى الظهور المبكر لقناديل البحر مع بداية موسم الصيف في الأعوام الأخيرة، في حين جرت العادة أن يحصل ذلك في نهاية شهر أغسطس/ آب وشهر سبتمبر/ أيلول، ما يعني أنّ التغيّرات المناخية والتلوث يقفان وراء انتشار قناديل البحر، خصوصاً أنّها تتأقلم بسرعة وتتغذى من التلوث، ويساعدها ارتفاع درجات الحرارة لمياه البحر على التكاثر". يضيف: "الأكيد أنّ مجموعات كبيرة من قناديل البحر ظهرت في البحر الأبيض المتوسط في غير توقيتها. من هنا، يضع بعض البلدان لافتات على الشواطئ تحذر المصطافين من وجودها. أما في تونس فالتحذيرات غائبة لأن أنواع قناديل البحر غير خطرة".
ويكشف مهني أنّ "جمعية حوتيات" أطلقت نداءات عدة للتونسيين من أجل إرسال صور قناديل يجري رصدها، تمهيداً لتشكيل بنك معلومات عنها، مشيراً إلى أنّ "الجمعية تدرك وجود أصناف عادية في خليج الحمامات وسوسة والمهدية وصفاقس وقابس وغالبية سواحل تونس، وبينها أنواع كبيرة الحجم لكنها غير خطرة. كما نعلم أنّ التغيّرات المناخية ساهمت في ظهور أصناف جديدة، لكنّ غالبيتها تنفق قبل بلوغ المتوسط".
ويلفت إلى أنّ "الأنواع البحرية السامة لا تقتصر على قناديل البحر بل تشمل أيضاً سمك الأرنب (المنفاخ) السام الذي جرت توعية الصيادين من خطر بيعه، علماً أنّه موجود في شرق المتوسط، خاصة في سورية وفلسطين ومصر، وتسبب في حالات تسمم. وكذلك سمك الأسد الذي يتكاثر بسرعة ويأكل كل شيء. وهذا صنف لا بدّ من صيده لتخليص باقي الكائنات البحرية منه".
إلى بيئة جديدة
يقول الخبير المختص في علم المناخ، زهير الحلاوي، لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك فرضيات كثيرة لظهور قناديل البحر في غير أوقاتها الاعتيادية، وأحياناً قبل حلول الصيف، وانتشارها بأعداد تتجاوز المعتاد، وبينها نقص أعداد السلاحف التي تأكل القناديل، نتيجة الصيد العشوائي والتلوث وتزايد مواد البلاستيك في المياه التي تأكلها السلحفاة في ظلّ عدم قدرتها على التمييز بينها وبين القناديل، ما يؤدي إلى نفوقها". يضيف: "تسبب ارتفاع درجات حرارة مياه البحر في استيطان كائنات بحرية في مياه غير معتادة بالنسبة إليها، وتكاثر عدد منها، وبينها قناديل البحر، ما يفسّر ظهورها في شواطئ كثيرة خاصة السواحل الشرقية، علماً أنّها تأتي عبر الممرات البحرية وقناة السويس، وتواكب تحركات السفن وصولاً إلى أماكن تختلف عن بيئتها الاعتيادية. وفي سواحل تونس تحتل قناديل البحر مكان كائنات أخرى موجودة أصلاً ما يؤدي إلى اختلال في توازن البيئة".
علاجات
من جهتها، تؤكد متخصصة الأمراض الجلدية، نادية الزين السبعي، لـ "العربي الجديد" وجود مراهم تعالج آثار الإصابة بقناديل البحر، ويمكن أن يحملها المصطافون في حقائبهم لاستخدامها بمجرد تعرضهم إلى إصابة. وتشير أيضاً إلى إمكان وضع الخل مباشرة على مكان الإصابة وغسلها بماء البحر وليس بماء عادي، في حين توصي بتجنب لمس قنديل البحر باليد حتى لو كانت نافقة، "علماً أن الإصابات قد تشمل الوجه ما يحتم قصد أقرب مستشفى أو صيدلية لتجنب مضاعفات جانبية مثل انتفاخ الوجه. وفي هذه الحالة، يعالج المصاب عادة بحقن، ويخضع وضعه لمتابعة للوقاية من تورم الجلد أو من أثار قد تظهر على الجلد".
وتوضح السبعي أنّ "الإصابات قد تكون بسيطة ولا تحتاج إلى علاج، وتنحصر في مجرد ظهور احمرار على الجلد مع زوال الألم بسرعة. لكن حالات أخرى تستدعي اللجوء إلى طبيب، خاصة إذا ترافقت الإصابة مع تورم وانتفاخ. وقد توصف مسكنات للمصاب من أجل تجنب تطور حالته، وتفادي تعفنات خاصة في حال عدم معالجة مكان الإصابة فوراً". وتشرح السبعي أنّ "بعض إصابات قناديل البحر تتطلب متابعة لأنّ آثارها تشبه الحروق، علماً أنّها تختلف حسب نوع قناديل البحر وحجمها، ووضع المصاب نفسه الذي قد يعاني من حساسية أو من مرض السكري. وهنا يجب التنبه لأنّ سموم وميكروبات قناديل البحر قد تتوغل داخل جسم المريض وتتسبب له في مضاعفات. كما يجب مراقبة الأطفال خصوصاً أولئك الذين يعانون من الحساسية، والإسراع في إسعافهم".
وتلفت السبعي إلى أنّها لاحظت عبر مواقع التواصل الاجتماعي "ظهور قناديل كبيرة الحجم لم نعهدها سابقاً قد تسبب لسعتها في عدة تأثيرات جلدية يجب الوقاية منها. وفي كلّ الأحوال، يجب أن يستعمل المصاب الرمل لنزع قنديل البحر من جسمه، لأنّه كلما طال بقاؤه على الجلد كلما زادت تأثيراته السلبية. ومن الضروري توعية المصطافين وتعريفهم بالأنواع التي قد تظهر، وأنّ بعضها قد يكون خطيراً، ويتسبب في ضيق تنفس وصولاً حتى الوفاة في حال عدم إسعاف المصاب".