استجاب البرلمان الألماني "بوندستاغ" أخيراً لمطالب تعزيز قدرة الحكومة الفيدرالية على دعم السلطات في الولايات والبلديات المثقلة بأعباء المهاجرين وطالبي اللجوء، وصوّتت غالبية أحزابه على قانون جديد يُبسّط عمليات إعادة أولئك الذين رُفضت طلبات لجوئهم أو اتهموا بارتكاب مخالفات جنائية.
وبينما كان لافتاً عدم تصويت حزب "البديل" اليميني الشعبوي على القانون بحجة أن بنوده لم تذهب بدرجات أبعد في التضييق على اللاجئين وزيادة التشدّد في عمليات الترحيل. منح القانون الجديد الشرطة صلاحيات أهمها توسيع البحث عن الأشخاص المطلوب ترحيلهم، والتدقيق في المستندات والبيانات المتعلقة بهوية الأشخاص المعنيين الذين يسمح مثلاً بتحديد مواطنهم الأصلية.
ويسمح القانون أن تفتش السلطات عن الأشخاص المدرجين على قوائم الترحيل في أماكن الإقامة المشتركة، خصوصاً أن عدداً كبيراً منهم يتعمّدون الإقامة لدى افراد آخرين من أجل الاختباء، وبات يمكن أن تصطحب الأجهزة الأمنية الشخص المعني بالترحيل ليلاً، في حين باتت الاعتراضات والدعاوى القضائية على الإجراءات المتخذة، وبينها حظر دخول طالبي اللجوء أو عدم منحهم تصاريح إقامة، بلا تأثير على صعيد وقف تنفيذ الإبعاد.
ويلحظ القانون عدم الإعلان عن عمليات الترحيل إلا إذا كانت تؤثر في أسر لديها أطفال تحت سن الـ12، علماً أن وزارة الداخلية تعتبر أن "إجراءات تسريع الترحيل ضرورية للحفاظ على قبول مجتمعي يساهم في حماية اللاجئين".
يسمح القانون أن تفتش السلطات عن الأشخاص المدرجين على قوائم الترحيل
وزاد القانون الجديد إلى 28 يوماً بدلاً من 10، المدة القصوى لفترة الاحتجاز قبل تنفيذ الترحيل، وأيضاً فترة تجهيز عملية الإبعاد لمنع الشخص المراد ترحيله من الاختباء. وبات يمكن اعتماد سبب مستقل للاحتجاز بحجة انتهاك حظر الدخول والإقامة، وينطبق ذلك مثلاً على الأجانب الذين دخلوا ألمانيا بشكل قانوني في البداية ثم طالبتهم السلطات بالمغادرة لاحقاً لأسباب معينة.
ولحظ القانون أيضاً توسيع إطار ما يسمى "احتجاز عدم التزام التعاون التشاركي" الذي يشمل حالات يفشل فيها الأجنبي في تقديم معلومات توضح جنسيته، في حين منع احتجاز القاصرين في انتظار الترحيل، وفرض تعييين محامين لمتابعة أوضاعهم، لكن ذلك لم يمنع نقابة المحامين من القول إن "إجراءات الترحيل الجديدة غير مناسبة"، كما أعطى السلطات حق وضع قوائم تسهّل طرد المهربين، خاصة أولئك الذين أدينوا بالسجن لمدة عام على الأقل بتهم مساعدة مهاجرين في الوصول إلى ألمانيا، أو ارتكاب أعمال جنائية أو تشكيل عصابات إجرامية. وفي شأن مخالفات معادة الأجانب للسامية وإظهارهم العنصرية أو الكراهية، يطالب القانون بالتحقق من الوقائع والدوافع قبل تنفيذ أي خطوة لإبعادهم.
وفي حين تؤكد وزارة الداخلية حرصها على إرغام الأشخاص الذي لم يمنحوا الحق في البقاء على المغادرة بسرعة أكبر، تعتبر منظمة "بروأزول" التي تدافع عن حقوق اللاجئين أن "قانون الترحيل الجديد يخدم الحزب اليميني الشعبوي لكنه لا يحل المشكلات، كما أن الصلاحيات الخاصة بعمليات الترحيل التي منحها القانون للسلطات ستنتهك الحقوق الأساسية، وتتسبب في ممارسات أكثر وحشية واعتقالات. القانون يُلبي الدعوات الشعبوية، في حين لا تسمح الأوضاع السائدة في بلدان عدة وأحوال حقوق الإنسان فيها بتنفيذ عمليات ترحيل".
تؤكد وزارة الداخلية حرصها على إرغام الأشخاص على المغادرة بسرعة أكبر
ونددت المنظمة بتزايد تحويل الأحزاب التقليدية لهجة خطابها السياسي إلى اليمين المتطرف، والتركيز على القيود، ورفع عدد عمليات الترحيل. "بدلاً من ذلك كان يجب أن يركز السياسيون على استقبال وإدماج الأشخاص الذين يصلون إلى البلاد، علماً أن هذا الأمر يتطلب موارد مالية وبشرية وتعديلات تشريعية"، مطالبة بضرورة "تحديد أولويات وأسباب مختلفة لمنح الحماية للمهاجرين الوافدين، وإنشاء أماكن للرعاية في النهار ومدارس، والاهتمام بالسكن الاجتماعي وبتوفير إيجارات بأسعار معقولة لان معظم الأشخاص الذين يطلبون اللجوء في ألمانيا سيبقون فيها".
وخلصت المنظمة إلى "أنه في ضوء الصراعات المتزايدة في أنحاء العالم التي ترفع عدد اللاجئين الى مستويات قياسية، يجب أن يبدأ الألمان في فهم قضية الحروب واللاجئين باعتبارها أمراً طبيعياً في عالم تحكمه العولمة، ويجب إظهار أن حقوق الإنسان لا تزال ذات قيمة بالنسبة إلى الألمان، وأنهم لا يريدون التضحية بها من أجل الخطاب اليميني الشعبوي المثير للانقسامات".
وتفيد وزارة الداخلية الاتحادية بأن 242.642 شخصاً طلبوا مغادرة ألمانيا حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رغم أن 193.972 منهم امتلكوا إقامات مسامحة (دولدونغ) للبقاء، ومعظمهم من العراق وأفغانستان ونيجيريا وتركيا وسورية وروسيا.
وتعلّق بأن "هذه الأرقام تعني أن هناك وقف ترحيل مؤقتا لأربعة من أصل خمسة أشخاص طُلب منهم المغادرة لأسباب متعددة بينها الوضع الأمني في بلادهم الأصلية، أو بحكم حصول أطفالهم على تصاريح إقامة أو تدريب مهني أو ربما بداعي المرض، وأيضاً بسبب عدم حيازتهم على جوازات سفر أو وجود نقص في وثائق سفرهم".
والعام الماضي رحلّت السلطات الألمانية 16430 شخصاً بزيادة 27 في المائة عن عام 2022 حين رحلت 12945 شخصاً، لكنها فشلت أيضاً في تنفيذ 31770 حالة ترحيل مقررة، ما يعني أن ثلث عمليات الإعادة لم تنجح لأسباب عدة بينها إلغاء الرحلات أو عدم العثور على الأشخاص المطلوب ترحيلهم أو رفض بلدان المقصد قبولهم أو معاناتهم من أمراض خطيرة.
وتفيد شبكة "إيه آر دي" الإخبارية" بأن "وزارة الداخلية لا تتوقع حصول زيادة كبيرة في عمليات الترحيل مع إقرار التعديلات، وتحددها بنسبة 5 في المائة فقط عن العام السابق، وصولاً إلى 600 شخص كحدّ أقصى، لأن أجهزتها تدرك أن العمل من طرف واحد لن يحقق النتائج المنشودة خصوصاً أن العديد من دول المنشأ أو الدول الثالثة ترفض أن تتعاون في الملف".