قصف جسر الشغور يُجبر سوريين على النزوح مجدداً

30 يونيو 2023
جريح من جراء القصف على جسر الشغور (عبد العزيز كيتاز/ فرانس برس)
+ الخط -

شهدت مدينة جسر الشغور وما حولها في ريف إدلب الغربي، شمال غرب سورية، حركة نزوح وتخوف السكان من تجدد الحملات العسكرية من قبل قوات النظام السوري بدعم روسي، بعدما أقدمت الطائرات الحربية الروسية على استهداف مناطق عدة في شمال غرب سورية، بينها مناطق مكتظة بالسكان المدنيين وأحياء سكنية وأسواق شعبية، أبرزها مدينتا جسر الشغور وإدلب، بالإضافة إلى مناطق أخرى بريف إدلب الجنوبي وريف اللاذقية، خلفت أكثر من 11 ضحية من المدنيين و34 مصاباً على الأقل. 
وسجلت مناطق جسر الشغور وأطراف مدينة إدلب حركة نزوح للمدنيين، علماً أنها من أكثر المناطق التي استقبلت المتضررين من الزلزال المزدوج الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري في السادس من فبراير/ شباط الماضي، وتوجهت عشرات العائلات إلى مناطق مختلفة آمنة نسبياً خوفاً من عودة الاستهدافات إلى تلك المناطق.
ويأتي تخوف السكان وحركة النزوح بعد فقدانهم الثقة بالوعود التركية عقب اتفاقاتها مع روسيا وتسليم مناطق للحكومة السورية في السابق، وخصوصاً أن التصعيد الروسي في إدلب ومحيطها جاء بالتزامن مع انطلاق مؤتمر أستانة في الأسبوع الماضي، وشنّت الطائرات الروسية منذ ذلك الحين أكثر من 15 غارة جوية استهدفت محاور القتال مع فصائل في الغسانية وجبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، كما استهدفت منطقتي بسنت وبكفلا في ريف جسر الشغور، ما أدى إلى وقوع قتلى وإصابات بين المدنيين.
ولم تكن مخاوف أهالي جبل الزاوية وأريحا أقل حدة من أهالي جسر الشغور، وسرعان ما يعود الحديث عن طريق حلب اللاذقية الدولي (M4) في سورية إلى الواجهة فور بدء أي تصعيد روسي على المنطقة، كونه طريقاً يحدد خريطة السيطرة لعدة قوات محلية وإقليمية، ويعتبر مثل الشريان الرئيسي الذي يربط بين مناطق استراتيجية مهمة ومناطق خاضعة لسيطرة أطراف متعددة.
يمكث المزارع كريم السلوم (44 عاماً)، وهو من أهالي جسر الشغور، على الطريق الواصل بين مدينتي جسر الشغور ودركوش، وقد نصب خيمة تؤويه مع أسرته هرباً من الضربات الجوية على المدينة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه يقيم على مقربة من سوق الهال الذي ضربه الطيران، ويحمد الله أنه نجا مع أسرته من القصف. لا ينوي السلوم العودة قريباً طالما أن الوضع الأمني لم يستقر بعد، ولا تزال هناك غارات وقصف صاروخي على مناطق متعددة من ريف إدلب، مؤكداً أن قرار العودة أو النزوح هو رهن الأوضاع.  

من جهتها، تقول النازحة من مدينة جسر الشغور لمياء الحسينات (32 عاماً)، التي استقرت مع أولادها الأربعة وزوجها في مدينة إسقاط، شمال غرب إدلب، خوفاً من ضربات جوية جديدة على المدينة: "عشنا لحظات مرعبة". كانت تقطن في منزل قريب من سوق الهال الذي تم استهدافه، وشعرت بالخوف الشديد مع أطفالها حين سمعت الانفجار الذي أدى إلى تكسير زجاج النوافذ وإحداث تشققات في الجدران.
وتشكو الحسينات من أوضاع زوجها المادية السيئة، مشيرة إلى أنهم لن يتمكنوا من دفع بدل إيجار منزل خلال الأشهر المقبلة، وسيكون عليهم التوجه إلى المخيمات الشمالية في حال استمرار الحملة العسكرية وقصف الطيران الروسي للمدينة. 
بدوره، يعرب جواد العبد الله (39 عاماً)، وهو من أهالي قرية بليون في جبل الزاوية، عن قلقه، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "هناك حالة من عدم الاستقرار تسيطر على سكان المنطقة، خوفاً من عملية عسكرية جديدة تجبر الأهالي على النزوح في هذه الأوضاع الصعبة، في ظل صعوبة الحياة والغلاء وقلة الإمكانيات المادية المتاحة".

جسر الشغور (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
نجا من القصف (عمر حاج قدور/ فرانس برس)

ويقول مدير مخيم الرحمة الواقع في دير حسان، شمال إدلب، إن "المنطقة تعج بالنازحين من مختلف المناطق السورية الذين يعانون بسبب نقص المأوى والغذاء والدعم والاحتياجات الأساسية، ولا شك أن الأمر سيكون كارثياً في ظل موجة النزوح الجديدة". يضيف أنه على الرغم من وجود منظمات مجتمع مدني تعمل على تلبية الاحتياجات، إلا أنها لا تستطيع تغطية كامل المنطقة والأعداد الكبيرة، فضلاً عن تضخم الأسعار بالتزامن مع ارتفاع سعر تصريف الدولار الأميركي في مقابل الليرة التركية، الأمر الذي شكل معضلة أخرى أمام تأمين الغذاء ومتطلبات الحياة اليومية.
وبحسب إحصائيات فريق "منسقو الاستجابة" في الشمال السوري، بلغت أعداد النازحين السوريين نحو 2.1 مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين سوري يسكنون مناطق المعارضة السورية. كما يقدر عدد سكان المخيمات بمليون و43 ألفاً و869 نازحاً، يعيشون ضمن 1293 مخيماً، من بينها 282 مخيماً عشوائياً أقيمت في أراض زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.

وفي بيانه الأخير الذي نشر بتاريخ 25 يونيو/ حزيران الجاري، أدان فريق منسقو استجابة سورية بشدة الاستهداف المباشر للمدنيين ضمن المدن والقرى الذي من شأنه إفراغ تلك المدن والبلدات من سكانها في خطوة لإحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة، ويقول إن غياب الملاحقات القانونية للجرائم التي ترتكبها قوات النظام السوري وروسيا بحق المدنيين في محافظة إدلب، والانتهاكات المستمرة من قبل ما يسمى الضامن الروسي، ساعد هذه الأطراف على ارتكاب المزيد من الانتهاكات وعمليات التصفية الممنهجة بحق السكان المدنيين في محافظة ادلب. 
ويشير البيان إلى أن لغة الإدانات الروتينية من قبل المنظمات الدولية والحقوقية والمجتمع الدولي لم تعد مجدية في إيقاف الأعمال الإرهابية التي تقوم بها قوات النظام السوري وروسيا، ولا بد من تقديم المسؤولين عن تلك الأعمال الوحشية إلى المحاكمة والمحاسبة القانونية ضمن المحاكم الدولية لجرائم الحرب.
وتقدم الفريق في نهاية بيانه بأصدق التعازي لذوي الضحايا المدنيين في كافة المناطق التي طاولتها الاستهدافات في محافظة إدلب، متعهداً بمواصلة العمل على توثيق جميع الانتهاكات بحق السكان المدنيين في محافظة إدلب لتقديم المسؤولين عن تلك الانتهاكات للمحاكم الدولية.

المساهمون