قسّم قانون الوجبات السريعة الكولومبيين بين مؤيد له باعتباره حلا لمواجهة المشاكل الصحية التي يعاني منها السكان، ورافض له بسبب ارتفاع الأسعار وضعف القدرة المعيشية.
دفعت التحذيرات التي أطلقتها منظمة الصحة للبلدان الأميركية، وهي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن التعاون الصحي الدولي في الأميركتين، حول الأمراض التي يُواجهها سكان أميركا اللاتينية جراء السمنة، إلى اتخاذ العديد من الدول تشريعات مختلفة، وُصفت بعضها بالصارمة، من ضمنها قانون الوجبات السريعة الذي سنّته كولومبيا.
قانون الوجبات السريعة صارم
تُواجه أميركا ومنطقة الكاريبي على نحو متزايد مشكلة معقدة تتمثل في سوء التغذية، والتي تشمل نقص التغذية ـ التقزم، والهزال لدى الأطفال، ونقص الفيتامينات والمعادن ـ وزيادة الوزن والسمنة.
وبحسب تقديرات منظمة الصحة للبلدان الأميركية، فقد شهدت المنطقة زيادة في انتشار الوزن الزائد لدى الأطفال دون سن الخامسة بين عامي 2000 و2022، وانتشار السمنة لدى البالغين بين عامي 2000 و2016، وهو ما يتجاوز المتوسط العالمي في كلتا الحالتين.
أصبحت كولومبيا واحدة من أول الدول في العالم التي فرضت ضرائب على الأطعمة فائقة المعالجة، لمواجهة المشاكل الصحية التي يعاني منها السكان، وتشمل التدابير الصحية تخفيف عبء الأمراض غير المعدية مثل السرطان والسكري، وإطلاق تحذيرات توضع على الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر والملح والمواد المضافة الأخرى.
تأثيرات قانون الوجبات السريعة
تحدثت ليليانا كانو (43 عاماً)، لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أمس الجمعة، عن تأثيرات قانون الوجبات السريعة قائلة: "في أحد المتاجر الكبرى في بوغوتا، وبدلاً من تناول كيس من رقائق البطاطس، أنتقل إلى قسم الفاكهة في السوبر ماركت، بعدما فرضت الدولة ضرائب على هذه الأطعمة فائقة المعالجة".
‘Tremendously unfair’: Latin America’s strictest junk food law divides shoppers in Bogotá https://t.co/yT11XvhRGu
— Global Development (@GdnDevelopment) December 29, 2023
مثل العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، تشهد كولومبيا زيادة في عبء الأمراض غير المعدية، والتي تمثل ما يقدر بنحو 76 في المائة من جميع الوفيات في البلاد. في المتوسط، يستهلك الكولومبيون 12 غراماً من الملح يومياً، وهو أكبر معدل يستهلكه أي بلد في أميركا اللاتينية، بحسب الصحيفة.
وتُفرض الضريبة الإضافية بنسبة 10 في المائة، والتي من المقرر زيادتها إلى 20 في المائة بحلول عام 2025، على الوجبات الخفيفة والمشروبات الغازية غير الصحية، بالإضافة إلى بعض المواد الأساسية، مثل اللحوم المصنعة.
وبعد شهر من تطبيق هذه التدابير، بدأ المتسوقون في بوغوتا يشعرون بتأثيرها. لا تنفي كانو، رغم قساوة قانون الوجبات السريعة إلى حد كبير، أهمية فرضه. بحسب تعبيرها، يعلم الجميع أن تناول كمية كبيرة من السكر أو الصوديوم مضر بالصحة، لذا من الجيد زيادة الضريبة على تلك المنتجات.
وفق منظمة الصحة للبلدان الأميركية، فإن الوزن والسمنة يمثلان مشكلة حقيقية، إذ إنهما كانا مسؤولين عن حوالي 2.8 مليون حالة وفاة بسبب الأمراض غير المعدية في عام 2021 في الأميركتين. وفي الخمسين سنة الماضية، تضاعفت معدلات الوزن الزائد والسمنة ثلاث مرات، ما أثر على 62.5 في المائة من سكان المنطقة، كما أن معدل انتشار الوزن الزائد لدى الأطفال والمراهقين على المستوى الإقليمي يبلغ 33.6 في المائة، وهو أعلى من المتوسط العالمي.
السمنة ليست التحدي الوحيد في هذا المجال. ولا تزال بعض البلدان تعاني من ارتفاع معدل انتشار التقزم لدى الأطفال دون سن الخامسة. وعلى المستوى الإقليمي، بلغ هذا الرقم 11.5 في المائة. وعلى الرغم من تحقيق انخفاض كبير منذ عام 2000، فقد تباطأ هذا الانخفاض في الآونة الأخيرة.
قانون الوجبات الصحية مهم... لكن الطعام الصحي مكلف
على الرغم من أهمية قانون الوجبات السريعة، إلا أن المتسوقين يكافحون للحصول على الطعام الصحي، بسبب ارتفاع أسعاره، وضعف قدرتهم المعيشية.
يقول هيكتور كروز، وهو متسوق يبلغ من العمر 45 عاما: "الضريبة تؤثر علينا بطريقة غير عادلة إلى حد كبير، لا شك أن فرض ضرائب مهم وأساسي، على المشروبات الغازية وغيرها، لكن من المهم مراجعته لكي لا يطاول السلع الأساسية".
يوافق كروز وفق ما نقلت عنه الصحيفة على أن التحذيرات الموجودة على العبوات هي أمر جيد إلى حد كبير، لكنه غير مقتنع بأنها ستغير الطريقة التي يأكل بها. يقول كروز وهو يمسك بعلبة من رقائق البطاطس من سلة التسوق الخاصة به: "هذا هو المنتج الذي يمكنني العثور عليه بأقل العلامات التحذيرية، وبسعر يناسب ميزانيتي".
ويضيف: "بالطبع نرغب في استهلاك منتج صحي يحتوي على بروتينات ومعادن جيدة، لكن معدل البطالة مرتفع والاقتصاد يضعف، لذا فإن الأشخاص الذين ربما لم يتناولوا وجبة الإفطار أو لم يتناولوا أي شيء بحلول منتصف النهار، سيشترون فقط كيساً من رقائق البطاطس مقابل 3000 بيزو".
تعتبر أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي من أعلى الدول في تسديد تكاليف النظام الغذائي الصحي. يبلغ متوسط تكلفة اتباع نظام غذائي صحي على مستوى العالم 3.66 دولارات يومياً للشخص الواحد، أما في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، فتصل التكاليف إلى 4.08 دولارات يومياً، بحسب ما أظهره مسح مشترك بين منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، ومنظمة الصحة للبلدان الأميركية/منظمة الصحة العالمية (PAHO/WHO)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة.
الاقتصاد يعيق التقدم
يُفضّل الكثير من الناس في كولومبيا شراء الأطعمة فائقة المعالجة، مثل التشيبس، بدلاً من تناول حصة فاكهة بسبب ارتفاع سعر الفاكهة، حتى إن الأشخاص الذين يعيشون في الأرياف، والذين لديهم القدرة للوصول إلى الفاكهة والخضار، يفضلون بيع محاصيلهم وكسب الأموال بدلاً من تناولها. فقد خلصت دراسة قام بها آرني دولسرود، عالم الاجتماع في جامعة أوسلو متروبوليتان، إلى أن الناس في الأرياف يفضلون بيع المحاصيل والحصول على الأموال لدفع النفقات المدرسية لأطفالهم وشراء أغذية رخيصة ذات قيمة غذائية أقل، والتي غالبا ما تكون عالية المعالجة. ووفق دولسرود، فإن الضريبة في حد ذاتها قد تؤدي إلى زيادة استهلاك المغذيات لدى أفقر الناس في كولومبيا.
ويضيف دولسرود، وفقاً للصحيفة، أنه حتى الطرود الغذائية التي يجرى توزيعها على أفقر الأسر في كولومبيا، كجزء من برنامج حكومي، مليئة بالأغذية المصنعة، وبالتالي فعلى الرغم من أن الضرائب تشكل أحد عناصر زيادة استهلاك الأطعمة الصحية، لكن، في بلد مثل كولومبيا، لا بد أن تكون الإصلاحات الضريبية، والبرامج الصحية، أكثر اعتدالاً، خاصة للفئات الأكثر ضعفاً.
تعد ملكية الأراضي في كولومبيا واحدة من أكثر حالات عدم المساواة في العالم. أكثر من 80 في المائة من الأراضي المنتجة في البلاد مملوكة لـ1 في المائة من الشركات الزراعية، وفقًا لمراجعة قانون حقوق الإنسان في كولومبيا، وبالتالي، وفق دولسرود، إن كانت الحكومة تبحث عن سياسات مستدامة طويلة المدى للأمن الغذائي، فينبغي عليها أن تفعل شيئًا بشأن الوصول إلى الأراضي.
الصحيفة نقلت عن غييرمو باراجي، الخبير الاقتصادي في جامعة أدولفو إيبانيز في تشيلي، وهو باحث بارز في الضرائب الصحية في أميركا اللاتينية، قوله: "إن سعر البدائل الصحية يمثل حقيقة مشكلة، صحيح أن فرض ضرائب هدفه الحفاظ على صحة الإنسان، ولكن الفقراء يعتبرون الفئة الأكثر تأثراً سواء سن القانون أو لا". بحسب تعبيره، الفقراء غير قادرين على شراء أطعمة صحية، والاعتماد على الأطعمة السيئة يزيد من خطر الأمراض.
تجارب سابقة وتشريعات لمكافحة الوجبات السريعة
كولومبيا ليست الدولة الأولى التي تسن تشريعات خاصة بمكافحة الطعام غير الصحي، كما هو حال قانون الوجبات السريعة. وفي تشيلي، أقر مجلس الشيوخ قوانين صارمة لوضع العلامات الغذائية. وفرضت المكسيك ضريبة على المشروبات السكرية والوجبات السريعة، واختارت البرازيل التدابير الطوعية التي أثبتت فعاليتها، بحسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في تقرير سابق عام 2019.
في 2012، وافق مجلس الشيوخ التشيلي على قانون وضع العلامات الغذائية والإعلان عنها، والذي دخل حيز التنفيذ في عام 2016 مع سياسة شاملة لتنظيم الأغذية على ثلاث مراحل متزايدة الصرامة. وقد تضمن القانون تحذيرات على مقدمة العبوة، وفرض قيود على تسويق الأطعمة غير الصحية مباشرة للأطفال، وفرض قيود على الأطعمة التي يمكن بيعها في المدارس ومرافق الرعاية النهارية.
في المكسيك، وبين عامي 1989 و2006، زاد استهلاك المشروبات السكرية بنسبة 60 بالمائة. ومع معدلات الوفيات التي تعد من بين أعلى المعدلات في العالم بسبب الأمراض المزمنة المرتبطة بنمط الحياة مثل مرض السكري، فإن المكسيكيين يشربون كميات أكبر من المشروبات الغازية لكل شخص مقارنة بالمقيمين في أي بلد آخر تقريباً، ولذا بدأت الدول بسن قوانين وفرض ضرائب على المشروبات الغازية، والمشروبات التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر.
وفي البرازيل، اتخذ تغيير السلوكيات الغذائية للمواطنين مسارا طوعيا، وقد أثبت فعاليته أيضا. تحتوي المبادئ التوجيهية الغذائية للسكان البرازيليين لعام 2015 على إرشادات قوية ومباشرة حول كيفية تناول الطعام.